في أحد أجنحة الأطفال في مستشفى مبارك، يعلو صوت ضحكتها مقبلاً من آخر الممر، حيث تقع غرفة الممرضات، من دون أن تعي أي مصير مجهول تعيشه، وأي مستقبل ينتظرها.
«غزل»، الرضيعة التي احتضنها المستشفى منذ شهر ونيف، لا تحمل ذنبا سوى أنها ابنة «خطيئة»، أو ربما ابنة «فقر»، وجدها احد المارة امام حاوية قمامة، ليحملها معه إلى المستشفى، تاركا إياها لاجراءات انتقالها لدور الرعاية في وزارة الشؤون، في حين بدت كأنها سعيدة حظ، ان فاعل الخير سمع صوتها من وسط القمامة؛ لينتشلها من موت محتم، لو كانت تركت هناك.
تحمل وجها دائريا أبيض، بعينين واسعتين، كأنها تفتحهما لترى العالم أجمل، من دون أن تعي ان براءتها قد لا تستطيع تحمل قساوة الحياة لمجهولي الأبوين، تأسر القلب فور النظر اليها، تضحك باستمرار لأي محاولة مداعبة من الممرضات اللواتي تدفعهن الإنسانية للاعتناء بها، في حين إن بكاءها يأتي لمحاولة التعبير عن جوعها لوجبة حليب، لتحتضنها إحداهن وتطعمها.
وقائع مأساوية
الإجراءات قد تطول أشهرا أخرى، إلى حين انتقالها إلى وزارة الشؤون لرعايتها، هذا ما تؤكده إحدى الممرضات؛ وفقا لما شاهدته مسبقا عن حالات مشابهة، في حين تختلف الروايات عن طريقة جلبها، وعن عمرها، الذي قد يتراوح بين شهرين و4 أشهر، في حين الجميع يتفقون على حبهم لها.
غزل، كأي طفلة أخرى، تحتاج أبوين بلا شك، لكن إن كان قدرها ان تبقى مجهولة الأهل، إما بسبب انها ابنة علاقة غير شرعية، وإما ربما ابنة اسرة فقيرة ارتأت تركها في حاوية القمامة، تحتاج لرعاية كأي طفلة اخرى، ورغم أنها تتلقى جزءاً منها في مستشفى مبارك، فإنها ما زالت بحاجة إلى كثير من الحاجيات، وفق ما تقوله احدى الممرضات، لعل اهمها «حليب الاطفال»، مؤكدة أن المستشفى يوفر نوعا معينا لم يتوافق مع جهازها الهضمي، بالتالي اضطرت بعض الممرضات إلى توفير نوع آخر لها، أو يوفره بعض الاهالي ممن يترددون على الجناح اثناء مرافقتهم أبنائهم المرضى.
وفي هذا الشأن، يؤكد المحامي محمد الأنصاري لــ القبس انه حسب نص القانون فإن اي مواطن خفير، بالتالي عند ايجاد اي طفل في الشارع، يجب فورا تسليمه إلى اقرب مخفر شرطة او وزارة الصحة، حيث تتولى الاخيرة اتمام اجراءات تسليمه لوزارة الشؤون.
وبيّن الأنصاري ان مجهولي الأبوين يحصلون على الجنسية الكويتية وفق مادة معينة، ويعامل معاملة كويتي الجنسية، حيث ترعاه الشؤون إلى حين بلوغه، لكن تتأخر أحيانا اجراءات انتقال الرضيع او الطفل من المستشفى إلى الشؤون.
وأشار إلى أن بعض الأطفال يكونون نتاج علاقات غير شرعية، الا ان بعض الاسر ممن يعيشون ظروفا مادية صعبة ايضا باتوا يحتالون بهذه الطريقة، حيث يضعون أبناءهم فور الولادة امام المساجد او المستشفيات، تاركيهم لمصير مجهول.
إجراءات التبنّي
وعن إجراءات التبنّي، قال الأنصاري إن هناك شروطا يجب توافرها في الراغبين في التبني، حيث ان التبني للكويتيين فقط، او للمرأة الكويتية المتزوجة من غير كويتي، على ان تكون الأسر الراغبة بالتبني حسنة السير والسلوك وبمستوى مادي، يمكّنهم من رعاية الطفل، مؤكدا ان حالات عدة تم تبنّيها من قبل اسر مختلفة.
ليست غزل وحدها المعنية بالقضية، فغيرها الكثير من اطفال يرمون بقسوة ولا انسانية امام المساجد والمستشفيات، وفي حاويات القمامة، من دون ان يفكّر الاهل في المصير الذي قد ينتظر أبناءهم، ومن دون اي شعور بأنهم يرمون قطعة منهم، تنتمي إليهم، لمجرد انها ولدت خارج اطار الاسرة، من دون ان يفكر الابوان في إصلاح ما ارتكباه عبر الطرق السليمة، بل يكون رمي الابن الحل الأنسب، فترى كم من «غزل» لقيت حتفها في حاوية القمامة؟!
مأساة إنسانية
أكد ناشطون حقوقيون أن تزايد إلقاء الأطفال الرضع أمام المساجد يدل على انعدام المشاعر الإنسانية وغياب الضمير، لافتين إلى ضرورة تشديد الرقابة لضبط كل من تسول له نفسه التخلي عن فلذة كبده وتعريضه للموت أو النشوء بلا نسب.
معلوم النسب قد يضيع.. أيضاً
استذكر الأنصاري قصة لطفلة لأبوين معلومين، اتُّهما بقضية جنائية، وتم إبعادهما إداريا قبل أعوام، في حين بقيت طفلتهما في المستشفى لمدة 5 سنوات، إلى أن تمت مخاطبة الشؤون لرعايتها، حيث كان الرفض بالبداية لكونها معلومة النسب والشؤون مختصة بمجهولي الابوين فقط، الا ان الرحمة الانسانية ساعدتها لدخول دار الرعاية، لتتبناها اسرة بعد مضي عام آخر على وجودها في الدار.
وأشار إلى أن بعد فترة تراجعت الأسرة عن قرار التبني، حيث يعمل الأنصاري حاليا على أي طريقة لإيصالها إلى ذويها، خاصة انه كان محامي والديها، الا ان التوكيل الذي يحمله منهما لا يخوله إصدار الأوراق الثبوتية لها، قائلا «تقدمت بدعوى قضائية للسماح لي بإصدار أوراقها الثبوتية».
المصدر : اميرة بن طرف \ القبس