0 تعليق
607 المشاهدات

معوّقون يساهمون في تقدّم تكنولوجيا الأطراف الاصطناعية



في لحظة يطلب دماغ آن مكاليان من ذراعها الاصطناعية فصل أكواب من البلاستيك مكدّسة، فتصغي الذراع المعدنية السوداء اللامعة. صحيح أن الأكواب تسقط على الطاولة بين الحين والآخر، إلا أنها سُرعان ما تُفصل وتوزّع بطريقة منظّمة.
ولكن في اللحظة التالية، لا تفهم الذراع الهندسية الحيوية الحركات العضلية الطفيفة في ساعد مكاليان، التي تفسرها من خلال مجموعة من الأقطاب تلمس الجلد في الجزء المستدير المتبقي، الذي يتجاوز المرفق بقليل. فبدل الضغط على ملقط الملابس الأحمر، تروح الذراع الآلية تدور مثل رأس ليندا بلير في فيلم The Exorcist.
قالت مكاليان من جوباتاوني في ماريلاند مازحةً أمام مجموعة من العلماء، الذين تجمعوا في أحد مكاتب مستشفى جونز هوبكنز لمراقبتها كجزء من تجارب سريرية تتناول أطرافاً اصطناعية متقدّمة: «لهذا السبب لا تزال قيد التجربة، أليس كذلك؟».

رغم العقبات الموقتة أو ربما بسببها، تتقدم هذه تكنولوجيا الأطراف الاصطناعية بسرعة. فخلال الأشهر الماضية، كانت مكاليان وشخصان آخران بُترت ذراعهما من الأوائل في الولايات المتحدة الذي يعملون مع جراحة في مستشفى جونز هوبكنز وشركة محلية بغية الحصول على ذراع آلية يمكن التحكم فيها بواسطة الأفكار صُممت خصوصاً لقدامى الحرب المعوّقين.
صحيح أن هذه الأجهزة لا تشكّل بديلاً مثاليّاً عن الأطراف المفقودة، إلا أنها تقدّم لمحة عما أعتبره المرضى أمراً مسلمّاً به قبل التعرض للالتهاب، السرطان، أو أعمال العنف. وتؤدي التجربة والخطأ في تطبيق هذه التكنولوجيا في الحياة اليومية، مثل وضع مساحيق التجميل، الطهو، وحمل سلة من الثياب، إلى إتقان هذه التكنولوجيا. يذكر العلماء أن هذه التكنولوجيا قد تصبح متوافرة في غضون بضع سنوات تجاريّاً لكثيرين آخرين، مع إمكان خضوعها لمراجعة وكالة الأغذية والأدوية الأميركية خلال السنة المقبلة.
ولكن قبل ذلك، يحاول العلماء تعلّم كل ما يستطيعون من خلال آن مكاليان (67 سنة) وآخرين. يذكر الدكتور ألبرت تشي، متخصص في جراحة الحوادث في مستشفى جونز هوبكنز، يعمل مع المرضى: {نبتكر حقلاً جديداً في الطب. ونتعلم الكثير من الأمور مع تقدّمنا. فما من كتب سبق أن وُضعت يمكننا التعلّم منها}.
خلال السنتين الماضيتين، عمل تشي مع {ديناميكيات الذراع المتقدّمة والتكنولوجيا الطبية الحيوية الدقيقة} في بالتيمور، شركة لتطوير الأطراف الاصطناعية مقرها الرئيس في تكساس، بغية تمهيد الطريق، بدءاً من جون ماثيني، رجل من غرب فرجينيا خسر ذراعه اليسرى بسبب إصابته بالسرطان عام 2008. وأتت بعده دانا بورك، امرأة من بنسلفانيا خسرت ذراعها اليمنى بعد الكتف بنحو 10 سنتمترات إثر تعرضها لحادث إطلاق نار قبل 15 سنة.
بدأت الجهود لتطوير هذا الجهاز عام 2006 خلال أحد برامج وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدّمة التابعة للجيش الأميركي. وقد تولى مختبر الفيزياء التطبيقية في مستشفى جونز هوبكنز، الذي تقاضى 35 مليون دولار عام 2010، الإشراف على تطوير هذه التكنولوجيا بغية مساعدة الجنود العائدين من حربي العراق وأفغانستان بعد خسارتهم أحد أطرافهم. كذلك تقوم مؤسسات عدة بأبحاث على هذه التكنولوجيا، منها جامعة شيكاغو ومعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا.
جراحة بسيطة

انضمت مكاليان أخيراً إلى ماثيني وبورك في تحقيق كثير من النجاحات والإخفاقات، فيما تحولوا إلى حقل تجارب، آملين مساعدة الكثير من المعوّقين أمثالهم.
قبل سنتين، لم تتوقع مدرّسة الصف الثالث هذه في مدرسة Cathedral of Mary Our Queen في شمال بالتيمور من أن تجد نفسها في موقع مماثل. لكن صحتها ما لبثت أن تدهورت بسرعة. تخبر مكاليان: {أصبت بسعال وزكام، على غرار كل الأساتذة. ولكن ما هي إلا أربعة أيام حتى وجدت نفسي في غرفة الطوارئ}. تبيّن أن مكاليان مصابة ببكتيريا عقدية من المجموعة A، التي سببتها لها ذات الرئة في كلتا الرئتين. كذلك عانت مكاليان الإنتان، ردة فعل مناعيًّة تؤدي إلى التهاب في كامل الجسم. نتيجة لذلك، بدأت أطرافها تسودّ بسبب إصابتها بالغرغرينا، حالة تبدأ فيها العدوى بقتل أنسجة الجسم.
تعافت مكاليان من محنتها بعدما أمضت ستة أسابيع في المستشفى. ولكن نتيجة الغرغرينا، اضطُرت إلى الخضوع لجراحة بتر رباعية تحت الركبتين وتحت المرفقين. وطالت إجازتها المرضية في المدرسة.
خلال عملية إعادة التأهيل، قرأت مقالاً في صحيفة {بالتيمور صن} عن بورك وشاهدت تقريراً في برنامج 60 Minutes عن ماثيني، علماً أنهما كليهما يعملان مع تشي وشركات الأطراف الاصطناعية. فتساءلت عما إذا كان بإمكانها الاستفادة من هذه التكنولوجيا أيضاً.
بعد أيام من اتصالها بمختبر الفيزياء التطبيقية في جامعة هوبكنز، نجحت في التواصل مع تشي. وما هي إلا فترة قليلة حتى حضرت إلى مكتبه. فذُهل الجراح من الإمكانات التي أعربت عنها حين وصلها إلى برنامج محاكاة الأطراف الاصطناعية. يتذكر تشي: {كان باستطاعتها حقّاً العزف على البيانو في نظام افتراضي}.
الأطراف الاصطناعية العالية التقنية أقرب ما يكون إلى ذراع من لحم وعظم بالنسبة إلى معوّقين مثل مكاليان. إلا أنها لا تتطلب جراحة معقدة، تماماً مثل الأجهزة التقليدية التي {يحركها الجسم}. ففي هذه الأطراف الاصطناعية التقليدية، يستطيع المعوّق التحكّم في يد على شكل كماشة باستخدامه الكتف الثانية لسحب سلك داخل الجهاز.
ولكن بغية التحكّم في ذراع مكاليان الاصطناعية حتى أطراف كل إصبع آلية، لا تبذل مجهوداً يُذكر غير التفكير، تماماً كما اعتادت أن تفعل قبل بتر ذراعها.
تبدأ عملية التحكّم بإشارة كهربائية في الدماغ تنشّط الأعصاب المتصلة بالعضلات، عملية تحدث في جزء من الثانية وتولّد دفقاً صغيراً من النشاط الكهربائي في الجسم، حسبما يوضح رحول كاليلي، مدير تنفيذي في شركة {التكنولوجيا الطبية الحيوية الدقيقة}. ترصد ثماني قبب معدنية صغيرة داخل الجراب المحيط بما تبقى من طرف المريض هذا النشاط، شرط أن يتراوح بين 30 و500 هرتز.

معزوفة من المعلومات

نجحت شركة كاليلي في تطوير حركة الطرف الاصطناعي المعقدة من خلال ما تفعله بذلك الضجيج أو البيانات الكهربائية، بيانات يدعوها تشي {معزوفة من المعلومات}. يجيد برنامج هذه الشركة تصنيف تلك المعلومات، محوّلاً إياها إلى مجموعة معقدة من الحركات تشمل مد كفّ اليد، طي الإبهام والسبابة، أو إدارة الرسغ. في الوقت عينه، يستبعد هذا البرنامج الضجيج الإلكتروني المحيط بنا والناجم عن أجهزة موصولة إلى مقابس الجدران الكهربائية بقوة 60 هرتزاً في الولايات المتحدة.
إذا بدت لكم طريقة عملها معقدة، فهي كذلك. يخضع المرضى وأذرعهم {لتدريب} يومي بغية تعليم البرنامج معنى أنماط النشاط الكهربائي المختلفة. لكن العلماء اكتشفوا أن تبدّل وضعية المريض قد يحول دون تعرّف البرنامج إلى الحركة التي يجب تنفيذها.
صحيح أن ردود فعل ذراع مكاليان الاصطناعية جاءت دقيقة عندما سعت إلى التقاط الأكواب البلاستيكية وهي جالسة مثلاً، اختلط عليها الوضع عندما حاولت القيام بالأمر عينه مع ملاقط الملابس وهي واقفة وذراعها ممدودة. ويشير هذا الاختلاف إلى ضرورة تكثيف {تعليم} البرنامج المزيد من الأنماط الكهربائية والحركات الموازية لها.
يوضح كاليلي: {تشبه هذه العملية تعليم شخص ما العزف على آلة موسيقية. عندما بدأت العزف على الغيتار، كانت أصابعي تضرب عدداً من الأوتار دفعة واحدة، مشوّهة اللحن. الوضع مماثل. نسعى إلى أن تضرب الإشارات الكهربائية على الوتر الصحيح في الوقت المناسب}.

مسار شاق

على المرضى أن يتبعوا مسار تعلّم محدداً. يذكر ماثيني، الذي تمكن من استخدام ذراعه طوال شهر من دون اللجوء إلى البرنامج لإعادة تدريبها، أن هذا المسار شاق. لكن النجاح الذي حققه ماثيني كان كبيراً جدّاً، حتى إن العلماء يستعدون اليوم لتزويده بذراع آلية أكثر مرونة وتقعيداً.
يوضح ماثيني، متذكّراً المرحلة الأولى التي بدأ فيها يستخدم ذراعه: {اعتبرت نفسي طفلاً حديث الولادة}. لكنه أحرز التقدم بسرعة أكبر. ويعود الفضل في ذلك إلى هذه التكنولوجيا المتطورة وإلى حماسته الزائدة. يقول: {هل تعتبر هذه الذراع وسيلة تتيح لك استعادة حياتك أو أنك تكتفي باستخدامها كأداة مفيدة؟}.
تبدو تجارب بورك أكثر صعوبة. فخلال اليومين الأولين من استخدامها تلك الذراع، تمكنت من سحق عبوة مشروبات غازية بيدها، حمل سلة مليئة بالملابس بسهولة، وفتح كيس حلوى لولديها. ولم يقف طموحها عند هذا الحد، بل حاولت قيادة السيارة بيديها الاثنتين أيضاً. غير أن الأمور لم تسر كما تشتهي. فقد سقطت ذراعها.
أُرسلت الذراع عندئذٍ إلى التصليح، ولن تستعيدها بورك إلا بعد بضعة أسابيع، ما أثار استياءها. لكنها تتحرق شوقاً لاسترجاعها. تخبر بورك: {أشعر أنني استعدت توازني. أحس بثقل ذراعي مرة أخرى. افتقدت هذا الشعور منذ 15 سنة. وقد عززت تلك اللمحة السريعة عما يمكنها إنجازه حماستي إلى المزيد}.
فيما يتابع الباحثون مقابلة المرضى لاختبار هذه التكنولوجيا، صارت آن مكاليان جاهزة لاستعادة استقلاليتها. ففي الشهر الماضي، اشترت سيارة سوبارو كبيرة معدّلة خصوصاً لحالتها، وتتوقع أن تتمكن من القيادة مجدداً قريباً. جمع طلابها السابقون تبرعات بقيمة 33 ألف دولار لتسديد ثمن السيارة وإجراء التعديلات الضرورية. ويتوقون إلى اليوم الذي يرونها فيه جالسةً خلف المقود.
تذكر كايسي براون (12 سنة)، تلميذة في الصف السادس نظّمت حملة جمع التبرعات: «من المذهل في رأيي أن نراها تستعيد استقلاليتها. وأعتقد أنها مصدر إلهام كبير لنا جميعاً».

كتـاب الأمـل

+
سمر العتيبي
2018/12/09 3773 0
راما محمد ابراهيم المعيوف
2017/12/29 4150 0
خالد العرافة
2017/07/05 4691 0