هل تصدق أن هناك أجساماً زجاجية أصحابها بشر من لحم ودم؟ وانها أجسام قابلة للكسر؟ وأن أصحابها يبلغون سن العشرين وما بعدها، لكنهم يعيشون بأجسام السنة الثالثة من حيث القدرة على التحمل والحركة؟
هذه حقيقة، وهذا المرض يقتصر وجوده على فئة محددة من البشر لذا يعيش هؤلاء المرضى محنة واحدة رغم اختلاف التفاصيل الشخصية وطبيعة الحالة الجسدية؛ فعندما يصبح جسد الانسان مثل البيضة القابلة للكسر لأتفه الأسباب ولأقل الصدمات، فان الحياة اليومية تتحول إلى هم مؤرق وتهديد مستمر بالموت المفاجئ في أية لحظة، وتصبح العلاقات الشخصية بالآخرين من الأسوياء ضرباً من الأمنيات غير القابلة للتحقق بسهولة ويسر. كما يظل أصحاب هذا المرض في حاجة ماسة للاحتواء والعلاج، بل يظل المرض نفسه في حاجة لاكتشاف تفاصيله الخفية، كوسيلة من وسائل التعامل معه.
حول أشهر الحالات المصابة بهذا المرض وأسبابه، ومدى امكانية التعايش معه طبياً، اجتماعياً، نفسياً؟ يدور تحقيق «السياسة»، التالي مع عدد من الاختصاصيين.
«ستيللا يونغ» في استراليا، التي قرر الأطباء أنها لن تعيش سوى عام واحد على الأكثر، لكن الفتاة فاجأت والديها والأطباء أنها تجاوزت عامها السابع عشر، وتتحرك بهمة ونشاط على كرسيها المتحرك، وتدرس الاعلام بجامعة «دنكن»، بل أصبحت من أشهر ممثلات الكوميديا في السيرك، كما مارست الكتابة في كبريات الصحف الاسترالية، وكانت من بين من نجحن في تغيير قوانين العجزة للأفضل، كذلك ساهمت في اسعاد ملايين الأطفال من خلال شروحاتها المشوقة لعالم الديناصورات والحشرات في متحف «ملبورن»، قبل أن ترحل عن عالمنا في عامها الثاني والثلاثين.
سين ستيفنسون
في الولايات المتحدة أعطى الأميركي «سين ستيفنسون»، درساً للأصحاء في فلسفة البحث عن السعادة والتغلب على الاعاقة والمرض، فرغم أن طوله 33.6 بوصة فقط ولديه رجلان تعدان الأصغر عالميا، الا أنه تزوج من «مايندي كينس»، وعاشا حياة مليئة بالسعادة في «شيكاغو»؛ وقالت عن علاقتهما، «لا يعرف الآخرون أن ستيفنسون واحد من أكثر الأقوياء جنسيا».
عندما وصل ستيفنسون لسن الــ 35 كان طوله 33 بوصة وقدماه أصغر من المعدل المعروف لطول الأرجل لمن هم في مثل حالته، وكان قد تعرض في سن الــ 18 لما يقرب من 200 كسر في رجليه، ذراعيه، رقبته، أنفه، مختلف عظامه، الا أن أصعب وأخطر حادث تعرض له كان عندما سقط من الكرسي المتحرك وهو يتمشى مع كلبه وأصيب بكسر في الجمجمة، الكاحل، الفخذ، الركبة، الورك، وقال بعد الحادث «أصبح علي أن أكون حذرا على نفسي لأن أي سقوط سيصيبني بكوارث قد تهدد حياتي».
سيرجي اليوشين
أما الروسي «سيرجي اليوشين»، البالغ من العمر 37 عاماً، فانه أصيب بهذا المرض في سن مبكرة وتلقى تعليمه بالمنزل، لكنه عندما تزوج طردته عائلته، فوجد نفسه بلا مأوى.
يقول، «لا شك أنني محظوظ بزوجة استطاعت أن تتكيف مع حياتي الروتينية ومتاعب ابتعاد الناس عن التعامل مع أمثالي من المرضى، انني أشعر بالحزن من أعماق قلبي وأحلم أن أعيش طبيعيا متحرراً من قيود هذا المرض، وأن أعالج كأي مريض لكي لا أكون عاجزا، لكن أحلامي تتبدد مع مخاوف أن أفقد زوجتي ومنزلي وأعيش في بيت العجزة وحيدا، لقد مللت الروتين وبطء التغيير الذي يحدث في حياتي، خصوصا بعد أن أصبت ـ إلى جانب مرضي ـ بالصمم، الفتاق، أمراض الشعب الهوائية».
جين هاش
كما عانت الأميركية «جين هاش»، مشكلات كثيرة بسبب تكسر عظامها وحياتها على كرسي متحرك.
تقول «في كل مرة أذهب للطبيب كنت أسأله لماذا أشعر بالاعتلال والمرض فهل أعاني من حساسية، من وزن زائد، من سرطان؟ وكانوا يرجعون تعبي إلى أنه جزء من مشكلات حالتي الخاصة بتكسر العظام».
تضيف، «بعد أن تعبت من الأدوية، قررت الاعتناء بصحتى بنفسي، فحصلت على كورس دراسي للاهتمام الطبيعي بالصحة، واستطعت الحفاظ على وزني معتدلا بالنسبة لطولي خلال السنوات العشر الأخيرة، ومن ثم ضاعت معاناتي من الجهاز التنفسي؛ لأنني تعلمت كيفية التعامل مع هذه الأمور باستخدام العلاجات الطبيعية والأنظمة الغذائية، وبعد ذلك حصلت على شهادات أهلتني لتعليم الآخرين كيفية القيام بهذا العمل كمعلمة صحية».
العلاج الجيني
يعرف الدكتور محمد موسى، جراح العظام والعمود الفقري، كلية الطب، جامعة الفيوم، هذا المرض بأنه «مرض العظام الزجاجية»، وهو حالة مرضية وراثية في جزء كبير منها؛ حيث تؤدي إلى تشوه تكوين عنصر «الكولاجين» في العظام ما يؤدي إلى أن تصبح عظام الجسد هشة وغير قادرة على تحمل الصدمات والضغوطات الخفيفة، ويحدث هذا بدرجات متفاوتة، قد تؤدي إلى ولادة الطفل ميتاً، أو يولد بكسور، وربما تظهر بعض الكسور قبل تعلم الطفل للمشي، أو تظهر متأخرة بعد تعلمه المشي وممارسته اللعب، موضحا أن بعض الأعراض المصاحبة لحالات العظام الزجاجية تتمثل في تأخر النمو، فقدان السمع، وجود زرقان ببياض العين، واعوجاج العمود الفقري. وفي كل هذه الحالات يمكن التعامل مع هذا المرض علاجياً من خلال بعض الهرمونات والفيتامينات، مضادات الهشاشة، العلاج الجيني مع تثبيت الكسور، عمل الجبائر الداعمة للمفاصل، اصلاح الاعوجاجات، مقررا أن هذا المرض لا يسمح في الغالب للمصاب به بممارسة الحياة الزوجية والأسرية، رغم وجود استثناءات الا أن هذه الحالات المرضية تدمع العين وتدمي القلب وتمثل عبئاً كبيراً على الأسرة والمجتمع.
مرض خلقي
عن طبيعة هذا المرض النادر يوضح الدكتور ناجي الصراف، أستاذ جراحات العظام، بكلية الطب، جامعة الأزهر، أن مرض العظم الزجاجي يعد من الأمراض الخلقية التي يرتبط ظهورها باختلالات وراثية حادة في مكونات الخلية العظمية، خصوصا اختلالات المكون البروتيني المغذي للكتلة العظمية، والذي يؤدي بدوره إلى هشاشة حادة وغير طبيعية في عظام الجسد ما يسهل تعرضها للكسور المتكررة لأتفه الأسباب. مؤكدا أن بعض المصابين بهذا المرض يتعرضون للكسور في عظام القدمين، اليدين، القفص الصدري، حتى في مرحلة ما قبل الولادة، وقد يتعرضون لنفس الكسور أثناء عملية الولادة ذاتها، وأيضاً فيما بعد الولادة يكون عليهم عبء تحمل الاعاقة لأن هذا المرض يبطئ من وتيرة النمو الحركي.
عن طبيعة انتشار هذا المرض يؤكد أن ما يصدر عن منظمة الصحة العالمية ومؤسسات متابعة الأمراض العالمية يفيد بتناميه على المستويين الاقليمي والعالمي خاصة بين الأطفال، وفي مصر توجد حالات عديدة وفق احصائيات المركز القومي للبحوث، وهو ما يحتم ضرورة التوعية به بين الطبقات الشعبية التي غالباً ما تهمل في التغذية والرعاية الصحية.
الوقاية والعلاج
حول طرق الوقاية وعلاج هذا المرض النادر، يقول الدكتور خالد العمدة، استشاري الأطفال والغدد الصماء، مستشفى قصر العيني: مرض العظم الزجاجي من الأمراض النادرة والمعروفة طبياً منذ القدم، مطالبا باهتمام الأسرة بالحالة الصحية لأفرادها بشكل عام، ما يساهم بدور مهم في الوقاية من المرض؛ موضحا انه رغم أن الوراثة تلعب دوراً رئيسياً في بعض الحالات، الا أن بعض الحالات كانت أسباب الاصابة فيها اهمال الحامل في تناول جرعات الأدوية والمضادات الحيوية وغيرها من المركبات الكيميائية والدوائية خلال فترة الحمل، وحالات أخرى كانت التغذية السيئة والخاطئة احد اسباب اصابتها بالمرض.ناصحا بتوعية الناس بأعراض هذا المرض، المتمثلة في زرقة بياض العينين، ضعف السمع، تأخر بناء الأسنان، بالاضافة لتراجع نسبة الكالسيوم والفوسفور، وهي مؤشرات توجب سرعة التوجه لأقرب طبيب.
عن أحدث أدوية علاج المرض، يذكر أن العلاج الدوائي بجرعاته المرتبطة بطبيعة الحالة المرضية، هو المتاح حالياً؛ حيث يحصل المصاب على جرعات دوائية لتقوية الكتل العظمية، وهي جرعات تختلف باختلاف استجابة المريض للمركب الدوائي، أما الحالات المرضية الحادة فلا يتم فيها الاكتفاء بالأدوية، انما يتم دعم المكونات العظمية بشرائح معدنية داعمة من الداخل لتعوض حالة الضعف العظمي التي يعاني منها المصاب.مشيرا إلى اللجوء لعلاجات هرمونية مثل الكالسيتونين أو غير هرمونية مثل «البيسفوسفونات» لوقف مفعول الخلايا المسؤولة عن تكسير العظام، ومن ثم يمنع المزيد من فقدان المادة العظمية مستقبلاً؛ حيث يمكن اعطاء المصاب جرعة أسبوعية مقدارها 70 مللغم من أليندرونات الصوديوم بشروط طبية خاصة.
الدمج والتحفيز
عن أفضل طرق التعامل النفسي والاجتماعي مع مرضى العظم الزجاجي، تقول الدكتورة زينب شاهين، أستاذ علم الاجتماع، بالجامعة الأميركية، ان المصابين بهذا المرض ينطبق عليهم ما ينطبق على ذوي الاحتياجات الخاصة؛ حيث يجب التعامل الايجابي معهم عبر دمجهم أسرياً، اجتماعياً، نفسياً، مع محاولة تخفيف معاناتهم من خلال اكتشاف بعض مواهبهم وهواياتهم الخاصة التي تجلب لهم بعض السعادة والمرح. محذرة من تسلل اليأس والضجر والشعور بالاحباط للقائمين على رعاية هؤلاء المرضى، في الأسرة أو في أماكن العلاج؛ لأن ذلك من شأنه نقل جملة من المشاعر السلبية اليهم فتعمل على تأخر حالتهم المرضية، وتراجع مشاعرهم الايجابية تجاه المجتمع والناس.
المصدر : محسن حسن – القاهرة \ جريدة السياسة