0 تعليق
743 المشاهدات

خادمات يتحولن إلى أمهات بديلات



حرمان عاطفي.. استقرار أسري غائب.. أولياء أمور على ورق.. وخادمات منازل غير متخصصات في التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، أجبرن على التخلي عن دورهن المساند في المنزل، وتحولن إلى أمهات بديلات.
هذا الوضع المزري يتكرر في بعض المنازل نتيجة انشغال الأبوين بأمورهما الحياتية، تاركين فلذات الأكباد في أيدي الغرباء، كما أن أسراً لم تزر مدارس أبنائها من ذوي الإعاقة أو صفوفهم، أو حتى تكلفت لحضور اجتماع المدرسة، وآخرون يسافرون ويتركون أبناءهم المعاقين في عهدة الخادمة أو المربية، التي ترافقهم حتى في مراجعة المستشفيات والمصالح الحكومية.
القبس سلطت الضوء على هذا الملف، واستطلعت آراء بعض الأسر والمهتمين في مجال الإعاقة، حيث أكد الباحثون التربويون والنفسيون أهمية تضافر جهود الأبوين واحتضانهم لأبنائهم من ذوي الإعاقة للعبور بهم إلى بر الأمان، حذروا من خطورة الاعتماد على العمالة المنزلية كليا في عملية التربية والرعاية، لما له من تأثير سلبي على حالتهم النفسية والاجتماعية والسلوكية. كما شدد الباحثون على أهمية إشباع حاجات الطفل، سواء كان معاقاً أو غير معاق، وتربيته في جو يسوده الحب والدفء العاطفي، لافتين إلى أن الاستقرار الأُسَري للطفل ذي الإعاقة يسهم في تحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي والسلوكي.
و بينما طالب أولياء الأمور بتوفير مكاتب استقدام عمالة منزلية، وخدمات تمريضية مؤهلة ومتخصصة في مجال الإعاقة، فضلا عن توفير دورات تدريبية لهم للتعامل مع الإعاقات الشديدة والصم والمكفوفين، انتقدوا ارتفاع أسعار استقدام العمالة المنزلية لرعاية ذوي الإعاقة وكبار السن، إضافة إلى عزوف أغلبهم عن العمل في منازل ذوي الإعاقة.

مكاتب الاستقدام
وقال مصدر أمني بوزارة الداخلية لـ القبس إن بعض مكاتب استقدام العمالة المنزلية توهم الكفيل بتوفير عاملة منزلية متخصصة في رعاية ذوي الإعاقة، وفور استلامها واصطدامها بالواقع ترفض العمل لديه أو تهرب، مما يضطر الكفيل لتقديم شكوى إلى إدارة العمالة المنزلية، التي بدورها تقوم باستدعاء صاحب المكتب ومواجهته، فيتم إلزامه باسترداد المبلغ المدفوع أو مخالفته، لافتا إلى أن المخالفة قد تصل إلى إغلاق المكتب، نظرا لمخالفته شروط عقد وزارة الداخلية.
وأوضح المصدر أن هناك شركات متخصصة في توفير الرعاية والخدمة التمريضية لذوي الإعاقة وكبار السن، وبأسعار مرتفعة وفق عدد ساعات معينة.
وأرجع المصدر الارتفاع المستمر في أسعار الخدم في الكويت إلى عدة أسباب، منها: عدم وجود قانون للحد من ارتفاع الأسعار، كما أن قانون العمالة المنزلية الجديد (منع التحويل + الكفالة ٦ شهور) تسبب في زيادة الأسعار، إضافة إلى أن اتفاق جميع المكاتب على الأسعار، وجمع المبالغ المرتفعة، لتسديد الغرامات والعقوبات إلى وزارة الداخلية إن وقع عليهم، مما ساهم في شفط جيب المواطن الذي يتحمل الصراع بين قوانين وزارة الداخلية وعناد أصحاب المكاتب.
وأضاف أن أصحاب النفوس الضعيفة من بعض أصحاب المكاتب غير كويتيين، ولا يهمهم جيب المواطن الكويتي، فبمجرد سماعهم بإنشاء شركة حكومية، اتجهوا إلى زيادة الأسعار، واستغلال الوقت للاستفادة من الزيادة إلى حين عمل هذه الشركة.
وأشار إلى أن الحل يكمن في الاستعجال بعمل الشركة وعدم المماطلة، فكل تأخير يستفيد منه أصحاب المكاتب الحاليون، إضافة إلى التعاون والتعامل مع دول أخرى مصدرة للعمالة المنزلية، مثل أندونيسيا وبنغلادش، والاجتماع مع السفارة الهندية لحل المشكلة العالقة مع وزارة الداخلية الممثلة بشؤون الإقامة، وكذلك التعاون مع شركات التأمين ومكاتب العمالة المنزلية لحمايتها من الأضرار، مثل الإصابة أثناء العمل والهروب والأمراض والوفاة وغيرها.

تجربة مثمرة
«تقاعدت من أجل رعاية ابني المعاق، والقيام بمهام بيتي»، هكذا لخصت أمين سر الجمعية الكويتية لأولياء أمور المعاقين، هدى الخالدي، تجربتها مع ابنها بدر، وهو من ذوي الإعاقة الذهنية، وحرصها على متابعته ورعايته بنفسها، ومرافقته أينما ذهب من دون تدخل من الخادمة، التي حددت لها مهمتها في تنظيف المنزل، ومساعدتها في متابعة أبنائها أثناء الخروج للاجتماعات الطارئة، وشراء متطلبات المنزل على نحو لا يؤثر في تهميش دورها كأم.
وقالت الخالدي: على الرغم من أن ثمة أولياء أمور حريصون على متابعة أبنائهم من ذوي الإعاقة، فإنه للأسف بعض الأمهات ينشغلن بأمورهن الحياتية واهتماماتهن الشخصية أكثر من الالتفات إلى أبنائهن من ذوي الإعاقة، ويعتمدن على الخادمة بشكل أساسي، لدرجة أنها ترافق الطفل المعاق عند مراجعة المستشفيات والعيادات الخارجية، مضيفة «حنان الأمومة لا تعوضه الخادمة».
وأشارت إلى أن ضغط العمل على بعض العمالة المنزلية ينعكس سلبا بالتعدي على الأبناء بالضرب أو التحرش بهم بأي شكل من الأشكال، لافتة إلى جهل العمالة المنزلية بآلية التعامل مع الإعاقات الشديدة والصم والمكفوفين، وبعضهن يرفضن التعامل مع الأطفال ذوي الإعاقة، ويقمن بتهديد ربات البيوت بترك العمل ما لم يتم تلبية طلباتهن، مما يضطر ربات البيوت لقبول شروطهن في سبيل بقائهن بدلاً من البحث عن بديلة وتدريبها من جديد.

الكندري: نحتاج برامج تدريبية للمربين

اعتبرت د. مريم الكندري وهي ولية أمر طفل توحدي أن إحلال العمالة المنزلية محل المربي أو من يرعى ذوي الإعاقة أمرًا مؤلمًا حيث يؤثر سلبًا في الحالة النفسية والاجتماعية للطفل ذو الإعاقة.
وتابعت بالقول: نعم للكل ظروف تجب مراعاتها، لكن هذا لا يمنع تخصيص وقت أو يوم بالأسبوع للاطمئنان عليه ومتابعته، مبينة أن الدعم الأُسَري للأطفال ذوي الإعاقة والجو العائلي الذي يسوده الحب والاحتواء والتقبل يسهم في تحسين حالاتهم وتطويرهم وتعديل سلوكهم، مطالبة ببرامج تدريبية للمربين.
وأبدت أسفها من وجود حالات لأسر لم تزر مدارس أبنائها من ذوي الإعاقة أو صفوفهم أو حتى يتكلفوا لحضور اجتماع المدرسة أو مناقشة التقرير المدرسي لطفلهم، مضيفة «بالرغم من أن هناك العديد من البرامج التي تعتمد على تدريب الأهالي حول كيفية التعامل مع الأطفال، فإن القائمين على التدريب يتفاجأون بإخضاع المربية أو الخادمة للتدريب على التعامل مع الطفل بدلاً من الوالدين».

العنزي: تعرُّض الطفل المعاق للضرر الجسدي جناية

أكد رئيس مركز إشراقة أمل للاستشارات النفسية والاجتماعية والسلوكية المحامي د.سعد العنزي أن الاستقرار الأُسَري والدفء والأمان العاطفي للمعاق يسهم في تحقيق الاستقرار النفسي والسلوكي، مؤكدا أن العمالة المنزلية لا يمكن أن تقوم بدور الأم البديلة أو تحل محلها إلا في حالات استثنائية.
وبين أن الدولة من خلال قانون الأشخاص ذوي الإعاقة رقم ٨ لسنة 2010 أعطت الامتيازات الخاصة لأولياء الأمور والأوصياء لذوي الاحتياجات الخاصة، الحقوق المالية والنفسية لذويهم المعاقين، وكفلت لهم جميع الحقوق، فيحق للولي أو الوصي أن يقدم هذه الخدمات التكميلية كالاستعانة بالعمالة المنزلية وبعض المستلزمات الضرورية للمعاق للعناية به بشرط أن يكون ذلك لمصلحة المعاق نفسيا وجسديا دون حصول أي ضرر له، مشيرا إلى أنه اذا تعرض المعاق للضرر فالمحاسبة هنا تقع على من تسبب بالضرر للمعاق، سواء كانت الخادمة أو الولي أو الوصي.

خدمة ورعاية
وأضاف بالقول: إذا دعت الحاجة إلى استقدام خادمة أو خادم لرعاية الطفل ذي الإعاقة، فلا بأس شريطة حصوله على الأمن والأمان والاطمئنان على رعايته، فيحرص أولياء الأمور على جلب  العمالة الخادمة المؤهلة والمتخصصة في التعامل مع ذوي الإعاقة لتلبية كل متطلباتهم وخدمتهم، مشيرا إلى حرص بعض الأسر على تأمين الحياة الكريمة والرعاية الآمنة لأبنائهم من ذوي الإعاقة من خلال الاشتراط على مكاتب العمالة المنزلية باستقدام المتخصصين في مجال الاعاقة.
ولفت إلى جهل العمالة المنزلية بكيفية التعامل مع الصم والمكفوفين والحالات الشديدة، مطالبا بتوفير دورات تدريبية لهم حول كيفية التعامل مع هذه الفئات من ذوي الإعاقة حسب ظروف كل حالة وآلية التعامل معها.
وأشار إلى لجوء بعض أولياء الأمور إلى رفع دعاوى قضائية بشأن سلب الولاية من الوصي، سواء كان الأب أو الأم، وذلك بسبب إهمال الوصي في رعاية الابن أو الابنة  من ذوي الإعاقة بعد الشقاق أو الطلاق والاعتماد الكلي على العمالة المنزلية في القيام بمهام الوصي المتمثّلة في توفير الرعاية والتنشئة، مستشهداً بدعوى قضائية رفعتها زوجة عربية، وهي ولية أمر لفتاة من ذوي الإعاقة، ضد زوجها السابق، الذي انفصلت عنه بسبب المشاكل العائلية وتعرضها للضرب والحبس لمدة أربع سنوات متواصلة، لسلب الولاية منها على خلفية إهماله في رعاية ابنته المعاقة وتركها مع الخادمة.

هناء الصانع: لا للاعتماد على العمالة المنزلية

لفتت الناشطة في مجال الإعاقة وولية أمر طفل من ذوي الإعاقة هناء الصانع إلى اعتماد بعض الأسر على العمالة المنزلية في تلبيه احتياجات أبنائهم من ذوي الإعاقة وحتى في تخليص بعض معاملاتهم، مشددة على ضرورة توفير مكاتب استقدام عمالة منزلية متخصصة ومؤهلة في التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة لتلبية لتلبي احتياجاتهم.
واستعرضت تجربة ناجحة لإحدى الأسر التي حرصت على تدريب العاملة المنزلية على استخدام لغة الإشارة لتسهيل تواصلها مع ابنتهم الصماء.

الأنصاري: حسن المعاملة.. وصفة سحرية لاكتساب الثقة
لم يثنها عشقها لعملها رئيسة قسم في إحدى وزارات الدولة عن مرافقة ابنها وهو من فئة الداون ومشاركته في كل الفعاليات والأنشطة المتعلقة بذوي الإعاقة، فضلاً عن الاهتمام بحقوق وواجبات العاملة المنزلية المكلفة برعاية ابنها علي واعتبارها أحد أفراد الأسرة، صورة جسدتها ولية الأمر صديقة الأنصاري لتمثل بذلك نمودجًا ناجحًا لربات البيوت التي اعتبرت أن دور الخادمة مساند لها وليس أسياسيًا. وزادت بالقول: للأسف بعض الأسر تنظر إلى الخادمة كنوع من أنواع الوجاهة الاجتماعية (برستيج) بعيدًا عن مفهوم الإنسانية، في المقابل ثمة بعض الأمهات أروع ما يكون ويعتمدن على الخادمة لظروف طارئة خارجة عن إرادتها، مضيفة «نحتاج إلى شخص رديف يساندنا دون أن يؤثر بالسلب نفسيا واجتماعيا في الأبناء والأسرة». وبحكم تجربتها، نصحت الأنصاري ربات البيوت بحسن معاملة العمالة المنزلية وعدم استخدام العنف والضغط وذلك لكسب صداقتهم وثقتهم ومحبتهم، إضافة إلى ضمان المعاملة الآمنة لأبنائهم من ذوي الإعاقة، ملمحة إلى أن بعض الأسر تلجأ إلى تعنيف الخادمات وحبس جوازات سفرهن، الأمر الذي ينعكس سلبًا على أبنائهن، خصوصًا ذوي الإعاقة الذين يعجزون عن الدفاع عن أنفسهم.

البالول: تنازلت عن وظيفتي مقابل أمومتي
« تنازلت عن وظيفتي ناظرةً، ولم أتنازل عن أمومتي».. بهذه الكلمات باحت رئيسة الجمعية الكويتية لمتلازمة الداون، وهي ولية أمر لفتاة من متلازمة الداون، حصة البالول عن تجربتها، بعد أن دخلت عالم التطوّع وكرّست حياتها في سبيل تربية ابنتها سارة ورعايتها، بدلاً من الاعتماد على العاملة المنزلية. وبينما أشادت باهتمام الأمهات الصغيرات بمتابعة أبنائهن من ذوي الإعاقة، لا سيما الإعاقات الذهنية، وحرصهن على مرافقتهم أينما ذهبوا، لفتت إلى تقصير بعض الأسر في رعاية أبنائها من ذوي الإعاقة، مستشهدة بحادث لطفلة (تعاني من إعاقة ذهنية) تعرّضت للضرب على يد الخادمة خلال سفر الوالدين للخارج. وانتقدت ارتفاع أسعار استقدام العمالة المنزلية لرعاية ذوي الإعاقة، والتي وصفتها بــ «المبالغة»، التي قد تصل إلى 1600 دينار للخادمة المسترجعة و1000 دينار للمستجدة مع راتب 150 دينارا لكل منها، في حين وصل سعر استقدام الممرضة المنزلية التي تعين ذوي الإعاقة أو كبار السن نحو 1500 دينار، مشيرة إلى معاناة بعض أولياء الأمور من ظاهرة عزوف العمالة المنزلية من العمل مع أبنائهم من ذوي الإعاقة وهروبها من كفلائها؛ ليتم بيعها بسعر أعلى من قبل مكاتب الخدم.

غصة
هل يُعقل ما يحدث من قبل بعض الآباء والأمهات، حيث يتخلّون عن أبنائهم المعاقين، ويوكلون مهمة التربية إلى الخادمات اللائي يتحوّلن إلى نسخة مشوّهة من الأمهات، مما يرتب كثيراً من المشكلات؟!
وفي الآونة الأخيرة تكررت شكاوى بعض ذوي الاحتياجات الخاصة من ظلم أقاربهم، وإهمال رعايتهم، وهضم حقوقهم، مما يستلزم وقفة.

 

المصدر : مى السكرى \ جريدة القبس

كتـاب الأمـل

+
سمر العتيبي
2018/12/09 3772 0
راما محمد ابراهيم المعيوف
2017/12/29 4149 0
خالد العرافة
2017/07/05 4690 0