خرجت من الظلام إلى النور، وارتسمت في روحها إرادة قوية هزمت المستحيل، وعلى درب المكافحين في الحياة سارت تحمل شعلة الأمل الذي يقهر اليأس، ويتغلب على أي صعاب، وبدلاً من أن تلعن الظلام أضاءت شمعة وسط الظلمة الحالكة، ومضت حالمة مطمئنة بأن النور في القلب يعرف طريقه لفضاء الأكوان التي ترسل قرون استشعار لكل حالم وطامح وعارف بسر الكون والوجود، فتتضامن الحياة مع كل صاحب إرادة قوية وتفسح له المجال لتحقيق ما يصبو إليه، وكلما تحقق هدف ارتسم آخر في الطريق المزهر رغم صعوبة الخطوات.
هي فتاة كويتية عاشقة لتراب الوطن، تؤمن أن الظروف الصعبة حافز للعطاء والإنجاز، وتؤمن أن الإعاقة في الروح لا الجسد، فقدت بصرها لكنها هزمت كل ظلام، ورأت الكون والوجود ببصيرتها المشرقة المنفتحة على كل صباح يطلع بالتفوق والنجاح.
إنها هنادي العماني التي باحت لـ القبس بطموحاتها وآمالها، وكيف هزمت آلامها، وعن ذلك تقول بكلمات مضيئة باسقة تبعث الأمل في نفوس الأصحاء قبل ذوي الاحتياجات الخاصة:
● إن كنت فقدت بصري فروحي تبصر وتُحلِّق في فضاء العزيمة والإرادة.
● أؤمن دائماً بأنه «لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور».
● الإعاقة في الروح لا الجسد.
● كم من الأصحاء مسجونون في إعاقة الروح والنفس التي لا تعرف طريقها للنجاح والعمل والإنجاز.
● فقدت بصري لكني لم أفقد عقلي وروحي وكياني وإرادتي القوية.
مفهوم الإعاقة
تفلسف هنادي في لقائها مع القبس مفهوم الإعاقة، مؤكدة أنها ليست كما هو شائع، بأنها من فقد حاسة من حواسه، أو عضوا من أعضاء جسده، فالجهل إعاقة.. الكسل إعاقة.. كره الآخرين إعاقة.. رفض الآخر إعاقة.. عدم التعايش السلمي إعاقة.. إرهاب الناس إعاقة.. نقص الوطنية إعاقة.. إثارة الفتنة والنعرات إعاقة.. هدم المكتسبات الوطنية إعاقة.. الابتعاد عن طريق الله إعاقة.. التخلف إعاقة.. والوقوف في وجه الناجحين وعرقلتهم إعاقة.. والظلم إعاقة.
وتسرد حِكماً بديعة بقولها: عيني لا ترى.. لكني أرى الحياة بقلبي وروحي، وثقافتي ووعيي يجعلاني لا أقل شيئاً عن الآخرين، وروعة الطموح تتجسد في بصيرتي طموحاً بلا حدود وحلماً مداده لا ينفد، وأملاً عريضا في تحقيق مزيد من العطاء والإنجازات لخدمة بلدي ومجتمعي.
وباحت هنادي بتجربتها المريرة التي على مرارتها أمدتها بطاقة نور لا نهائية، وعن ذلك تقول: فقدت بصري وأنا ابنة أربعة عشر ربيعاً، وفي البداية كان الأمر بالنسبة إلي صعباً للغاية، لكن أسرتي ساعدتني كثيراً في تجاوز إعاقتي، وكان أبي رحمه الله عيني على الحياة، ومن بعده قامت بهذا الدور والدتي وأخواتي، وبعد قصير وقت فكرت كثيراً وقادني تفكيري وطموحي إلى وضع خطة لتجاوز فقدان البصر وتعويض ما فاتني بإنجازات ملموسة، ودراسة تمكنني من تحقيق الذات وعمل بناء عظيم.
كفاح
هنادي درست وكافحت كثيراً، تخرجت في كلية الحقوق عام 1992، وعملت باحثة في مدارس التربية الخاصة، ثم موظفة في مطابع النور، ثم تولت رئاسة المطابع، وتقاعدت عام 2011 للتفرغ للعمل العام والتطوعي، كما حصلت على العديد من الدورات والشهادات من جهات عالمية في دول أجنبية، وقدمت الكثير من الدورات لتأهيل المكفوفين وتدريبهم.
وأشارت إلى أن زوجها الآن هو عينها على الحياة، وهو يساندها ويدعم طموحها وتفوقها.
هنادي هزمت إعاقتها وتفوقت وحققت ذاتها، لكنها لم تنس هموم نظرائها من فاقدي البصر، وها هي تدافع عن حقوقهم وتنادي بإقرار كل مكتسباتهم، ومنحهم الفرصة لتحقيق الذات، فاستحقت بجدارة لقب: سفيرة المكفوفين الذي يبهجها كثيرا.
لا لنظرة الشفقة
ما أكثر ما يزعج هنادي؟.. سألناها فأجابت: نظرة الشفقة مؤذية جدا.. وعلى جميع أبناء المجتمع أن يوقنوا بأننا لا نقل شأناً عن المبصرين، كما أن ذوي الاحتياجات الخاصة بجميع فئاتهم قادرون على العمل والإنجاز، .
وتتابع بالقول: هناك شريحة كبيرة من المكفوفين في الكويت حصلوا على شهادات عليا ودورات مهمة، لكن مع الأسف الشديد، فإن الوظائف المتاحة لهم في جهات الدولة محدودة، وتكاد تكون محصورة في التدريس وموظف البدالة، وهناك مكفوفون حصلوا على دورات متقدمة جدا في الكمبيوتر، لكن يتم تعيينهم في وظائف أخرى لا تتناسب مع تخصصاتهم التقنية.
500 مكفوف
وأشارت إلى وجود أكثر من 500 كويتي كفيف، ويحتاجون إلى مزيد من الدعم والمساندة، فالجهات المختصة لا تبصر معاناة هذه الفئات، مجددة التاكيد على أن محدودية الوظائف المتاحة لهذه الفئات مشكلة كبيرة، على عكس بعض دول الخليج الأخرى، ففي الإمارات هناك محامي دولة فاقد للبصر، لكن الترقيات لدينا لا ينالها من كان فاقدا لبصره إلا في حالات نادرة.
بيئة العمل
وعرجت على هم آخر بالقول: بيئة العمل غير مهيأة لكثير من فئات ذوي الاحتياجات الخاصة، كما ان البنوك في الكويت لا توفر أجهزة حاسب آلي خاصة بالمكفوفين تعمل بالنظام الصوتي على غرار المعمول به في البحرين والسعودية على سبيل المثال، ويجب أيضا توفير خاصية طباعة المعاملات البنكية بطريقة برايل بجانب القراءة العادية.
وسردت بعض جوانب سوء معاملة الكفيف والانتقاص منه بالقول: بعض جهات الدولة تعتبر فاقد البصر ناقص الأهلية، ومن ثم يطلبون شهادة شهود عند توقيعه على قرض أو معاملة أو أي امر آخر.
وتحدثت عن شؤون التعليم والتأهيل، بالقول: توجد كلية خاصة بالمكفوفين في برطانيا للتأهيل والتعليم والتدريب، وسعيت للالتحاق بها لأحصل على شهادات تدريبية، ومن ثم أعود إلى بلدي لأدرب المكفوفين، لكن جهات الدولة المختصة رفضت ابتعاثي، وقال لي مسؤولو التعليم العالي: طلبك مرفوض بحجة أن هذه الكلية غير مدرجة ضمن خطة الابتعاث، بالرغم من ان دول الخليج الأخرى تبتعث أبناءها المكفوفين.
نظرة خاطئة
انتقدت هنادي العماني نظرة العطف والشفقة من قبل البعض تجاه الشخص الكفيف، مشيرة إلى أن البعض يرفض الزواج من معاقة، بل ويصادر حقها في ذلك،
لكنها استدركت قائلة: هذه النظرة بدأت تقل عن ذي قبل.
سيرة مضيئة
هنادي العماني درست وكافحت، وتخرجت في كلية الحقوق عام 1992.
● عملت باحثة في مدارس التربية الخاصة، ثم موظفة في مطابع النور ثم تولت رئاسة المطابع.
● تقاعدت عام 2011 للتفرغ للعمل العام والتطوعي.
● طورت نفسها وحصلت على العديد من الدورات والشهادات من جهات عالمية في دول أجنبية.
● ناشطة ومتطوعة وقدمت الكثير من الدورات لتأهيل المكفوفين وتدريبهم.
أبرز المطالب:
لخصت هنادي العماني أبرز مطالب المكفوفين فيما يلي:
1 – المساواة في التوظيف وتقدير الكفاءات، وتمكينهم من الترقي والوظائف القيادية.
2 – تحسين بيئة العمل لتلائم المكفوفين وغيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة.
3 – توفير الكتب المطبوعة بطريقة برايل لطلبة الجامعة.
4 – توفير ماكينات سحب آلي بنكية بالنظام الصوتي، وطباعة المعاملة بطريقة برايل.
5 – تهيئة الطرق والشوارع ليمشي بها المكفوف بلا عراقيل.
6 – توفير أماكن ترفيهية تناسب المعاقين عموما والمكفوفين على وجه الخصوص.
7 – تهيئة المجمعات ومرافق الدولة العامة لهذه الفئات.
8 – توفير إرشادات مسموعة للمكفوفين في الطرق والمجمعات وجهات الدولة.
9 – زيادة الدعم المادي.
10 – تأسيس جهة مستقلة للدفاع عن هذه الفئات وتبني مطالبهم.
شريك حياتي
شريك حياتي يساندني ويشجعني كثيرا على الطموح والتفوق، وأنا أحرص على ممارسة دوري كربة أسرة على أكمل وجه، وأعمل على توفير كل متطلباته بمساعدة الخادمة.
الطلبة المكفوفون والأعباء المالية
تحدثت هنادي عن الدعم المادي لطلبة الجامعة المكفوفين، مشيرة إلى أنه من الظلم مساواتهم بأقرانهم من الأصحاء، فالطالب المكفوف قد يحتاج إلى كتاب واحد مطبوع بطريقة برايل يصل ثمنه إلى 200 دينار، وهي قيمة المكافأة.
لا للتمييز
شددت هنادي على خطورة التمييز بين الشخص المعاق وغيره من الأصحاء، مشيرة إلى أن هذه النظرة تعتبر إعاقة أخرى.
رخصة للسائقة
طالبت هنادي العماني الداخلية والجهات الأخرى المختصة بالموافقة لكل كفيفة على استخراج رخصة قيادة للخادمة المرافقة لها، فهم يوافقون على استقدام سائقات، وهن نادرات في بلدانهن، فلماذا لا تسمح الجهات المختصة باستخراج الرخصة للعاملات في المنازل من أجل القيادة بالفتاة الكفيفة؟
شكرا لهؤلاء
قالت هنادي: إن والدي رحمه الله ساندني كثيرا وساعدني على تجاوز إعاقتي، ومن بعده كانت والدتي وشقيقاتي عيوني المفتوحة على الحياة، فلهم كل الشكر، وأدعو لأبي بالرحمة، موجهة الشكر لزوجها على مساندته لها.
بدل السائق والخادمة
قالت هنادي إن الأعباء المالية ترهق المكفوفين، فبدل السائق والخادمة الذي يصرف يبلغ 150 ديناراً، وهذا لا يكفي على الإطلاق، فضلا عن الأعباء الاخرى.
متطوعة وناشطة
هنادي متطوعة وناشطة في العديد من اللجان الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، كما أنها مطالعة جيدة للجديد في مجالات التكنولوجيا، وتقوم بتنظيم دورات لتأهيل المكفوفين.
المرافق ليس الناطق الرسمي باسمنا
انتقدت هنادي تحدث بعض الموظفين في جهات الدولة مع المرافق للشخص الكفيف، قائلة: هل هو متحدث رسمي باسمنا؟ إنه فقط يرافقنا ليرشدنا إلى المكان، وهذه النظرة والطريقة في التعامل مع فاقدي البصر عندما يراجعون الدوائر الحكومية غير مبررة.
تحكمها المحسوبيات والتنفيع وتطفش الكفاءات
جمعية المكفوفين مجرد ديوانية!
تحدثت هنادي العماني عن أوضاع جمعية المكفوفين بالقول: تستحق ان يطلق عليها جمعية مع وقف التنفيذ، فهي تسمى مجازاً بجمعية نفع عام، لكنها في واقع الأمر ليست أكثر من ديوانية.
وأشارت إلى أن هذه الجمعية رغم أنها تضم أكبر مطبعة في الشرق الأوسط لطباعة الكتب والمصاحف بطريقة برايل، كما تضم أكبر مركز للحاسوب في الوطن العربي، لكن إذا تجولنا في أروقته فسنكتشف أن الحواسيب ملقاة من غير اهتمام ولا استفادة، ولا يوجد متخصصون في التقنيات.
وتساءلت هنادي: لماذا لا يستفيد مركز الحاسوب من الكفاءات المتخصصة في التقنية من فئات المكفوفين الذين حصلوا على دورات متطورة في معاهد وجامعات وجهات أكاديمية بدول غربية؟ .. لكن احدا لا يلتفت إلى هذه الكوادر المدربة.
وقالت: كنت من مؤسسي مركز الحاسوب في جمعية المكفوفين، لكن القائمين عليها يتبعون سياسة التطفيش، والمصالح الشخصية هي التي تسير أوضاع الجمعية، ويتم التعامل مع المكفوفين من منظور قبلي وفئوي وهذا لا يتناسب مع العمل العام.
واضافت: حينما تقام دورات أو مؤتمرات أو ملتقيات للمكفوفين في الخارج ويتم ترشيح فتيات مكفوفات فإنهم يستبعدونني، كما يستبعدون اخريات بسبب تنفيع ومصالح شخصية وقبلية رغم كفاءتنا وأحقيتنا لحضور الملتقيات والمؤتمرات وورش العمل.
وقالت: دائما أحرص على السفر للخارج لحضور الفعاليات على نفقتي الخاصة، حتى أستفيد وأفيد وأطور نفسي، ومن ثم أعود لأخدم بلدي وأساعد المكفوفين وغيرهم من ابناء المجتمع.
وأشارت إلى وجود صالة رياضية في جمعية المكفوفين مجهزة وطالبنا أكثر من مرة بتوفير مدربات لكنهم وفروا في السابق مدرسة تربية بدنية، لكننا نحتاج الى مدربة متخصصة، ودائما يتحججون بأن عددنا قليل ونحن نقول بدورنا: هذا حق مكتسب لنا لنمارس الرياضة في الجمعية التي تمثلنا، وعليها تحقيق مطالبنا.
وأردفت: نطالب جمعية المكفوفين بالتنسيق مع هيئة شؤون الإعاقة والجهات الأخرى المختصة بتوفير جهاز برايل مناسب لكل مكفوف في البلاد، ونحن لا نطالب بتوفير نوع معين، لكن هذا الجهاز مهم جدا وضروري لمساعدة المكفوف على الانفتاح على الحياة وتمكينه من القراءة والتواصل مع الآخرين.
وقالت: انا اقتني هذا الجهاز الذي اشتريته على حسابي، لكن هناك فئات كثيرة تعجز عن شرائه، فثمنه يصل إلى 2000 دينار.
ولفتت إلى أن قطر والإمارات توفر هذا الجهاز للمكفوفين.
العصا البيضاء
لفتت هنادي إلى أنهم طلبوا من المكفوفين عقد دورات «العصا البيضاء» للتدريب على العصا التي تساعد المكفوفين على التنقل، لكن القائمين على الجمعية رفضوا ذلك، وهذه الدورات منتشرة خليجيا وقامت إحدى الجهات بتنظيم دورة لمدة أسبوع لكنها فترة غير كافية فهي تحتاج إلى شهرين، كما طالبنا الجمعية مرات عدة بعمل دورة في فن الحركة لكنها كانت ترفض.
أنا مبصرة
وصفت هنادي نفسها بأنها مبصرة رغم فقدانها للبصر: قائلة لا فرق بيني وبين اي إنسان مبصر فأنا أقرأ وأكتب واطالع الصحف والمجلات وأتواصل مع الآخرين عبر الجهاز التقني الذي يحول الكلام المكتوب إلى طريقة برايل، كما أنني أتنقل وأقوم بكل واجباتي وأحرص على زيادة مداركي وثقافتي.
[IMG]http://www.mobdi3ine.net/up3/img658f97345a2d1.jpg[/IMG]
وأثناء تكريمها