لحظات قليلة مرت ببطء ، نظرت وتمعنت النظر ، أغمضت عيني وأعدت التركيز ، ابتسامة تملأ وجهه ، انتصب وأدى تحية الكشاف ، استغربت واعتقدت للوهلة الاولى بأن ارتدائه لزي الكشافة مجرد لفتة حنونة من قيادة المجموعة الكشفية ، لكن الامر اختلف الان … تقدم فرحاً صافحني أشار بأصابع سبابتيه متجاورتين متحركتين ، وبصعوبة فهمت منه أنه يذكرني بأيام كنا فيها معاً ، نواجه الاحتلال معا بالحجارة والإطارات المشتعلة ، وقتها اصابه الجيش برصاصة في قدمه واعتقلوه وبعد ان وجدوه من ذوي الاحتياجات الخاصة أفرجوا عنه .
احمد عمر زعرورة ، إبن مخيم اللاجئين بلاطه ، ذاك الشاب الذي وُلد حاملاً مرض متلازمة داون ( منغولي ) كما يسمى في مجتمعنا المحلي . ومنذ أن خطت قدماه أرض مركز يافا الثقافي ، يحاول جاداً اختراق تشكيلاته الشبابية، يشارك بكل ما يحدث أمامه من انشطة ، يشاهد كل المسرحيات ويصفق فرحاً مسروراً ، يشعر بطفولة خاصة بالرغم من تجاوزه لسن الاربعين بقليل ، وما ان تأسست المجموعة الكشفية في 25/7/2013 حتى وجد ضالته فيها ، سارع بطلب الالتحاق ، وزاحم الصغار والكبار .
اصطف في طابور الكشافين ليحجز دوره لحياكة زيه الكشفي ، لم ينم ليلته الاولى ، كانت أحلامه غزيرة، يبدأ نهاره وينهيه في المقر ، ، قليل من التدريبات وصيحات يتمتم فيها ، لم يفهمها الا رفاقه بالكشافة ، سباقاً للخدمة، معطائاً ، لا يرفض امراً لقائد ، لا يكل من اللحاح لطلب المشاركة والبقاء خلال الاجتماعات المختلفة لمستويات القيادة الكشفية للمجموعة ، لقد وجد ذاته في هذا التجمع الشبابي ، لقي من الرعاية والاهتمام ما شجعه على المضي قدماً ، ذاك يعود لروح القيادة التي تمتعت بها قيادة مركز يافا فقد وفرت برنامجاً لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة ، تلك نظرة ثاقبة وتجربة رائدة في توفير الفرص للدمج ، حيث ان أحمد لم يكن وحيداً بل هناك العديد على اختلاف نوع الاعاقة.