كم هي عظيمة أم المعاق التي كانت اعاقة ولدها او ابنتها الحافز والدافع على العطاء والاطلاع والتعرف على الاعاقات بأشكالها، والطرق المثلى في التعامل معها في هذه الظروف الخاصة، بل وتعدى دور تلك الامهات من داخل محيط الاسرة لينتقل الى المجتمع بأسره تحت احساس منهن بالمسؤولية الاجتماعية التي جعلت منهن فاعلات ومؤثرات فيه، منخرطات في الجمعيات والنقابات والمراكز المعنية بشؤون ذوي الاعاقة، لتعيد كل أم تأهيل ولدها لتخطي الصعاب وممارسة الحياة بصورة طبيعية تسهل لهم الاندماج مع الاخرين، وتقبل الواقع والتكيف معه، اضافة الى تقديم يد العون من ارشادات ونصائح ونقل تجاربهن الى غيرهن للتخفيف من وطأة الصدمة الاولى، وهي معرفة وجود طفل معاق بالبيت.
الهام الفارس أم لاربعة أطفال معاقين تقول:
– تعلمت الكثير من اعاقات اولادي المختلفة والذين غيروا من حياتي وجعلوا مني أما وفردا فعّالا في المجتمع. فقد اكتسبت خبرة من قراءة الكتب ومتابعة كل الندوات الخاصة باعاقتهم ارشدتني لطرق التعامل مع اولادي وكيفية اظهارهم واختلاطهم بالمجتمع، ما جعلني بعد ذلك متطوعة في العمل الخيري، فأصبحت ألقي محاضرات لاولياء امور المعاقين عن كيفية تقبل الصدمة والتعامل معها.
اكتسبت هذه الخبرة الذاتية من اعاقة اطفالي الاربعة عندما دخلت فاطمة الروضة وبدأ يوسف أخوها يتعلم المشي، فأول صدمة اصابة فاطمة باعاقة ذهنية وبطء في التعلم، ويوسف بحالة نادرة تسمى (الشلل الرعاشي للأطفال). وفي بداية الأمر لم يستدل الأطباء على هذا المرض، وكان يوسف يمر بحقل من التجارب لتشخيصه، وقال الأطباء إنه مرض غير وراثي، وبعد 5 سنوات اشتقت لمولود جديد فرزقني الله بمحمد المصاب بحالة يوسف، فتأكد الأطباء ان المرض وراثي %100، ومن ثم رزقت ببنت تحمل جينات مرض اخوانها.
وتستطرد الفارس: توفي محمد واخته بذة بعد معاناتهما من امراض القلب وفاطمة استكملت دراستها وحصلت على الدبلوم والآن موظفة بمركز «عبير 2» وتعتمد على نفسها بنسبة %80، أما يوسف فحالته في انتكاس لعدم قدرتي المادية على استكمال علاجه في الخارج، والدولة لا تقدم التسهيلات اللازمة بشكل سريع فالامر يحتاج الى «واسطة».
رحلة بحث
اكتشفت أحلام اليحيى، والدة عثمان الربيعة، اصابة ابنها بالتوحد مبكرا وهو في الثالثة من عمره. تقول:
– لم أكن اعرف ما هو التوحد ولا كيفية التعامل مع حالة ولدي، فبدأت رحلة البحث بين المدارس المتخصصة ودور الرعاية ومواقع الانترنت الى ان وجدت مدرسة احتضنت عثمان. وتقاعدت من عملي لمتابعة حالته ورعايتها.
وطورت قدراتي على الرعاية بابني من خلال حضور العديد من الندوات المعنية بالتوحد والتي اعطتني دافعا قويا للاستمرار من خلال نقل تجارب الآخرين في التعامل مع اولادهم، وقراءة الكتب والكتيبات المتخصصة، والمشاركة في المؤتمرات العالمية والدورات التي تعلمنا كأولياء أمور كيفية التعامل مع أحدث برامج التوحد لتطبيقها على ابنائنا. وأفادني كثيرا مركز التوحد الذي اكتسب فيه عثمان مهارات عدة في النجارة والرسم والتلوين، ومدرسة (Reach) المعنية بتأهيل الطفل للتواصل والانخراط في المجتمع.
وحصل عثمان على عدة جوائز منها جائزة الامير 3 مرات في حفظ القرآن الكريم وجائزة الطالب المتميز لنادي المعاقين لثلاث سنوات متتالية.
17 عاما من الكفاح
تحكي هدى الخالدي قصتها مع ولدها بدر السويدان فتقول:
– اكتشفت اعاقة ابني الذهنية بعد ولادته بأربعة أشهر عندما ارتفعت حرارته، وفاجأتني الطبيبة التي قامت بفحصه بانه مولود «ناقص اكسجين» وهذا سبب له اعاقة ذهنية في عقله، ونصحتني بالتوجه الى الطب التطوري لمتابعة طريقة علاجه، ومن هنا بدأت دائرة البحث مع الطب التطوري للتخفيف من حالته.
وتؤكد الخالدي على مدى احتضانها لابنها على مدى 17 عاما السابقة من متابعة حالته مع الاطباء والبحث عن المدارس المتخصصة. والخالدي عضو مجلس ادارة في جمعية اولياء امور المعاقين. وتشير الى تطور حالة ابنها من خلال تنويرها بالقراءة حول الاعاقات المختلفة والبحث عن كيفية التعامل معها بالشكل السليم، وطريقة دمج هذه الفئة مع أقرانهم من الاسوياء في المجتمع.
ومن خلال عملي التطوعي بالجمعية خصصنا برامج تدريب صيفية وربيعية ميدانية لمساعدة المعاق في الاعتماد على نفسه ولتعليمه كيفية التعامل مع الناس بالاحتكاك بهم بشكل عملي.وبالفعل أنا سعيدة بتطور بدر الذي اصبح شبه سوي ويتعامل بشكل طبيعي مع الجميع.
خطأ طبي
سعاد السلمان صدمت بعد علمها باصابة ابنتها سارة الحسين بشلل دماغي (نقص في الاكسجين) نتيجة لخطأ طبي أثناء عملية الولادة وتقول:
– لم استوعب أن سارة لن تمشي على قدميها وانها مصابة بشلل، فظللت ابحث بين أطباء المستشفيات الحكومية والخاصة لأبدأ رحلة العلاج الطبيعي داخل الكويت لمدة 3 سنوات ثم السفر لاستكماله بالخارج في التشيك ويوغسلافيا لمدة سنتين، وعدت الى الكويت لاباشر علاجها في البيت بعد تعلمي في يوغسلافيا كيفية التعامل مع حالتها بالشكل السليم الذي يمكني من ان أصبح طبيبتها الخاصة.
ومازلت استكمل تأهيل ابنتي التي تحسنت حالتها بنسبة %70 حيث قمت بتصميم «ستاند» من اختراعي عند نجار لفرد ظهرها المنحني مع طاولة لممارسة بعض الالعاب والتمارين التي تقوي من حركة يديها ورأسها.
معاناة المدارس والتوظيف
تقول هناء الصانع:
– كان عمر خالد 20 يوما فقط عندما اخبرني الاطباء في اميركا باصابته باعاقة ذهنية وانها ستتضاعف بعد تقدم عمره لتضعف عضلاته ويعود كطفل صغير. فاهتممت مع والده بعلاجه المبكر.
وخيرني الاطباء بين استكمال علاجه في اميركا حيث المستوى العلمي او العلاج في الكويت حيث الحياة الاجتماعية، واخترت انا ووالده الحياة الاجتماعية، فنحن لا نستطيع ان نعيش في عزلة بعيدا عن الاهل والاصدقاء. ومنذ قرار العودة للديرة بدأت رحلة «معاناة المدارس» فقبل الغزو لم تكن متاحة مدارس متخصصة لتلك الفئة.بعدهافتحت روضة خاصة للمعاقين في فندق المسيلة ومن ثم انتقل خالد من مدرسة الى اخرى حتى تخرج من رحلة التعليم وبدأت معاناتي مع التوظيف. فالقطاع الحكومي يوظفهم من باب الشفقة غير محترم لقدراتهم وامكاناتهم، فاتجهت للقطاع الخاص ليعمل خالد ذو الـ29 عاما في مجال الاتصالات منذ 7 سنوات.
وتدعو الصانع امهات المعاقين الى عدم النظرة للاعاقة على انها يأس من الحياة بل هي نعمة كبيرة ولابد من ثقلها فكلما لمعتها نورت حياتك اكثر. مشيرة الى أن خالد صقل من شخصيتها وجعلها فردا منتجا في المجتمع وحوّل المحنة الى منحة والالم الى أمل.
نظرة المجتمع
أصيب مشعل الطواش ابن هنادي محمود الكندري والمولود عام 1997 بمرض السحايا بعد ولادته بثلاثة أشهر مما أدى لاصابته بشلل رباعي وذهني. وتقول هنادي:
– كانت المراكز المتخصصة ذاك الوقت قليلة فلجأت لمركز التدخل المبكر الذي قدم لي المساعدة المطلوبة حول رعايته بالفحص الدوري ومتابعة حالته وتقديم الارشادات والنصائح اللازمة للاسرة عن كيفية التعامل معه وتقديم يد العون له من داخل المنزل. وسافرت لاوروبا والتشيك حيث التطور في مجال العلاج الطبيعي عن الكويت في الماضي، وبعدما اتم مشعل الخمس سنوات التحق بدور الرعايا النهارية.
وتضيف:
– علمت نفسي بنفسي لانني مجبرة، فانا الام ولابد من متابعة حالة ولدي وفهمها جيدا، فقرأت الكثير عن مرضه عبر مواقع الانترنت وتعلمت كيفية تخطي نظرة المجتمع له بعد معاناة كبيرة من تلك النظرة التي كانت تشعرني بأنه من كوكب آخر، وكنت صبورة مع مشعل ووفرت له كل ما يحتاجه لمساعدته على التحسن بصورة أفضل وعملت على الاهتمام بنظافته وصحته وحافظت على سلسلة ظهره لتبقى في وضعها السليم. وتدعو هناء امهات الاطفال المعاقين من خلال خبرتها بالاهتمام وتحوّيل المحنة الى منحة والالم الى أمل.