عبدالرحمن يونس – كان من الصعب جدا التحدث إلى الفنانة التشكيلية سمية نمر عواد من محافظة بيت لحم، رغم أنها استطاعت ان تخط بيديها الناعمتين عشرات اللوحات والرسومات الفنية التي تحدثت عن الفلكلور والطبيعة الفلسطينية وجذبت أنظار الجميع إليها.
وعلى الرغم من حداثة لمستها الفنية والابداعية في فن الرسم التشكيلي، إلا أن الفنانة التشيكلية المغرورة صاحبة 28 ربيعا، لم تختار الصمت وعدم التحدث بإرادتها وإنما فضلت فن الرسم والألوان كلغة جديدة للتعبير عن ما يجول بخاطرها بعد أن حرمت من نعمة النطق والسمع.
خضعت الفنانة سمية للعديد من الورشات المتخصصة لتعلم فن الرسم التشكيلي لمجموعة من ذوي الاعاقة في بيت لحم كعلاجي صحي ولغة جديدة للتعبير عن الذات، في مبادرة تعد الأولى من نوعها في فلسطين، اطلقتها مؤسسة “ستارت” الدولية بالتعاون مع شبكة المتابعة للاشخاص ذوي الاعاقة في وزارة الشؤون الاجتماعية.
الفنانة سمية إلى جانب 8 اشخاص من ذوي الاعاقة مقسمين بين الاعاقة الحركية والذهنية والسمعية والبصرية والتوحد، تعتبر يوم الأربعاء من كل أسبوع، يوما للتعبير عن الذات بواسطة الرسم والألوان.
وخلال فترة قصيرة حققت سمية نجاحا باهرا في التعبير عن ذاتها من خلال فن الرسم، محولة لغة الإشارة خاصتها إلى لغة يفهمها الجميع ومتفوقة على نفسها واعاقتها ومتجاوزة كل الحواجز التي عزلتها طوال عقدين من الزمن.
لعل هذا ما أكدته شقيقتها سارة عواد في حديث خاص مع القدس دوت كوم، بالقول “حقتت نجاحا باهرا في الرسم والتعبير عن نفسها بالاضافة إلى أنها تخلصت من عزلتها المنزلية واضحت تتفاعل كثيرا مع من حولها وزادت ثقتها بنفسها”.
بينما اكتسبت الطالبة ايمان علاء الدين (27 عاما)، اصدقاء جدد بعد مشارتكها في برنامج تعلم فن الرسم، حيث قالت: “كنت اواجه مشكلة كبيرة في التعبير عن ذاتي لكن حين اشتركت في برنامج الرسم استطعت وبكل سهولة أن اعبر عن ما بدخلي بسهولة ويسر وساعدني في التعرف على عالم جديد وجميل ومختلف”.
وحسب الكثير من الدراسات فإن فن الرسم لغة في حد ذاته، ويتيح للأفراد ذوي الاعاقة سواء كانوا أطفالا أو شبابا فرصة للتعبير عما بداخلهم والاتصال بالآخرين، فضلا عن كونه علاجا تربويا.
من جانبها، قالت الاخصائية الاجتماعية ومسؤولة الاقسام الداخلية في مؤسسة “يميمة” لانا أبو عطية الزعبي، إن “الهدف من برنامج تعلم فن الرسم لذوي الاعاقة خاصة الاطفال والشباب، تنمية قدراتهم في التعبير عن الذات دون قيود أو حواجز، ولعل هذا الأمر يعطيهم الثقة بأنفسهم أكثر ويدفعهم نحو الاندماج في المجتمع المحلي بشكل اسرع”.
وأكدت الزعبي إن تعلم الرسم يعزز القدرات والحالة الابداعية الموجودة بداخلهم، اضافة الى ذلك يحاول البرنامج تنمية مختلف القدرات والمهارات والاشياء التي يرغب الاشخاص ذوي الاعاقة في تنفيذها أو تنميتها لكي يكون برنامجا متكاملا ما بين الاشياء التي نقدمها والاشياء التي يرغب بتطبيقها ذوي الاعاقة ويكونوا قادرين على تنفيذها.
ولفتت الزعبي “اكتشفنا خلال هذا البرنامج وجود طاقات كبيرة لدى ذوي الاعاقة لم يتم استغلالها من قبل ويمكن لهذه الطاقات ان تكون شيئا مهما في المستقبل في حال تم تنميتها وتدريبها بشكل صحيح ومركز”.
وأوضحت ان البرنامج مقسم لعدة مراحل وخلال كل مرحلة يتم اكتشاف اطفال وشباب لديهم مواهب ابداعية خارقة، مبينة “بصراحة تفاجأنا كثيرا بنوعية الرسومات واللوحات الفنية التي رسمها الاطفال خلال فترة قصيرة وهذا يؤكد ان الرسم وسيلة مهمه لذوي الاعاقة في التعبير عن انفسهم بشكل جيد وبليغ”.
ومن الناحية الاجتماعية يعزز هذا البرنامج الثقة لدى ذوي الاعاقة ويعطيهم دفعة قوية نحو الاندماج في المجتمع بشكل افضل واسرع ويكسر حاجز الخوف أو الشعور بالنقص أو عدم الاهتمام.
ويظهر جليا قدرة ذوي الاعاقة في تخطي الحواجز النفسية خاصة بعد نجاحهم في تنظيم أول معرض للرسومات واللوحات الفنية في بيت لحم تحت عنوان “طموح” الذي حاز على اعجاب واهتمام العديد من محبي الفن التشكيلي.
ويتكون برنامج تعليم فن الرسم من 10 ورشات بمعدل ورشة تعليمية كل أسبوع وبشكل ودوري، وعلى الرغم من تعدد الإعاقات المشاركة في البرنامج وصعوبتها إلا أن ذلك لم يمنع المشاركين من خلق مجتمع متكافئ ومنتج من الرسامين اليافعين.
وفي هذا الاطار يقول الفنان التشكيلي والقائم على برنامج تعليم فن الرسم ابراهيم برناط، “صحيح انني اقوم على تقديم
وتعليم فن الرسم لاشخاص يعانون من عدة اعاقات مختلفة ويختلف اسلوب تعليم كل واحد منهم عن الآخر، لكن ذلك يشجعني اكثر ويعطيني الطاقة ويدفعني نحو بذل جهد اكبر بهدف تعليمهم فن الرسم”.
وأكد ابراهيم لـ القدس دوت كوم، أن لدى الاشخاص ذوي الاعاقة رغبة جامحة نحو التعلم والتعبير عن انفسهم بمختلف الطرق والاساليب، مشيرا “سنحاول في المستقبل القريب ادخال بعض البرامج التعليمية الاخرى ولكن خلال هذا الفترة الحالية سنحاول التركيز على تعليم ذوي الاعاقة فن الرسم التشيكي”.
ولفت إلى أن البرنامج لا يقتصر على تعليم فن الرسم بل يمتد إلى اتكشاف المواهب والمهارات التي يتمتع بها ذوو الاعاقة وتنميتها وتطويرها، لكن ذلك بحاجة إلى تطوير البرنامج ودعمه بشكل مستمر ودائم.
وعلى هذا النحو، يدرك طلبة ذوي الاعاقة أن لوحاتهم ورسوماتهم الفنية اضحت لغتهم الجديدة ووسيلتهم الوحيدة لتخطي عقابات وضعت أمامهم وحرمتهم من الاندماج في المجتمع المحلي.
مشاركة ذوي الإحتياجات الخاصة في الرسم:
[IMG]http://im68.gulfup.com/LpyMQ.jpg[/IMG]
[IMG]http://im68.gulfup.com/SuU7M.jpg[/IMG]
[IMG]http://im68.gulfup.com/vXmnK.jpg[/IMG]
[IMG]http://im68.gulfup.com/fpXHI.jpg[/IMG]
[IMG]http://im68.gulfup.com/jMnhC.jpg[/IMG]
[IMG]http://im68.gulfup.com/ez9I6.jpg[/IMG]
[IMG]http://im68.gulfup.com/yj5hn.jpg[/IMG]