قبل أيام معدودة وقفت طالبة كفيفة في جامعة الكويت لتناقش باقتدار رسالتها لنيل درجة الماجستير في تخصص الإدارة التربوية. وفي منظر أسري سعيد تواجد أهلها في قاعة المناقشة ومعهم زوجها، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة وقال: «اليوم من أسعد أيام حياتي».
وبصفتي رئيسة جلسة المناقشة شعرت مع زملائي بالفرح يغمرنا، فالإنسان مجبول على الابتهاج كلما شاهد مشهداً يفيض بالحب والمودة فكيف إذا زاده العلم نوراً وحبوراً؟ العلم بستان أهل البصائر والأبصار. رأيتُ وناقشتُ تلك الطالبة الكفيفة – حفظها الرحمن ورعاها – فوجدتها طاقة من النشاط والتفاؤل، وزوجها وأمها وبناتها بجانبها يساندونها ويحوطونها بالمودة والدعم والتأييد. إن أصحاب الهمم العالية نماذج حياتية نحتاج إلى التعلم منهم.
وعلى ضفاف هذا المشهد، فإنني أود أن أشير إلى أنه من أجمل مباهج الحياة أن نتعلم من الكتب المسطورة، والمواقف المنظورة، ولعل أفضل أيامنا هي الأيام التي نتعلم فيها علماً نافعاً وعملاً مفيداً، ونبث الخير في آفاق الدنيا ولا نستسلم للتحديات والإعاقات. تلك هي الخواطر التي راودتني وقادتني إلى تقدير كل شخص ساهم ويساهم في إدماج الفئات الخاصة من طالباتنا في حركة الحياة والمساهمة في كسر أغلال العزلة وفتح مسارات تعينهم على استئناف تعليمهم، وتجويد تحصيلهم. من مضامين مفهوم التربية بلا حدود إزالة جميع المعوقات التي تحد من تعلم أصحاب الإعاقات والتحديات. إنه مبدأ تكافؤ الفرص، وتذليل العقبات أمام الجميع.
المتابع لحياة الطالبات الكفيفات يلمس بوضوح حجم التحديات التي تواجههن في مسيرتهن التعليمية، حيث يفتقدن الكتب الكافية في المكتبات لبناء ثقافتهن على نحو أوسع. ومن هنا فإن تطوير الخدمات العلمية المساندة أضحى ضرورة حضارية لتشجيع أكبر عدد لمواصلة مسيرتهن العلمية. ثمة حاجة لبرامج متعلقة بالحاسوب وأخرى بعملية الترجمة من اللغات الأخرى لتلبية حاجة الكفيفات في مرحلة الدراسات العليا.
ولكي تحقق الطالبة الكفيفة مزيداً من الاستقلال في التعلم الذاتي، ومن أجل الوصول إلى قفزات نوعية على صعيد العناية بالطالب الكفيف وغيره، فإن المكتبات الجامعية مطالبة بتوفير الكتب الأكاديمية المسموعة من جهة، والمطبوعة وفق طريقة برايل من جهة أخرى.
إن حفظ حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة والتسابق في تطوير الخدمات المقدمة لهذه الشريحة المهمة في مجتمعاتنا، مسألة تمس جوهر التنمية المستدامة التي تحتاج إلى جميع الجهود مهما كانت إعاقات البعض بصرية أو سمعية أو حركية أو ذهنية.
إن الخدمات الأكاديمية المساندة يجب أن تحشد طاقاتها لتأهيل الطلبة – كل حسب احتياجه – ليصبحوا بصورة أكبر من ركائز المجتمع، علماً وعملاً وإنتاجاً وإبداعاً.
شكراً لكل مؤسساتنا الحكومية والأهلية التي تؤازر مسيرة التعليم بلا حدود ولا تتردد في توفير الخدمات المتطورة القادرة على جعل طلبتنا فائقين في مناهج البحث العلمي، والتثقيف الذاتي، والتنوير الحضاري، والعطاء المجتمعي المتدفق.
أ.د. لطيفة حسين الكندري