وحدهم ذوو الاحتياجات الخاصة يعيشون المعاناة، حتى وإن كنت قريباً منهم لا يكفي أن تميز إحساسهم أو أن تحسّ بعبرات الدموع التي تملأ قلوبهم.. وحدهم من صمتهم يرسم عالمهم، وتذوب الأفكار أمامهم، وتشهد السماء براءة أمنياتهم.
إنهم يعيشون بيننا، يتنفسون بصفاء، ويتعاملون بنقاء، ويتجاوزون وخزات الحياة بعظيم أجر البلاء، ويتركون لحظات معبرة أن (الإنسان ضعيف ونهايته الفناء).
ما يوجع ضمائرنا أننا لا نرسم إحساسهم في حياتنا، ولا نظهر هوامشهم حتى في أفكارنا، فصغائر أمنياتهم لا تأخذ حيزاً في أماكننا، فربيعهم لا يجذب رغباتنا.
إن ما يجري بداخلهم أكبر من أن نراه، وأعظم من أن نصفه، فسكون حروفهم تصور احتياجاتهم، وتعبر عن إلهاماتهم بعيداً عن الضوضاء التي تغمر حياة غيرهم.
إنهم لم يأتوا من الخلف، ولم تمطرهم السماء، إنهم ولدوا معنا، يشاطروننا الحياة، لهم أحلامهم، وتطلعات يتنفسونها، وحققوا ما عجز غيرهم بلمسات إبداعهم.
مختلفون في قدراتهم، ولكن عزيمتهم تأخذهم إلى اتجاهات العطاء والإصرار على إشعال الشموع في طريقهم لمواصلة المسير بنور قدراتهم الخاصة.
حاضرون في الزحام حتى وإن نقش في قلوبهم لوعة ألم على حق مفقود وضائع، ورعاية جانبها التقصير في الاهتمام بهم وتحمّلوا معوقات حتى استطاعوا صناعة قصص نجاح يحتذى بها.
إبداعهم يعبر عن أفكارهم، وصراعهم مع الحياة تأتي ثمرة إيمانهم بروح الإبداع التي تسكن ثنايا روحهم فلم تقف تواضع الإمكانيات المقدمه لهم إلا ثباتاً في الخطوات وعزيمة في تحقيق الإنجازات.
كثير منهم من كسر حاجز المعوقات، وتغلبوا على ظروفهم، وعززوا من روحهم، وأصبحوا نماذج مشرقة في مجتمعاتهم، لأنهم رفضوا الانكسار أمام تحديات مجتمعاتهم، فأثبتوا -بما لا يدع مجالاً للشك- أن قوة الإرادة باب يطرقه الجميع على حد سواء تحركه المشاعر وتبرزه العزيمة.
إنهم وإن كانوا يسيرون من نقاط ضعف في القدرات، إلا أنك قد تجد لديهم مواهب مختلفة، وقد تظهر في عدة مجالات، فطاقتهم الفطرية تمكنهم من ملامسة التميّز عندما تتوفر لهم بيئة مناسبة تصقل قدراتهم الخاصة، وتأهلهم إلى مستويات عالية بعد رصد معوقاتهم. وهذه خطوة هم في أشد الحاجة إليها، لتعزيز الثقة بحياتهم وطريق لدمجهم في المجتمع بشكل إيجابي وفرصة إنسانية تساعدهم على أن يكونوا أفراداً منتجين، وقادرين على التفوق على احتياجاتهم الخاصة، ولا يستسلمون إلى زوايا العتمة، وهو ما يصب في مصلحتهم في تجاوز العزلة الاجتماعية والمواقف المحرجة والخوف الدائم من النظرة القاسية للآخرين.
إن الواجب علينا أن نكون قريبين منهم، ونلغي النظرة السلبية التي تذوّب إحساسهم بالحياة، وتحملهم شعوراً بأنهم عاجزون عن القيام بمسؤولياتهم، وأن نفسح الطريق أمامهم للمشاركة في المجتمع من خلال قيامهم بنشاطات تتناسب مع قدراتهم، وأن نحترم طبيعتهم ونساعدهم فيما ينفعهم ويمنحهم جمال الحياة بصنع أيديهم.