تمر على الكويتيين اليوم الذكرى الثامنة لرحيل أمير البلاد الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح طيب الله ثراه الذي انتقل الى رحمته الله تعالى في 15 شهر يناير عام 2006.
وطوال 28 عاما قضاها في سدة الحكم وقبلها سنوات عديدة في مسؤولياته الوطنية أحب الراحل الكبير الكويت وأهلها حبا خالصا فبادلته الحب والاخلاص وكان وفيا لامانيها وتطلعات شعبها فبادلته الوفاء والولاء وبقي رحمه الله يتحمل الاعباء والمسؤوليات طوال فترة حكمه التي امتدت منذ آخر يوم عام 1977 وحتى يوم رحيله.
وبذل الامير الراحل كل جهده من أجل تقدم وازدهار ورفعة الوطن رغم الظروف العصيبة التي مرت على البلاد حتى وصلت الكويت في عهده الميمون الى ما وصلت اليه من مكانة محمودة لدى دول العالم أجمع واحتلت مكانها اللائق في المجال الدولي.
والشيخ جابر الاحمد هو الحاكم ال 13 لدولة الكويت من حكام آل الصباح الكرام التي أولاها الكويتيون بمحض ارادتهم أمانة الحكم عندما اختاروا الشيخ صباح بن جابر الاول لهذه المهمة قبل أكثر من 293 عاما مضت.
والراحل هو الامير الثالث في عمر الدولة الدستورية التي بدأت بتوقيع المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح وثيقة الدستور يوم 11 نوفمبر 1962 معلنا بذلك دخول الكويت عهدا جديدا ومرحلة جديدة.
وكان رحمه الله تقلد مهام منصبه أميرا للبلاد في أعقاب وفاة سلفه المغفور له الشيخ صباح السالم الصباح الذي وافته المنية في عام 1977.
واستطاع الشيخ جابر الاحمد رحمه الله خلال الاعوام ال 28 التى قضاها في سدة الحكم ان يوثق ويزيد من العلاقة العفوية الوثيقة بين الحاكم وشعبه من خلال رعايته الابوية لابنائه المواطنين بمختلف فئاتهم على أساس المساواة الكاملة بين الجميع شبابا وشيبا رجالا ونساء واطفالا.
وشهدت سنوات حكم الامير الراحل كثيرا من الصراعات والاحداث في المنطقة وكان أهل الكويت الشغل الشاغل له رحمه الله حتى أثناء المحاولة الدنيئة لاغتياله في 25 مايو 1985 على أيدي عصابة من الارهابيين حيث وجه بعدها كلمة لشعبه قال فيها “ان عمر جابر الاحمد مهما طال الزمن هو عمر انسان يطول أو يقصر ولكن الابقى هو عمر الكويت والاهم هو بقاء الكويت والاعظم هو سلامة الكويت”.
وفي عهد الامير الراحل تطورت الكويت في شتى المجالات ومختلف مناحي الحياة وأصبح لها وزنها وثقلها الدولي سياسيا واقتصاديا رغم صغر مساحتها وقلة عدد سكانها حيث وصلت مشروعاتها التنموية ومساعداتها الانسانية لمختلف قارات العالم.
وجاء غزو النظام العراقي السابق في الثاني من أغسطس 1990 ليهدم كل ما بني في الكويت عبر السنين وكما قاد الراحل الكويت في السلم دافع عنها في الحرب وكله ايمان بأن الكويت سترجع لاهلها واستطاع بفضل من الله تعالى ثم بحنكته وتعاون ومساعدة رفيق دربه الامير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح رحمهما الله وسمو أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه ثم الاشقاء والاصدقاء تحرير الكويت من الغزو.
وبفضل سياسة الراحل الحكيمة عادت الكويت الى أهلها لتنهض وتواصل مسيرة الخير والعطاء من جديد وتبنى وتعمر ما دمره الغزو ولعب طيب الله ثراه دورا بارزا على الصعد الخارجية اقليميا وعربيا واسلاميا ودوليا وهو دور مشهود لمسته الشعوب قبل القيادات في صورة انجازات حافلة.
وجاءت فكرة انشاء مجلس التعاون الخليجي لتضم دول الخليج الست احدى علامات وسمات اهتمامات المغفور له بالجانب الاقليمي المحيط بالكويت بصورة خاصة وبدول الخليج العربي بصورة عامة وهكذا ولد مجلس التعاون الخليجي بفكرة كويتية خالصة نابعة من قناعة الراحل بأن العصر المقبل هو عصر التكتلات التي تعتبر ركيزة اساسية من ركائز المجتمع الدولي.
وكثيرا ما كان يشدد المغفور له الشيخ جابر الاحمد في مناسبات مختلفة على أن مجلس التعاون اصبح رمزا للترابط والتماسك والمصير الواحد المشترك.
ورغبة من الراحل في ان تكون قرارات مجلس التعاون منسجمة مع تطلعات المواطنين اقترح فكرة انشاء مجلس استشاري من 30 عضوا من مواطني الدول الست الاعضاء في المجلس وذلك في قمة الدوحة عام 1996.
ووفقا لذلك الاقتراح تكون مهمة المجلس تقديم النصح والمشورة والرأي للمجلس الاعلى لمجلس التعاون الذي يعتبر السلطة العليا حيث يحيل ما يراه من القضايا لهذا المجلس الاستشاري.
وحرص الامير الراحل على المشاركة الايجابية في مؤتمرات القمة العربية مساهما بما تجود به الكويت من دعم لقضايا الامة العربية وعلى رأسها قضية فلسطين والسلام في الشرق الاوسط.
واهتم المغفور له الشيخ جابر الاحمد اهتماما بالغا بقضايا الامة الاسلامية على اختلافها وتباينها فاستضاف قادة دول العالم الاسلامي في الكويت في يناير عام 1987 حيث عقد مؤتمر القمة الاسلامي الخامس.
وامام الجمعية العامة للامم المتحدة فى دورتها ال 43 في سبتمبر 1988 وانطلاقا من رئاسة الكويت لمنظمة المؤتمر الاسلامي ألقى الامير الراحل خطابا تاريخيا أمام الدورة باسم مليار مسلم في العالم بصفته رئيسا للمنظمة واقترح فيه مشروعا من ثلاثة بنود لتخفيف معاناة الدول النامية المثقلة بالديون الخارجية التي تستغلها دول الشمال المتقدمة كوسيلة ضغط على دول الجنوب الفقيرة.
ودعا الشيخ جابر رحمه الله الى قيام نظام اقتصادي وانساني جديد والى مقاومة الارهاب مع ضرورة التفريق بين الارهاب الظالم فرديا كان أو جماعيا أو حكوميا وبين الحق المشروع في الدفاع عن النفس والوطن باعتباره حقا شرعته القوانين الدولية وهكذا كان الراحل مثالا للمسلم الذي يهتم بأمور المسلمين ويسعى بكل جهد أوتي لنصرتهم ورفع الضرر عنهم.
– أما على الصعيد الدولي فلم يكن الامير الراحل طيب الله ثراه أقل نشاطا واهتماما بهذا الجانب الذي يشمل التعاون مع دول العالم من خلال الجمعية العامة للامم المتحدة التي حرص رحمه الله على حضور اجتماعاتها من منطلق انه مكان تجتمع فيه الدول على قدم المساواة وتسعى متآزرة الى اقامة الحق والعدل ونصرة النظام والامن وتحقيق الخير والسلام.
وكان الامير المغفور له في تواصل دائم وتراحم مستمر مع أبناء شعبه يزورهم ويزورونه ويسعى اليهم في نواديهم وأماكن اعمالهم حيث اعتاد الراحل زيارة دواوين الرعيل الاول وكبار السن في شهر رمضان المبارك كل عام يتبادل معهم الاحاديث الودية التي تربط الراعي برعيته وتعضد الروابط الوشيجة بينهم.
وكذلك الحال في الزيارات المستمرة التي كان يقوم بها الراحل طيب الله ثراه الى المقاهي الشعبية واتحاد الصيادين وديوانية القلاليف وديوانية شعراء النبط للاطلاع عن قرب على أحوالهم.
وكان المغفور له حريصا على رعاية المؤسسات العلمية في الكويت حيث كان يرأس مجلس ادارة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي وكان يستقبل ويكرم وفود المتفوقين من أبنائه الطلاب والطالبات حرصا منه على دعم العلم وصون المنابر العلمية.
كما كان الراحل يرعى مؤسسات العمل الاجتماعي كجمعية المكفوفين ونادي المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة ليبرز الوجه الحضاري للكويت وكان طيب الله ثراه يولي أبناء الشهداء والاسرى أهمية كبرى حيث حرص على توفير الحياة الكريمة لهم ولذويهم من خلال تقديم كل مساعدة مادية لهم وضمان مستقبلهم وذلك من خلال انشائه لمكتب الشهيد.
ولطالما كان الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد يؤكد في الكثير من المناسبات ان قضية الاسرى تعتبر قضية الكويت الاولى حيث قام بطرحها امام العالم كقضية انسانية بالدرجة الاولى.
وكان من عادة الراحل كما هو شأن الكويت حكومة وشعبا ألا تنسى من يقف الى جانبها وقت الشدائد والمحن حيث لم تمر مناسبة الا أشار فيها الراحل الى الوقفة المشرفة لدول التحالف اثناء الاحتلال العراقي للكويت التي كشفت معدنهم الاصيل فوقفوا الى جانب الكويت وقيادتها الشرعية مؤيدين لتحرير أرضها وعودة أميرها وحكومتها واهلها.
وخلال عام 1995 اختير الامير الراحل رحمه الله شخصية العام الخيرية العالمية بالاجماع ودون منافس وذلك فى اضخم استطلاع للرأي في المنطقة بمشاركة خمسة ملايين مواطن عربي أجرته مؤسسة اعلامية دولية مسجلة في لندن ومقرها القاهرة وهي مؤسسة (المتحدون للاعلام والتسويق البريطانية).
وذكر الاستطلاع ان قرار اختيار الشيخ جابر الاحمد شخصية العام 1995 الخيرية جاء بالنظر لما قدمه من دعم مالي للكثير من المنظمات العالمية التي ترعى الفقراء حيث ساهم الراحل بأمواله الخاصة في الانفاق على مشروعات خيرية ورعاية المحتاجين كما قام بدعم دور الايتام في الكويت وتقديم كل ما تحتاج اليه من عون ورعاية.
وجاء اختيار الراحل طيب الله ثراه أيضا لما عرف عنه من كرم وبذل وعطاء على مستوى الامتين العربية والاسلامية فقد كان داعما للاعمال الخيرية والانسانية ماديا ومعنويا فهو الذي رعى مسيرة احياء سنة الوقف وذلك بانشاء الامانة العامة للاوقاف عام 1993 لتتولى الوقف في الكويت وتدعو له وتربطه بحاجات الانسان والمجتمع وفق الشريعة الاسلامية والمعروف عن الراحل انه سباق لعمل الخير ومؤمن بجدواه دون مباهاة ولا ابتغاء ثناء الناس لانه كان يعطي ويحب الاحسان والمحسنين.
وحرص الشيخ جابر الاحمد طيب الله ثراه على المحافظة على التاريخ والتراث الكويتي فالتراث كما كان يراه هوية هذه الارض وتاريخ الاباء والاجداد وتفاعلات الزمن فوق تراب الوطن منذ نشأته لهذا كان يؤكد ضرورة الحفاظ على معالم التراث وملامح التاريخ.
ومن بين تلك المعالم البارزة التي اهتم بها وأراد ان تكون رمزا باقيا لاجيال المستقبل ليتعرفوا على ماضي وطنهم العريق هو “بوم المهلب” الذى حاول النظام العراقي السابق بغزوه على الكويت أن يمحو معالم تاريخ الكويت وهويتها وملامحها فقام باحراق المهلب الذي أعيد بناؤه من قبل الكويتيين مرة أخرى ليكون شاهدا حيا على قوة ارادتهم.
واولى الشيخ جابر الاحمد رحمه الله اهتماما خاصا بالعملة الكويتية اثر توليه مقاليد الحكم حيث طرح بنك الكويت المركزي في 20 فبراير 1980 اوراق نقد جديدة للتداول بعد أن أمر الراحل بالغاء الصور الشخصية منها واصبحت تحمل معالم بارزة من تاريخ الكويت كما اصدر البنك مطلع فبراير 1982 قرارا بشأن سحب أوراق النقد المتداولة التي تحمل صورتي المغفور لهما باذن الله الشيخ عبدالله السالم الصباح والشيخ صباح السالم الصباح.
وكانت قيادة الامير الراحل للبلاد وتوجيهه للعمل السياسي فيها مبنيين على اسس الديمقراطية فكان يرى أن الديمقراطية اختيار كويتي منذ البداية وسبيل الكويت الدائم في مسيرتها المتنامية ورأى رحمه الله ان الشورى بين الكويتيين في تسيير أمور بلدهم هي واقع تاريخي.
ومرت مصداقية السياسة الكويتية في رفض الارهاب والاصرار على عدم الرضوخ للابتزاز في الامير الراحل باختبارات عدة منها الانفجارات في المنشآت الوطنية واختطاف الطائرات الكويتية والاعتداء على موكبه رحمه الله الا ان القيادة الكويتية نجحت في اثبات مصداقيتها كجبهة صمود في وجه الارهاب ما أثار اعجاب وتقدير واحترام العالم كله وصار موقف الراحل والحكومة الكويتية والشعب مثار احاديث وتعليقات وسائل الاعلام العالمي قاطبة.
وحرص الامير الراحل منذ تسلمه سدة الحكم في البلاد على دعم علاقات الكويت مع مختلف دول العالم فقام رحمه الله بجولات عديدة في كثير من اقطار العالم عزز من خلالها العلاقات الثنائية بين الكويت وهذه الدول كما شارك رحمه الله فى العديد من المؤتمرات واللقاءات الدولية.
كما زار الراحل أغلب الدول التي أسهمت بقواتها المسلحة في عملية تحرير الكويت ضمن التحالف الدولي الذي قهر العدوان ورفع راية الحق حيث قدم لها الشكر على مواقفها المؤيدة لدولة الكويت.
وستبقى ذكرى الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد وما قدمه للوطن الغالي في قلوب أهل الكويت والعزاء أن الله تعالى من عليهم بخير خلف لخير سلف سمو أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه.