عندما قال المتنبي بيته المعروف:
كأنّا لم يرضَ فينا بريب
الدهر حتى أعانه من أعانا
لم يكن يدور في ذهنه أن بيته سيكون معبرا عن وضع يبتعد عن زمنه نحو ألف سنة، ويصور وضعا، أقل ما نصفه بأنه «محزن» لفئة عزيزة من أبناء الوطن، ابتلاها الله بمرض حملته معها منذ تفتحت عيونها على الحياة، ثم جاء «الروتين الحكومي» ليكون السهم الذي يُركّب على رمح الحياة الذي وصفه شاعرنا في بيته السابق، فيزيد من معاناتها بدل أن تكون اليد الحكومية بلسما يخفف ما أصاب أولئك المرضى من مرض.
المقصود في الكلام السابق هم فاقدو السمع «الأصماء» الذين شاء الله لهم أن يفقدوا حاسة السمع، والتي ترتب عليها عدم قدرتهم على الكلام، لأن الكلام مرتبط بما يسمعه الإنسان منذ صغره، ولأن العلم تقدّم كثيرا فقد نال هذه الفئة شيئا من إيجابيات الطفرة العلمية، فاخترع ما عرف باسم «القوقعة الإلكترونية» التي تعالج الصمم الحسي العصبي، وهو جهاز إلكتروني مصمم لالتقاط الأصوات وفهم الكلام، ليعيد من فقدوا سمعهم إلى محيطهم السمعي، لكن مشكلة المرضى في الكويت أن كل شيء تولد معه مشاكله، بدءا بالعمليات الجراحية لتثبيت جهاز القوقعة التي تتأخر كثيرا، مرورا باكتشاف عطل ذلك الجهاز بعد تركيبه، وانتهاء ببيع ملحقات الجهاز ذات الاسعار الباهظة.
إذاً، فرحلة مريض الصمم في الكويت مع جهاز القوقعة مريرة وطويلة، شرحها أولياء الأمور الذين أكدوا أن معاناة أبنائهم مع وزارة الصحة كبيرة، ولها تداعيات سيئة على صحتهم، لاسيما مع العمليات الجراحية التي تتسبب بمضاعفات تصل إلى الإصابة بالسحايا، وذلك لأن عملية تثبيت القوقعة تحتاج إلى فتح الرأس وزراعة جزء منها داخل الدماغ، ومن ثم برمجته، فإذا ما اكتشف أنه لا يعمل سيضر المريض للخضوع إلى عملية أخرى، مع معاناة جديدة وآلام ومضاعفات.
ويؤكد أولياء الأمور أنه في حال كان الجهاز صالحا أو أعيد زرع جهاز جديد، تأتي الخطوة التالية ببرمجته وتحديد متخصص لتعليم الطفل اللفظ والنطق، وهنا تبرز مشكلة جديدة لعدم وجود كويتيين متخصصين في هذا الأمر، ما يضطر إلى التعامل مع مبرمج من جنسية عربية تفقد الطفل توازنه بين اللهجة الكويتية واللهجات الأخرى، وإذا ما تعطل الجهاز فيدخل الأهل في مشكلة أخرى حيث ينعزل الطفل عن العالم عدة أشهر، لعدم وجود ورش إصلاح في الكويت، حتى يرسل الجهاز للإصلاح في الخارج ومن ثم يعاد، بالإضافة إلى أن أسعار ملحقات الجهاز غالية، مناشدين سمو رئيس الوزراء ووزير الصحة مساعدتهم في تخفيف معاناتهم ومعاناة أبنائهم.
أمل الدمخي، ولية أمر وناشطة في مجال الإعاقة، كانت أولى المبادرات في مجال الإعاقة السمعية، حتى أطلق عليها لقب «أم زراعة القوقعة» كون ابنيها أول من أجريا عملية زراعة القوقعة في الكويت عام 2002.
تقول أمل إن لها تجربة مريرة مع وزارة الصحة، لكنها بإصرارها وعزيمتها جعلت ابنيها يسمعان ويتكلمان بشكل طبيعي، خصوصا أنهما مشيا في التعليم بشكل جيد.
وعن رحلتها مع إعاقة ابنيها تضيف أنها اكتشفت حالة ابنيها واصابتهما بضعف شديد في العصب السمعي، وقد أجريت لهما الفحوصات وصرف لهما سماعات طبية ولكن مع مرور سنة كاملة، لم تجد فائدة في أي استجابة لأي صوت، وأبلغت الأطباء بذلك «ولكن للأسف كانوا يعارضون ويتذرعون بضرورة التحلي بالصبر».
وأكملت أنها كأم لم تتحمل هذه اللامبالاة، وحاولت البحث عن أي حل حتى سمعت عن زراعة القوقعة للمرة الأولى، فقامت بجمع التقارير الطبية وأجرت العملية لابنيها بتكلفة وصلت الى 25 ألف دينار، لكل واحد منهما وقد نجحت العملية التي أجراها فريق زائر للكويت لست حالات تم اختيارهم مع ضرورة ان تكون هناك برامج للتخاطب والتأهيل حتى يضمن نجاح العملية، ولذلك من قام بزراعة القوقعة ولم يخضع لبرامج التخاطب فإنه لم يستفد من العملية، وهذا لم يتم توفيره بشكل كافٍ في وزارة الصحة فلا يوجد متخصص في تأهيل زارعي القوقعة ولا يمكن الاستعانة بالمختصين من القطاع الخاص لأنه مكلف جداً، حيث تصل الحصة الواحدة ومدتها ساعة الى 15 ديناراً وبمجموع لا يقل عن 600 دينار شهرياً حتى يستطيع الطفل أن يعيش حياته ويستفد من الجهاز المزروع في رأسه لحفظ الكلمات وفهمها وتحسين نطقه وهذه التكلفة العالية لا يستطيع معظم أولياء الأمور ان يوفروها لجلب مختص في فن التخاطب، بالاضافة الى قلة أعدادهم.
وأضافت الدمخي ان وزارة الصحة لا تهتم بحالات مرض القوقعة لدرجة أن أحد المسؤولين طلبنا مقابلته مع مجموعة من الأمهات لشرح معاناتنا وايصال رسالتنا وبعد ستة أشهر تم تحديد موعد لم يتجاوز 10 دقائق ختمها «أنا عندي عمليات وما عندي وقت»!!
وتساءلت الدمخي «ما ذنب ابنائــــــنا في عـــــدم توفير أجهزة لهم نتيجة مشاكل المناقصات بين الشــــــركات ووزارة الصـــحة؟ بل وصل الحال الى ان بعض الأجهزة غير صالحة وقد تم اكتشاف ذلك بعد إجراء العملية»، كما انه «لا وجود لورش صيانة لهذه الاجهزة القديمة والطامة ان يتم صرف الجهاز دون ملحقاته مع العــــلم ان الجـــــهاز يأتي من الشركة المصنعة في كرتون يحتوي على الجهاز وكافة ملحقاته ولكن الشركات في الكويت تصرف الجهاز وتبيع ملحقاته للمرضى دون أي تحمل للمسؤولية ولا رقابة من وزارة الصحة على ذلك».
وقد ناشدت سمو رئيس مجلس الوزراء ان يقف مع أبنائه فاقدي السمع وزارعي القوقعة لتوفير أجهزة جديدة خاصة وان قانون المعاقين الجديد يكفل هذا الحق والأجهزة غالية وسعرها يفوق (6) آلاف دينار ولا أحد يستطيع أن يشتريه وكيف تكون حال من لديه حالتان أو ثلاثة.
من جانبها، قالت أم سعود ان هناك قصوراً في الخدمات التي تقدمها وزارة الصحة لزارعي القوقعة تبدأ من العملية التي يشترط ألا يقل عمر المريض عن عامين وهذا القرار غير طبي ولا أعلم من أقره في وزارة الصحة لأنه كلما تمت زراعة القوقعة مبكراً أعطت للمريض فرصة للسماع وبالتالي التعلم والحفظ وحسن النطق وهذا معمول به بالخارج حيث تجرى العملية في عمر ستة أشهر في الدول المتقدمة.
وأضافت ان وزارة الصحة تتقاعس في توفير الخدمات الصحية للمرضى حيث لا توجد أجهزة حديثة ولا قطع غيار خاصة وأن تكلفة صيانتها تتجاوز (500) دينار، بالاضافة الا ان هذه الاخيرة يتم صرفها دون بطارية او ملحقات وعدم وجود صيانة والجهاز في اي لحظة يمكن ان يتعطل وبالتالي يحرم الطفل من السمع حتى نجد له سماعة.
وذكرت ام سعود ان عدم التنسيق بين وزارات الصحة والهيئة العامة لشؤون ذوي الاعاقة لتوفير الاجهزة ومتعلقاتها خصوصا وان على الهيئة توفير هذه الاجهزة الصوتية وفقا للمادة 44 من قانون 8 لسنة 2010 والتي تنص على «تعفى من الرسوم والضرائب لانواعها الادوات والاجهزة التأهيلية والتعويضية» وهذا ما يؤكد حاجة ابنائنا الى تبديل اجهزة القوقعة اكثر تطورا وتوفير قطع غيارها وان اي تأخير قد يؤثر بشكل سلبي على الابناء ويصعب عليهم حياتهم الاجتماعية والتعليمية والتواصل مع المجتمع.
بدورها، قالت ام طيبة ان هناك معاناة في تعليم ابنائنا المرضى فهناك مدارس خاصة يدفع لها قرابة 4 الاف دينار سنويا من قبل هيئة المعاقين دون توفير اي تعليم جيد لهم وخاصة بما يتعلق بمواءمة المناهج وعزل الفصول لان الصوت يؤثر على الطالب ويشوش عليه وكذلك توفير اخصائيي تخاطب كويتيين نظرا لان الموجودين مع الاحترام لهم ليسوا كويتيين وبالتالي فالطالب يتكلم بلهجتهم ولان جهاز القوقعة يحفظ هذه اللهجات مثل الكمبيوتر.
كما استذكرت ام طيبة ان احد الوزراء اصدر قرارا في سنة 2009 ينص على صرف مبلغ 300 دينار لكل زارع قوقعة بدل بطاريات سنويا ولم يتم تطبيق القرار حتى اليوم ما جعل مركز سالم العلي لا يصرف بطاريات لابنائنا بحجة ان الهيئة تصرف لنا (بدل) بالرغم من نفي رئيس الهيئة جاسم التمار لذلك وان الهيئة لم تصرف شيئا وهذا دليل واضح على عدم التنسيق بين وزارة الصحة والهيئة العامة لذوي الاعاقة بهذا الشأن والضحية ابناءنا المرضى.
وايدت كلامها ام روان في هذا الشأن حيث ذكرت ان وزير الشؤون السابق بدر الدويلة اصدر ثلاثة قرارات تنظيمية في المجلس الاعلى للمعاقين السابق في مايو 2008 ينص على الغاء شرط الرخص التجارية لحالات المعاقين المستفيدين من المساعدات الاجتماعية دون سن 18 سنة والقرار الثاني عدل به آلية دعم السماعات الطبية بحيث يحق للشخص المعاق الذي تقر اللجنة الطبية ان اعاقته سمعية الاستفادة من دعم السماعات الطبية كل 3 سنوات لحين بلوغه سن الثامنة عشرة على ان تكون الاستفادة لمدة اربع سنوات لممن تجاوز ذلك العمر.
وجاء في القرار الثالث احقية المعاق باعاقة سمعية في دعم بطاريات زراعة القوقعة بقيمة 300 دينار كحد اقصى للبطاريات والاسلاك التابعة لها.
ولم يتم تطبيق هذه القرارات حتى الان، خصوصا وان هناك اطفالا قد تمت زراعة قوقعة لهم من 7 سنوات ولم يتم تغييرها خصوصا وان هذه الاخيرة تحتاج الى صيانة وقد صدرت نسخ متطورة حديثة ولكن الصحة لا توفرها.
من جانبها، قالت ام عبدالعزيز ان معاناة الامهات كبيرة نتيجة عدم منح ابنائنا المرضى حقوقهم بدءا من وزارة الصحة التي لا توفر اجهزة حديثة ومتطورة وعدم نجاح بعض العمليات حيث يتم اكتشاف عطل الجهاز بعد اجراء العملية ما يؤدي الى مضاعفات صحية على المريض ويجبر على اجراء عملية جراحية اخرى، خصوصا وان مكانها خلف رأس المريض، وهو مكان حساس وخطير وكذلك عدم وجود متخصصين كويتيين للتخاطب مع ابنائنا المرضى وعدم الاستعانة بالخريجين الكويتيين الذي يدرسون فن التخاطب، بالرغم ان هناك دفعة تم تخريجها من جامعة الكويت وتعيينها في مدرسة الرجاء الخاصة، متمنية ان تتبنى الجامعات الخاصة هذا الامر وتهتم بتدريس التخاطب لذوي الاعاقة السمعية.
واضافت ان عدم وجود ورش لتصليح السماعات يؤدي الى معاناة ابنائنا وعيشهم في عزلة عن العالم خصوصا ان التصليح يستمر لاكثر من شهرين فكيف سيسمع المريض ما يؤثر سلبا على نفسياتهم.
واشارت ام عبدالعزيز الى ان الهيئة العامة لشؤون الاعاقة قد ظلمت بعض المرضى زارعي القوقعة حيث تم منح شهادة اعاقة لهم مذكور بها ان اعاقتهم دائمة وشديدة ولكن للاسف ظلم البعض بتقليل اعاقتهم الى متوسطة ما حرمهم من الامتيازات المادية ودون تقديم أي دليل على هذا التقييم خصوصا وان الاعاقة السمعية واضحة من خلال الجهاز المركب في رأس المريض ولا مجال للتلاعب او التدليس بهذا الامر.
وقد ناشدت امهات الاطفال زارعي القوقعة سمو رئيس مجلس الوزراء ان يلتفت لمعاناتهن وابنائهن وتذليل الصعبات وتوفير الاجهزة الحديثة وصيانتها وصرف بدل البطاريات لهم.
إعفاء الأجهزة من الرسوم
ذكرت المادة 44 من قانون رقم 8 لسنة 2010 في شأن حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة «تعفى من الرسوم والضرائب بانواعها الادوات والاجهزة التأهيلية والتعويضية ومركبات الافراد المجهزة لاستخدام الاشخاص ذوي الاعاقة كما تعمل الحكومة على تزويد الاشخاص ذوي الاعاقة بالاجهزة التعويضية اللازمة لهم مجانا وفقا لتقرير اللجنة الفنية المختصة».
«حملة توعوية» لزارعي القوقعة
قامت امهات المرضى زارعي القوقعة بتدشين حملة توعوية لاولياء أمور المرضى في كيفية التعامل مع حالات ابنائهم والمطالبة بحقوقهم المهضومة ومتابعتها مع وزارات الدولة وهيئاتها وذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي على تويتر qawq3a2@ والأنستغرام qawq3a2@، بالاضافة الى كافة الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية.
القوقعة الإلكترونية… تكوينها وعملها
يتكون جهاز القوقعة الالكترونية من جزأين رئيسيين، جزء داخل يزرع في الاذن عن طريق عملية جراحية بالرأس خلف الاذن ولا يظهر بالخارج وجزء خارجي يشتمل على الميكرفون ومعالج الكلام وقطعة الرأس التي يمكن تركيبها وفصلها من على الرأس بسهولة، وتعتمد طريقة عمل جهاز القوقعة الالكترونية على التقاط الاصوات والكلام عن طريق الميكرفون ثم يتم معالجتها عن طريق معالج الكلام وإرسالها الى الجهاز المزروع داخل الاذن من خلال الجلد حتى يتم برمجتها ثم تنقل هذه الاشارات المبرمجة الى مصفوفة الاقطاب المزروعة داخل قوقعة الاذن والتي تقوم بدورها بإثارة العصب السمعي ليرسل هذه الاشارات الى المخ التي يستقبلها كأصوات.
حاسة السمع وعوامل فقدانها
ان حاسة السمع هي نعمة منّ بها الله سبحانه وتعالى على الانسان ليحيا حياة طبيعية ويتفاعل من خلالها مع العالم الخارجي… فإذا ولد الطفل فاقدا لحاسة السمع فلن يمكنه النطق بالكلمات ولا التعلم او التواصل مع الآخرين لأنه ينطق ما يسمعه ويتعلم بالمحاكاة كذلك فإن الشخص البالغ اذا تعرض لفقدان حاسة السمع فإنه يعيش معزولا غير قادر على اداء عمله ويصبح معتمدا على الآخرين.
وهناك عدة عوامل تؤدي الى فقدان السمع منها العامل الوراثي وخاصة في حديثي الولادة او مرضى الالتهاب السحائي (الحمى الشوكية) اما البالغون فقد تكون بسبب التعرض للضوضاء او تناول بعض العقاقير المدمرة لخلايا الاذن الداخلية او التعرض للاصابة بفيروسات وقد يضعف السمع نتيجة تقدم العمر.
وفي حال تم تشخيص الحالة على انها اصابة بالصمم الحسي العصبي فلابد من زراعة القوقعة الالكترونية وهي جهاز الكتروني مصمم لالتقاط الاصوات ومنها الكلام المحيط بالاشخاص الذين يعانون من فقد السمع الحسي العصبي وضعف السمع لدى هؤلاء الاشخاص عادة ما يكون شديد او عميق الدرجة في كلتا الاذنين وهؤلاء لا يستطيعون الاستفادة من استخدام المعينات السمعية التقليدية حيث انها محدودة في تحسين التقاط الكلام وفهمه بالنسبة لهم والسبب لا يعود الى عدم قدرتها على تكبير الاصوات بالصورة المطلوبة ولكن يرجع الى تلف الخلايا الحسية المسؤولة عن السمع او عدم وجودها بقوقعة الاذن ولذا فإن الاصوات التي يتم تكبيرها عن طريق المعينات السمعية التقليدية لا تصل الى مراكز الاحساس بالسمع في المخ ومن هنا يأتي دور جهاز القوقعة الالكترونية حيث يعمل على تخطي الخلايا السمعية التالفة او المفقودة بقوقعة الاذن ومن ثم اثارة العصب السمعى مباشره