«رغم أنني لا أعير مرضي كثير الاهتمام عدا ما يسببه لي من آلام ومعاناة إلا أنني أعتبره حافزي الأكبر لإمتطاء صهوة الإبداع” يقول الطاهر بوالصبع الشاعر المقعد فوق كرسي متحرك بفعل إعاقة جسدية أصابته منذ سن الثالثة عشرة من عمره.
ومنذ الوعي الأول -يضيف صاحب الديوان الشعري الوحيد لحد الآن وهو بعنوان “مساحات البوح والاحتراق”- “تأقلمت مع الإعاقة الناجمة عن مرض “ضمور العضلات الشوكي”، مفجّرا في كل مرة ينابيع الإبداع “حتى يعتقد المرء أنه يكاد يقول “شكرا” لهذا المرض القاسي الرحيم في الآن نفسه”.وبالفعل فإن الطاهر بوالصبع المولود بأقصى شمال ولاية ميلة حاليا ببلدية تسالة لمطاعي في الـ15 أبريل من عام 1975 لم يكد يشبع مرح وزهو الطفولة البريئة التي عاشها فيما بعد بإحدى مشاتي بلدية عين التين الحالية حتى داهمه المرض “الصعب” الذي يشله تدريجيا محاولا وأد كل حركة ونشاط عنده.
لكن روح التحدي عند الطاهر الذي يلعب دائما على حبلي البوح والاحتراق لم تترك للمرض حيلة، إذ عاش الرجل الذي يقارب غلق عقده الرابع رحلة كفاح حقيقية دفعته لإكمال دراسته بالمراسلة منذ السابعة أساسي لحين نجح في نيل شهادة الباكالوريا سنة 1998 ثم مواصلة مغامرته بجامعة قسنطينة التي نال منها شهادة الليسانس في الحقوق سنة 2002 ثم شهادة الكفاءة للمحاماة.
كانت رحلته الدراسية معاناة حقيقية لكنها -كما صرح به-”منحتني سبل الانعتاق والتموقع في المجتمع رغم كل الصعاب التي لم تسمح لي بالحصول على منصب عمل حقيقي إلا في العام 2013 بمقر الولاية”.
ومن جهة أخرى، كان المرض رحيما مع المبدع الطاهر بوالصبع، إذ ترك له بعضا من الحركة البطيئة في يده اليمنى حتى “يوقع على بياض الورق أنينه واحتراقه جنونه وانخطافه صدقه الداخلي واشراقات الأعماق لديه” كما يكتب عنه ديوان العرب وهو منبر حر للثقافة والفكر والأدب.
ورغم وعيه المتأخر بدور الكتابة “كمخلص له ليمارس طقوسه المكبوتة ويعبر عن مشاعره الجياشة” إلا أن انخراط الطاهر بوالصبع في هذا الفعل الذاتي سنة 1993 للتعبير عن حبه للوطن الجزائر دشن له مسيرة طويلة في تحدي المرض والمعاناة منه.
كانت البداية بالخواطر البسيطة والقصائد التي لا يقيدها وزن ليطور أداءه تدريجيا ويصقل موهبته بالقراءة الكثيفة ما جعله ينشر في العديد من عناوين الصحافة الوطنية والعربية ثم ليصبح صاحب حضور متواصل على أمواج الأثير في عدد من الإذاعات المحلية والوطنية.
وتواصلت ذات الرحلة بنيل العديد من الجوائز لغاية نشره أول ديوان له سنة 2012 بمساهمة مديرية الثقافة لولاية ميلة.
ويقدم الديوان المذكور مساحات ومسحات من إبداع الطاهر- الذي يعتبر نفسه- يحبو في سماء الشعر، معبّرا عن روح تواضع جميلة. العديد من القصائد في الشعر العمودي وشعر التفعلية في سفر متواصل هي للبحث عن لذة المعني في واقع يصفه بـ«الموسوم بالمادية”. وأمام جمهور محب لتجربته بدار الثقافة “مبارك الميلي” قدم الطاهر بوالصبع سهرة الخميس -عشية الاحتفال باليوم الوطني للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة- عصارة إبداعه الشعري الذي حظي بالمناسبة بالتكريم والتنويه. ولم يكن أحد الحاضرين مخطئا حين وصف الشاعر المتحدي للإعاقة بممثل جدير بالانتماء لـ«الأشخاص ذوي القدرات الخاصة”. “خلاص على صهوة الحرف” قصيدة وغيرها كثير من شدرات الإبداع لدى الطاهر بوالصبع تختصر عطاءات تحدي ومقاومة إقتبست بعضا من روح شعراء معروفين مثل أحمد مطر- مفدي زكريا وغيرهما ولكنها تعبر أكثر عن روح شاعرية جميلة متقدة كما وصفها بحق حضور الندوة.