على الرغم من أن القوانين الدولية حثَّت على ضرورة توفير سبل الرعاية الاجتماعية والنفسية والتعليمية للأشخاص ذوي الإعاقة، فضلاً عن احترام حقوقهم باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الذي ينتمون إليه، وهو ما اتفق عليه أيضاً القانون رقم 8 لسنة 2010، الذي أكد كرامة ذوي الإعاقة وعدم تعريضهم للتعذيب أو المعاملة الحاطة بالكرامة، من قبل من يتولى رعايتهم ووفقاً للمادة الـ61، إلا أن المجتمع الكويتي لم يسلم من مظاهر وصور الإساءة والعنف الأسري والمدرسي والمجتمعي سواء كان لفظياً أو معنوياً أو جسدياً الموجهة ضد الأشخاص ذوي الإعاقة والعكس، الأمر الذي يسبب اضطرابات نفسية واجتماعية لهذه الفئة الضعيفة التي لا تقوى على الدفاع على أبسط حقوقها وهو العيش في كرامة وإنسانية.
هناك أسباب كثيرة للعنف ضد ذوي الإعاقة منها: إسقاط تجاربهم السلبية على أطفالهم، خصوصاً الآباء الذين لديهم أطفال معاقون، والمشاكل الاجتماعية والضغوط النفسية والحياتية والاقتصادية، ناهيك عن جهل الوالدين بالخصائص السلوكية والتطويرية للطفل وافتقادهم ثقافة التعامل مع الإعاقة الشديدة، إضافة إلى عدم تأهيل بعض الكوادر التدريسية علمياً ونفسياً للتعامل مع طلبة التربية الخاصة ما يؤدي إلى العنف المدرسي.
من المؤسف أن نقول إن العنف الأُسَري بات من الآفات الاجتماعية التي توصم بالعار والخجل الاجتماعي، فهناك قصص مأساوية عن عقوق الآباء لأبنائهم.. وحكايات حقيقية أغرب من الخيال يخيم عليها التكتم خوفاً من الفضيحة والوجاهة الاجتماعية، فبحسب روايات عدد من ذوي الإعاقة المعنفين لـ القبس، ثمة بعض الأسر الجاحدة تجردت من كل معاني الإنسانية والرحمة والحنان بإخفاء أبنائها من ذوي الإعاقة في السراديب لحبسهم وعزلهم عن المجتمع، وآخرون تبرؤوا منهم بحجة إعاقتهم.
وفِي رواية لشاب في العشرينات من عمره- رفض الإفصاح عن هويته- يعاني إعاقة حركيّة شديدة ووقع ضحية العنف الأُسَري على يد والده الذي دأب على إهانته وضربه واستغلال إعاقته في الحصول على قرض من البنك باسمه، إلى جانب تقصيره في حقه والاستفادة من مخصصات العلاج بالخارج له في السفر والوناسة والمتعة الشخصية.
وقال الشاب في حديثه لـ القبس إن المعاملة السيئة التي انتهجها والده أثرت عليه نفسياً واجتماعياً وولدت مشاعر الكراهية والعداوة بيني وبين والدي، الأمر الذي دفعني إلى هجر منزل العائلة منذ عام لأعيش مع جدتي، مشيراً إلى أنه لا وصي عليه وينفق على نفسه من الراتب الذي يحصل عليه من الهيئة العامة لشؤون ذوي الإعاقة الذي يبلغ ٥٩٤ ديناراً. وزاد بالقول: «توجهت إلى المخفر سيراً على الأقدام لتقديم شكوى ضد والدي، إلا أن أحد أقاربي طلب مني التنازل عن الشكوى وبالفعل تنازلت، ولَم يكتفِ بذلك بل تبرأ مني والدي بسبب إعاقتي»، متمنياً أن يواصل دراسته خارج البلاد في إحدى الدول الأوروبية نظراً لاحترامهم حقوق المعاق، وأن يعيش في منزل بمفرده للابتعاد عن المشاكل.
العنف المدرسي
أكد رئيس مركز إشراقة أمل للاستشارات النفسية والاجتماعية والسلوكية د. سعد العنزي عدم وجود عنف تربوي في مدارس التربية الخاصة أو أي مؤسسة تعليمية ضد طلبة ذوي الإعاقة نظراً لوجود كوادر تدريسية وتربوية مهنية ومتخصصة في مجال التعامل مع ذوي الإعاقة، مضيفاً «وإن وجدت فهي حالات فردية نادرة لبعض السلوكيات والتصرفات غير اللائقة التي تصدر عن ذوي الإعاقة لا سيما الشديدة منها، لكن لا يمكن اعتبارها مشكلة أو ظاهرة داخل مجتمعنا».
وزاد بالقول: «إنه من المخيف في مجتمعنا وجود العنف الأُسَري ضد ذوي الأبناء من ذوي الإعاقة، حيث إن بعض أولياء الأمور لا يجيدون التعامل مع أبنائهم من هذه الفئة خاصة الإعاقة الذهنية وذلك إما بسبب الجهل أو الشقاق الأُسَري الناتج عن الطلاق، ما يجعل الأبناء ضحية هذا الانفصال»، مشيراً إلى أن هناك حالات نزاع بين الطرفين بشأن أحقية من يتولى الوصاية على أبنائهم من ذوي الإعاقة الذهنية لاسيما في ظل الامتيازات المالية التي وفرتها الدولة والتي تعد مطمعاً لكثير من الأسر.
دعاوى قضائية
وكشف العنزي عن وجود ما يزيد على 30 دعوى قضائية مرفوعة في المحاكم بشأن إساءة التصرف في أموال المعاق (دعوى سلب ولاية المسيء)، إضافة إلى نحو ثلاث شكاوي مقدمة إلى الهيئة العامة لشؤون ذوي الإعاقة في هذا الشأن، لافتاً إلى إحدى القضايا المرفوعة ضد ولي أمر لثلاث فتيات من ذوي الإعاقة المزدوجة (ذهنية وحركية) على خلفية الإساءة إليهم وتسكينهم في منزل غير صالح للعيش فيه وهو أشبه بحظيرة للحيوانات فلا منافع صحية أو بيئة مناسبة لهن.
وأردف بالقول: «من حق كل من شاهد أي إساءة ضد شخص من ذوي الإعاقة الإسراع في تقديم شكوى إلى الهيئة العامة لشوؤن ذوي الإعاقة أو إلى النائب العام»، مضيفاً «للأسف هناك استغلال للأشخاص من ذوي الإعاقة وإساءة لهن من قبل ذويهم وهذا هو الشائع داخل مجتمعنا».
ونوه إلى أن الإساءة لذوي الإعاقة تؤثر سلبا في حياته السلوكية والنفسية والاجتماعية، كما تسهم في زيادة الاضطرابات النفسية لديه خصوصاً ذوي الإعاقة الذهنية، مشدداً على ضرورة توفير برنامج توعوي لتثقيف أولياء الأمور حول كيفية التعامل مع أبنائهم من هذه الفئة سلوكياً ونفسياً واجتماعياً.
وانتقد العنزي عدم تعاون الهيئة العامة لشوؤن ذوي الإعاقة وتقصيرها في نشر الثقافة القانونية والنفسية والاجتماعية والشرعية بشأن حماية حقوق ذوي الإعاقة.
بورسلي: الدمج ضرورة ملحة لحفظ الحقوق
أكدت رئيسة الجمعية الكويتية لأولياء أمور المعاقين رحاب بورسلي أن المجتمع الكويتي لا يخلو من العنف اللفظي أو الجسدي أو المعنوي أو المادي ضد الأشخاص ذوي الإعاقة وأن هذه المشكلة توجد بشكل طبيعي وليست كظاهرة، وأشارت إلى تقدم المجتمعات العربية والخليجية في التعامل مع الشخص ذي الإعاقة إضافة إلى وجود القوانين التي تجرم هذا الموضوع.
ولفتت إلى المواد: 61، 24، 25، 26، 28 من قانون الأشخاص ذوي الإعاقة بشأن التزام الأسرة بتوفير الرعاية الاجتماعية، كما يتعين على الهيئة تعيين مشرفين من ذوي الاختصاص الاجتماعي والنفسي للإشراف على رعايتهم والحصول على المعلومات المتعلقة بمستحقي الرعاية اللازمة لأداء عملهم من الجهات المعنية، واستدعاء المكلفين بالرعاية وتوجيههم إلى واجباتهم وضبط الوقائع التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون، وتحرير المحاضر اللازمة بشأنها وإحالتها إلى الجهات المختصة، مشددة على أهمية الدمج في قبول الآخر وتقبل اختلاف ذوي الإعاقة، فالانعزال يؤدي إلى إساءة التعامل.
ولفتت إلى أن استخدام العنف ليس حلاً لمعالجة السلوكيات السلبية الصادرة عن الشخص ذي الإعاقة، بل يؤدي إلى نتائج عكسية ويولد إعاقات نفسية إلى جانب الإعاقة الأساسية، ملمحة إلى انتشار العنف الأُسَري بالدرجة الأولى ضد ذوي الاعاقة، لا سيما الشديدة، سواء من أولياء الأمور أو العمالة المنزلية أو الأشقاء ممن يجهلون كيفية التعامل مع هذه الحالات.
وأكدت أهمية العناية بالشخص ذي الاعاقة والتنشئة السوية الإيجابية بحيث لا تنعكس سلباً على تطور سلوكه، فجميع الأديان السماوية تحث على رقي التعامل والأخلاق، مبينة أن العنف المدرسي يحتاج إلى رقابة من الجهات الرسمية من خلال وضع كاميرات في الفصول لمراقبة المعلمين وحفظ حقوق ذوي الإعاقة، لا سيما للاعاقات الشديدة، بخلاف العنف الأُسَري الذي يحتاج إلى رقابة ذاتية.
البالول: المحبة وصفة سحرية لتعديل السلوك
أشارت رئيسة الجمعية الكويتية لمتلازمة الداون حصة البالول إلى أن انتشار ظاهرة العنف المنزلي ضد الأشخاص ذوي الإعاقة أصبح بشكل أكبر مقارنة بالعنف المدرسي، عازية سبب ذلك إلى الجهل وعدم وعي بعض أولياء الأمور بالأساليب التربوية السوية في تنشئة أبنائهم من ذوي الإعاقة وتعديل سلوكياتهم غير المناسبة، مشيرة إلى أن المحبة وصفة سحرية لتعديل السلوك.
ولفتت إلى أن اتباع فن المسايسة في التعامل مع الأطفال ذوي الإعاقة، خصوصاً الشديدة منها فضلاً عن الحرمان من الأشياء التي يحبها الطفل دون اللجوء إلى استخدام العنف والتوجيه والإرشاد، يعد من أفضل الأساليب التربوية التي تُسهم في تعديل السلوك غير السوي للطفل المعاق.
وأوضحت أن عدم وجود أندية تستثمر أوقات فراغهم قد يدفع العديد منهم إلى العنف والسلوكيات غير المرغوبة، مشددة على أهمية إشراكهم في الأنشطة الرياضية والحرفية وتنظيم رحلات ترفيهية وتثقيفية لهم، إضافة إلى تخصيص ديوانية في مكان عام تحت إشراف أخصائي اجتماعي وذلك لحمايتهم من التعرض للعنف.
شفيقة العوضي لـ القبس : اللجنة العليا لأصدقاء ذوي الاحتياجات تمنع استغلالهم
كشفت المديرة العامة للهيئة العامة لشؤون ذوي الإعاقة د. شفيقة العوضي، عن أن الهيئة بصدد تفعيل المادة الخاصة بلجنة أصدقاء المعاقين لتحديد الإجراءات الكفيلة بمنع استغلال ذوي الاعاقة أو الإساءة إليهم ورصد انتهاكات حقوقهم وتوثيقها، حيث تم تشكيل اللجنة العليا لوضع الضوابط والآليات وتم التوقيع عليها، على أن تبدأ اجتماعها الأسبوع الجاري.
وأكدت حرص الهيئة على متابعة الشكاوى التي ترد إليها بخصوص ذوي الإعاقة أو إساءة تصرف أولياء الأمور بشأن الامتيازات المالية الممنوحة لأبنائها من هذه الفئة، حيث تقوم بإبلاغ الشؤون القانونية لارسال من يستعلم عن هذا الأمر والتأكد منه وفي ضوئه يتم عمل اللازم.
الياقوت: القانون يجرم العنف
ذكر المحامي د. خالد الياقوت أن العنف ضد المعاق يعتبر جريمة مؤثمة وفقاً لأحكام قانون المعاقين رقم 2010/8، مبيناً أن القانون جرم مجرد الإهمال من المكلف بالرعاية بواجباته تجاه المعاق أو امتناعه عن القيام بالتزاماته وإن لم يحدث أي أضرار وذلك وفقاً للفقرة الأولى من نص المادة 61 التي جاء فيها «مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تتجاوز ألف دينار كويتي أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص مكلف برعاية أحد الأشخاص من ذوي الإعاقة، أيا كان مصدر هذا الالتزام، ويهمل في القيام بواجباته نحوه أو في اتخاذ ما يلزم لتنفيذ هذه الواجبات أو امتنع عن القيام بالتزاماته».
وأضاف: وباعتبار الأب والأم هما من يتوليان الرقابة على المعاق في البيت، والمعلم في المدرسة وفقاً للمادة 238 من القانون المدني، فإنهمم مكلفون برعاية المعاق، سواء في البيت أو المدرسة، ويقع عليهم عبء رعايته، مضيفاً «إن المشرّع زاد من تشديد العقوبة حال ترتبت على إهمال المكلف بالرعاية وعدم قيامه بواجباته وفاة المعاق، إذ نصت الفقرة الثانية من المادة 61 على أن «أمّا إذا نشأ عن ذلك وفاة الشخص ذي الإعاقة فتكون العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تتجاوز خمسة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين».
وبيّن الياقوت أن المشرّع ضاعف العقوبة في حالة العود، وذلك بنص الفقرة الثالثة من المادة 61 التي جاء نصها على أن «وفي حالة العود، خلال ثلاث سنوات من تاريخ الحكم النهائي، تكون العقوبة مضاعفة»، مشدداً على أن هناك واجباً على مجلس الأمة في تعديل القانون لتشديد العقوبات على كل من آذى معاقاً، لا سيما المكلف بالرعاية؛ كونه مؤتمناً على المعاق.
حملات توعوية.. ودورات تدريبية
أوضح الياقوت أن العنف الممنهج ضد المعاقين له العديد من الحلول، منها تنظيم الدولة دورات تدريبية وحملات توعوية لتأهيل أسر المعاقين والمجتمع، وذلك من خلال أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة واستقطاب الكوادر المتخصصة في مجال تنمية المعاقين من الكويتيين وغير الكويتيين، فضلاً عن تأهيل المعلمين حول كيفية التعامل مع الطلاب المعاقين في المدارس.
الضمير الإنساني
قال المحامي خالد الياقوت إن الضمير الإنساني يمثل المرجع في حماية المعاقين من العنف الأسري والمدرسي، فلا يجب أن يستغل المكلف بالرعاية أنه يتعامل مع شخص معاق يشوبه الضعف لعلة أرادها الله فيه ويقسو عليه، فما وجدت الرحمة إلا لتزن الأمور بميزانها الصحيح. وأشار إلى أن العنف الممنهج ضد المعاقين له العديد من الحلول، منها قيام الدولة بدورات تدريبية وحملات توعوية لتأهيل أسر المعاقين والمجتمع.
الشريكة: معاملة ذوي الاحتياجات بالحسنى واجب شرعي
أكد مدير مركز تعزيز الوسطية عضو الهيئة الشرعية في بيت الزكاة عبدالله الشريكة، أن الواجب الشرعي تجاه ذوي الإعاقة يحتم علينا التعامل معهم بلطف ورفق، وأن نراعي مشاعرهم وأحاسيسهم وألا نجرحهم لا بقول ولا بفعل، فلا نجعلهم يشعرون بالضعف أو النقص.
وأضاف لـ القبس: ما بهذه الفئات من إعاقة أمر قدره الله عليهم، وقد يكون ذوو الإعاقة خيرا من غيرهم، لافتاً إلى أن العنف المجتمعي أو المدرسي تجاه ذوي الإعاقة أمر محرم لا يجوز، وفعل منكر عظيم، وهكذا ما يتعلق بعقوق بعض الآباء لأبنائهم من ذوي الإعاقة من خلال التعامل معهم بقسوة أو بمعاملة دونية عن بقية إخوانهم.. هذا أمر منكر عظيم يجب عليهم الإقلاع عنه.
المصدر : مى السكرى \ القبس