على خُطى الموسيقار العالمي الأصم وأبو السيمفونيات «بيتهوفن»، هزم «فريق الصمت» الموسيقي للطالبات الصماوات الإعاقة وكسر حاجز الصمت بسلاح الأمل والتحدي ليعزفن بقلوبهن وعيونهن على وتر الإبداع والموهبة روائع الموسيقى العالمية والألحان الوطنية والشعبية التراثية، بقيادة المايسترو، إيذانا بالبدء في ترجمة إشارة المقطوعات والإيقاعات الفنية بإحساسهن وأناملهن التي تداعب آلات موسيقية صماء، لتنطلق منها أعذب الألحان على أنغام الأمل والتفاؤل.
القبس التقت بمؤسسة الفريق الموسيقي لمتحدي إعاقة الصمم، وهي تعتبر أول مترجمة لغة إشارة للتخصص الموسيقي بفروعه ومصطلحاته وعلاماته الإيقاعية بمدارس التربية الخاصة، رانيا أحمد، وذلك للتعرف عن قرب على الفريق وقدرته على استيعاب المقطوعات والنوتات الموسيقية وآلية تدريبه على العزف على آلتي الأورج والبيانو، رغم تحدي الطالبات لإعاقة الصمم الشديد، مطالبة بتخصيص مقاعد للطالبات في معهد الدراسات الموسيقية لدعم موهبتهن وصقلها.
طالبات ومترجمات
وبينت أن الفريق مكون من أربع طالبات عازفات أورج، وخمس مترجمات لغة إشارة من الصم اللاتي يحاكين إشارة معلمة التربية الموسيقى، ملمحة إلى أن ذكاء الطالبات ومرونة حركة أصابعهن في العزف، فضلا عن قدرتهن على الحفظ من أهم العوامل التي ساعدت على انطلاق الفريق.
وأشارت إلى مشاركة الفريق في العديد من الأنشطة والمناسبات الوطنية والدينية والاجتماعية التي تقام على مستوى مدارس التربية الخاصة، ومستوى الجهات المعنية بالدولة، لافتة إلى أن المقطوعات الموسيقية التي يعزفها الفريق نالت إعجاب واندهاش العديد من الشخصيات الاجتماعية البارزة وأعضاء السلك الدبلوماسي، ولعل أشهرها مقطوعة «الصامتون» التي تعبر عن واقعهم.
وحول آلية التدريب، أوضحت أحمد أنه في البداية يتم اكتشاف المواهب خلال التجمع السنوي الذي تقيمه مدرسة الأمل للتأهيل لتقييم أدائها ودرجة استجابتها ومدى استعدادها للتدريب والعزف على الآلة الموسيقية، مضيفة «ومن ثم يتم البدء في إدخال الإيقاع لدى الطالبات عن طريق الإحساس، وتستغرق هذه العملية ثلاثة أشهر تقريبا، وبعد تعرفهن على الإيقاع وحفظه يتم تحفيظ كل طالبة على حدة «الميلودي».
وأضافت قائلة: يتم عمل لقاء جماعي مكثف لمدة شهر ونصف لضبط الإيقاع والسكتات الموسيقية، ومن ثم يتم البدء في المرحلة الأخيرة، وهي التدريب الجماعي، التي تستغرق نحو ثلاثة أسابيع، ويتم من خلالها تدريب الطالبات على العزف فوق الإيقاع المسجل أو اللايف.
وفيما يخص عملية التواصل لتحفيظ الطالبات الألحان، شرحت بأنها تتم بطرق خاصة من خلال الاستعانة بأدوات معاونة (حسية وضوئية) من ابتكارها، لإيصال اللحن والإيقاع إلى إحساس الطالبات، المبدعات من وجهة نظرها، عن طريق ذبذبات الصوت، معتبرة أن الشرط الأساسي في تحقيق الإبداع هو حب الطالبات لذلك، وتعاونهن وإصرارهن على تحقيقه على الرغم من صعوبته.
واسترسلت بالقول: كما يتم الاستعانة بوسائل إيضاحية للشرح باستخدام أسلاك الكهرباء، والميكسرات والضوء والذبذبات بطريقة معينة، إضافة إلى الإشارات الوصفية لتسهيل معرفة الطالبة للسلم الموسيقي.
وبيَّنت أن لجنة تطوير المناهج لذوي الاحتياجات الخاصة في إدارة التربية الخاصة تعتمد منهجا خاصا لمادة التربية الموسيقية، لافتة إلى أن تدريب الطلاب الصم على العزف على الآلات الموسيقية يحتاج إلى جهد مضاعف.
دمج المواهب
وشددت أحمد على أهمية دمج المواهب الفنية في مدارس التربية الخاصة، فضلا عن دعمهن نفسيا وأكاديميا واجتماعيا، مستشهدة بمقطوعة «أبشري يا كويت» التي أشرفت على تدريب الطالبات عليها، والتي جسدت مفهوم الدمج من خلال عزف طالبات الأمل، وترجمة إشارة المقطوعة المصاحبة لغناء إحدى الطالبات الكفيفات.
«نشعر بالفخر والاعتزاز عندما نعزف ونلمس استحسان وإعجاب الحضور بموهبتنا» هكذا عبرت العازفات الصماوات عن فرحتهن من تفاعل الحضور معهن في جميع المناسبات الوطنية والاجتماعية والدينية التي يشاركن بها.
وبلغة الإشارة، أجمعت المتحدثات على أن الإعاقة السمعية ليست عائقا أمام الموهبة الموسيقية، مشددات على دور المدرسة في اكتشاف مواهبهن الفنية وتعزيزها بالمتابعة والتدريب المكثف.
مكتب ترجمة إشارة
طالبت وزارة التربية بتوفير مكتب ترجمة في الجامعة وكل وزارات الدولة ومرافقها الحيوية؛ بحيث تتم الاستعانة بمعلمي ومعلمات مدارس التربية الخاصة ممن يجيدون استخدام لغة الإشارة، وذلك لتسهيل مهمة الطالب الأصم وتقديم كل الخدمات له، فضلا عن تيسير إنجاز معاملات المراجعين من الصم.
دورات مجانية لأولياء الأمور
كشفت إدارة المدرسة عن نيتها تنظيم دورة تدريبية مجانية خلال العام المقبل، تستهدف أولياء الأمور والراغبين في تعليم لغة الإشارة، على أن يتم منح المتدرّبين الذين اجتازوا هذه الدورة شهادات خبرة.
أول دفعة طالبات صمّاوات (علمي)
أعلنت العبيد عن تخريج أربع طالبات صماوات من القسم العلمي لأول مرة خلال العام الحالي، مشيرة إلى وجود 90 معلمة تعمل في المدرسة، من بينهن 25 رئيسة قسم، إضافة إلى 60 طالبة.
مديرة مدرسة الأمل نعيمة العبيد لـ«القبس»: مناهج التعليم غير ملائمة
ضمن فعاليات أسبوع الصم العربي الــ 42 أقامت إدارة مدرسة الأمل وتأهيل الأمل المشتركة ــــ بنات احتفالية؛ لتكريم كوكبة من فئات الصُّم على مستوى جميع المراحل الدراسية، إضافة إلى تكريم أربع خريجات ممن يواصلن تعليمهن في جامعة الكويت والمعهد التطبيقي، وكذلك العاملات في مدارس التربية الخاصة.
وطالبت مديرة المدرسة نعيمة العبيد وزارة التربية في تصريح لـــ القبس بأن تؤخذ احتياجات الطلبة الصم بعين الاعتبار، مرحّبة بفكرة تطبيق الدمج التعليمي القائم على الاستعداد المسبق وتهيئة البيئة التعليمية المناسبة للطالب الأصم، من خلال تهيئة الكوادر التدريسية والفصول الدراسية والمناهج المواءمة وتوفير مترجمي لغة الإشارة.
وبيّنت العبيد أن مدارس التربية الخاصة تعتمد استخدام لغة الإشارة العربية فقط، وتتم تدريس مادة اللغة الإنكليزية بلغة الإشارة الأميركية، مستعرضة أبرز إنجازات المدرسة على مدار العام الدراسي الحالي؛ منها إنشاء مختبر إشاري يخدم المدرسة، مزود بخبيرات إشارة معتمدات يعملن على مدار اليوم إلى جانب معاونتهن، وذلك لخدمة المنهج وتقديم المساعدة للراغبين في معرفة إشارة جديدة أو التعبير الإشاري.
مختبر إرشادي
وزادت بالقول: من خلال هذا المختبر الإشاري، انبثقت دورات تدريبية تحت شعار «محو أمية لغة الإشارة»، مشيرة إلى أن هذه الدورات تستهدف المعلمات والعاملات ممن لا يجدن لغة الإشارة أو اللاتي إشارتهن ضعيفة، إضافة إلى حراس الأمن ومشرفات التغذية والتمريض، وكذلك مرافقات الطالبات في الباص.
ولفتت إلى أن العام الدراسي الحالي شهد أيضاً تشكيل فريق الإشاري مكوّن من 11 معلمة يجدن لغة الإشارة، ويخضع هذا الفريق إلى تدريب مكثّف؛ لأننا بصدد إعداد مترجم إشارة فوري يجيد ترجمة كل التعبيرات القائمة والمستحدثة في أي محفل أو مناسبة، ليكون بمنزلة قاموس إرشاري متحرك.
وتابعت بالقول: كما تم تجديد خمسة فصول للمرحلة الابتدائية من ناحية الأثاث والصباغة والأدوات التربوية بشكل مشوق، بما يتناسب مع الإعاقة السمعية، مشيرة إلى قرار الإدارة القاضي بتعيين موجه لغة إشارة في المدرسة لتقييم المعلمات والوقوف على تطويرهن وتقديم المساعدة لهن.
وحول التحديات التي تواجه الطلبة الصم، أوضحت العبيد أن المناهج الدراسية هي مناهج تعليم عام بحت، ولا تتناسب وظروف الطالب الأصم الذي يحتاج إلى جهد ووقت مضاعفين لاستيعاب المناهج الخاصة بطلبة التعليم العام، وكذلك يحتاج إلى براهين ودلائل ومصورات ووسائل تربوية مصورة للوصول إلى مرحلة الفهم المطلوبة، ناهيك عن أن الطالب الأصم يتمتع بذاكرة قصيرة.
وأضافت بالقول: المسألة معقدة بالنسبة إلى الطالب الأصم، ووصول الطالبات إلى مرحلة الثانوية العامة بقسميها العلمي والأدبي يعتبر إنجازاً كبيراً، معتبرة أنه من الظلم فرض مناهج التعليم العام على الطلبة الصم، لا سيما أن بعض أولياء الأمور لا يتقنون استخدام لغة الإشارة إلى جانب انعدام وجود معلمين خصوصيين يجيدون استخدام لغة الإشارة للتواصل.
ورأت أن المناهج تحتاج إلى مواءمة، بما يتناسب وإعاقة الصمم، كما أن نمط أسئلة الاختبارات لا تتناسب مع ظروفهم وقدراتهم، مشيرة إلى كثير من الصعوبات التي تواجه الخريجين الصم من حيث عدم توفير التسهيلات وعدم منحهم أولوية القبول في الجامعات والمعاهد التطبيقية، فضلا عن عدم تهيئة البيئة المناسبة لاستقبالهم.
الفقرات الفلكلورية والسامرية بلغة الشفاه
في عالم صامت، تحرّكه إشارات اليد ولغة الشفاه، تحدّت طالبات «الأمل» إعاقتهن السمعية التي حُرمن منها بالتدريب على أداء الفقرات الفلكلورية والسامرية، ليثبتن أن الأذن الموسيقية والموهبة الفنية لا تعيقهما إعاقة.
أكدت رئيسة قسم التربية البدنية للمرحلة الثانوية نورة العتيبي أن الإعاقة لا تعيق الموهبة الفنية وتحقيق الإنجازات، منادية بإشراك ذوات المواهب الفنية والرياضية من الطالبات الصمّاوات في «الأوبريتات» الوطنية التي تقيمها وزارتا التربية والإعلام، وكذلك في البطولات الرياضية الإقليمية والخارجية، وطالبت العتيبي في حديثها لـ القبس بإدخال لغة الإشارة ضمن مناهج التربية، وقبول الطالبات الصمّاوات الراغبات في الالتحاق بتخصص التربية البدنية بكلية التربية الأساسية، مشددة على أهمية الرياضة في تقوية أبدانهن وتعزيز طاقاتهن وصقل إبداعاتهن.
ولفتت إلى معاناتها في البداية من عدم قدرتها على التواصل مع الطالبات الصماوات بلغتهن وتدريبهن على الرقص على الإيقاع، ولكنها استطاعت أن تتحدى كل العراقيل، بعد أن تلقّت تدريبات على أيدى رئيسة القسم المتقاعدة حول آلية التعامل معهن وتدريبهن على الوقوف وتغيير التشكيل عن طريق العد، مشيرة إلى أن ذكاء الطالبات وقدرتهن الاستيعابية ساعداها على تدريبهن بسهولة على أداء الفقرات على الإيقاع، ومن ثم إدخال الموسيقى الشعبية أو السامرية لالتقاط الحركات وتقليدها.
وواصلت بالقول: دخلت عالم الصم كمدربة منذ سبع سنوات، حيث بدأت بتدريب الطالبات على الرقص على الإيقاع بمساعدة زميلتي التي تعمل معي في ذات المدرسة، ومن ثم انطلقنا نحو المشاركة في الفعاليات والمسابقات التي تنظمها إدارة مدارس التعليم الخاص خلال المناسبات والاحتفالات الوطنية، موضحة أنهن يعتمدن على قراءة الشفايف واستخدام لغة الإشارة للبدء في أداء الفقرة الفنية أو تكوين التشكيل المطلوب منهن.
وبيّنت أنها تعلّمت لغة الإشارة من طالباتها ومن الدورات التدريبية التي توفرها المدرسة، لافتة إلى أنها تستعين بخبرة موجّهة لغة الإشارة في المدرسة لمعرفة إشارة المصطلحات والتعبيرات التي تجد صعوبة في ترجمتها. وذكرت أن عملية التدريب في البداية كانت تستغرق أكثر من شهر، ولكن مع مرور الوقت بدأت تقل الفترة؛ بحيث لا تتعدى اليومين.
ريم المبارك: «إشارة الميزان» للتدريب على النغمات
«فتحت بيتي لتدريب طالباتي برفقة أمهاتهن».. هكذا كشفت رئيسة قسم التربية الموسيقية لطالبات المرحلة الثانوية الصمّاوات في مدرسة الأمل والتأهيل ريم المبارك عن سر نجاحها في تدريب طالباتها واكتشاف موهبتهن الموسيقية، لافتة إلى أنها اكتشفت الحس الموسيقى لدى الطالبة الصمّاء سارة الشمري (١٧ عاماً) أثناء إحدى الحصص ــــ وتحديدا منذ بداية العام الدراسي في سبتمبر الماضي، خلال التجمع السنوي الذي تقيمه إدارة المدرسة لاكتشاف المواهب ــــ حيث لمست قدرة الطالبة العالية على الحفظ والاستيعاب، مما ساعدها على إنجاز فترة تدريبها خلال فترة زمنية قصيرة لا تتعدى العام.
ولفتت إلى أنها بدأت بتعليم الطالبة على العزف على البيانو باستخدام اليدين اليمنى واليسرى، وعن طريق العد على الأصابع، ثم البدء في تدريبها على عزف مقطوعة موسيقية من كتاب «تشيرني» لتمرين حركة الأصابع وتقويتها.
وزادت بالقول: كما قمت بتدريب الطالبة على محاكاة حركة أصابعي لحفظ أماكن النغمات على البيانو، مشيرة إلى استعانتها بلغة الإشارة (إشارة الميزان) والعزف عن طريق الزمن أو النقر على كتف الطالبة لغرس الإحساس لديها بالإيقاع والوحدة الزمنية، اضافة إلى استخدام ترقيم الأصابع للعزف بشكل صحيح، فلكل نغمة رقم إصبع معين، وهذا ما أجادته وتميّزت به الطالبة.
وذكرت أن الطالبات الصمّاوات يردّدن النشيط الوطني في طابور الصباح والفعاليات التي تقيمها المدرسة بلغة الإشارة، على أن تقوم المعلمات بترديد النشيد صوتياً.
غصة
انتقد مسؤولون تربويون التجاهل الإعلامي لذوي الإعاقة، مبينين أنه لا يوجد برنامج تلفزيوني مخصّص لتسليط الضوء على مواهب هذه الفئات وإبداعاتهم وتجاربهم الناجحة، مشيرين إلى مشاكلهم. كما طالبوا بإبراز وتفعيل أنشطة نادي الصم للفتيات في كيفان، ونادي الصم للبنين في الصليبخات.
المصدر : مى السكرى \ القبس