بينما شدَّد متخصصون نفسيّون واجتماعيون على أهمية برامج التأهيل والتشغيل في تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي والاستقرار الذاتي للأشخاص ذوي الإعاقة، فضلا عن دمجهم واستقلالهم اقتصادياً وتحويلهم إلى عناصر منتجة وفاعلة في المجتمع الذي يعيشون فيه، بدلا من أن يكونوا مستهلكين لدفع عجلة التنمية والتقدم بالمجتمع، طالب كثير من أولياء الأمور والناشطين العاملين في مجال الإعاقة بضرورة تطوير هذه الورش التعليمية والتأهيلية.
ولفتوا في تصريحات لـــ القبس إلى ضرورة التوسّع في ورش التأهيل الحرفي، بما يتماشى مع ظروف ذوي الإعاقة ومتطلبات سوق العمل المحلية، ملمحين إلى أن مخرجات هذه الورش إما المكوث في منازلهم بعد التخرّج، وإما الاتجاه للعمل في تخصّصات تختلف عن تلك التي تدرّبوا عليها.
أكد نائب مدير عام الهيئة العامة لشؤون ذوي الإعاقة ماجد الصالح حرص الهيئة على تأهيل وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة في الجهات الحكومية والأهلية والقطاع النفطي، لافتا إلى أن إجمالي عدد الورش التعليمية والتأهيلية التابعة لإدارة التأهيل المهني للمعاقين بلغ 32 ورشة، موزعة بين منطقتي السالمية وجنوب الصباحية.
وكشف الصالح في حديثه لـــ «القبس» أنه جار عقد اللجان الفنية بالهيئة، لبحث استحداث بعض الورش التي تتناسب مع احتياجات سوق العمل المحلية، وكذلك إلغاء بعض الورش التقليدية التي لا تفيد ذوي الإعاقة، ولا تتناسب مع التطورات المجتمعية، مثل الخيزران والتجليد ويُستبدل بها ورش تتناسب مع احتياجات العمل المحلي، مع إشراك الجهازين الفني والإداري بدورات تخصصية، تساهم في رفع كفاءة العاملين ومهاراتهم، بما يساهم في استعداداتهم لشغل الوظيفة التي تتناسب وفق قدراتهم وإمكانياتهم.
ولفت إلى أن إجمالي عدد المتدرّبات من ذوات الإعاقة في ورش النساء في السالمية وجنوب الصباحية بلغ 45 متدربة، مشيرا إلى أن الورش النسائية تضمّنت الخياطة والتفصيل، الأشغال اليدوية والفنية، ورش التطريز والنسيج، الورش التأهيلية والسكرتارية والإدارة المكتبية، الاقتصاد المنزلي، وكذلك التجليد الفني، الذي شهد إقبالا كبيرا من المتدربات في الورش التدريبية في السالمية.
ورش التأهيل
وبخصوص المتدربين في ورش الرجال التابعة لإدارة التأهيل المهني، بيّن أن ثمة 46 متدربا في السالمية وجنوب الصباحية، موضحاً أن الورش تشتمل على: الفخاريات، الأعمال الفنية، الطباعة والصباغة، التجليد الفني، إضافة إلى ورش التصميم والفنون الزخرفية، وكذلك ورشة الأشغال اليدوية والفنية، التي نالت نصيب الأسد من حيث إقبال المتدربين عليها.
وحول أهم ما ينقص هذه الورش التعليمية، قال الصالح: نحن نحتاج بشكل مستمر إلى توفير المواد الخام للتدريب والتأهيل، إضافة إلى بعض الكوادر الوطنية الفنية المتخصصة في تدريب ذوي الاحتياجات الخاصة، لافتا إلى أنه يتم توزيع ذوي الإعاقة في الورش التي تتناسب ومؤهلاتهم وإمكاناتهم وميولهم الخاصة وكذلك الحال تنطبق على الإعاقات الأخرى، كالصم والمكفوفين.
وقال الناشط في مجال الإعاقة علي الثويني: إن الورش التعليمية تعتبر إرثا لم يتجدد أو يتحدّث عبر السنوات، إلا القليل، رغم مطالبة أهل الميدان بالتحديث، مقترحا توفير ورش تعليمية مهنية تتواءم وكل حالة من حالات الإعاقة العقلية؛ مثل السباكة وصيانة بعض الأجهزة الكهربائية الخفيفة وصيانة السيارات وتخصص مساعدة أمين المكتبة ومساعد محضّر علوم ومهن تجارية، كالبيع بمقصف المدرسة.
وشدّد على ضرورة اتفاق وزارتي التربية والشؤون الاجتماعية مع ديوان الخدمة المدنية على زيادة التخصصات ووضعها على سلّم الترقي والبدء في توفير الورش المحمية للإعاقات الشديدة، حتى تصل تخصّصات الورش إلى الإعاقات البسيطة، وأن يكون لها حوافز، وأن يتم عمل لها أنشطة تسويقية، مضيفا «ويجب الاهتمام بالخريجين، بحيث تتواءم تخصصاتهم وسوق العمل، وتوفير فرص العمل المناسبة لهم بالتعاون مع الشركات الكبيرة».
ولفت إلى أن مصير مخرجات هذه الورش التعليمية والتأهيلية من ذوي الإعاقة؛ إما المكوث في منازلهم بعد التخرج، وإما الاتجاه للعمل في تخصّصات تختلف عن تلك التي تعلموها، مطالبا وزارتي التربية والشؤون بوضع منهج تدريبي متنوع، يتدرج به المعاق وفق قدراته من الأعمال البسيطة حتى الثانوية المهنية على أقل تقدير، وأن يكون هناك تدرّج تصاعدي في التخصّص وفق مقدرة هذا المعاق من دون أن يقف عند مرحلة التدريب، كما أنه في مراكز الإيواء أو أن يتخرج بمهن أقل من قدراته من دون منحه فرصة احتراف المهن التي تدرّب عليها.
إلهام الفارس: ابنتي هزمت إعاقتها بهواية الطباعة على القماش
«رأيت الفرحة بعيني ابنتي الموظفة»، هكذا تحدّثت إلهام الفارس، وهي ولية أمر لفتاة تعاني إعاقة مزدوجة (ذهنية بسيطة، وصعوبات التعلم)، عن تجربتها مع ابنتها التي تخرجت في مدرسة التأهيل المهني ــــ بنات، تخصص صباغة وطباعة، مشيرة إلى أنه تم تعيينها عن طريق ديوان الخدمة المدنية في المؤسسة الإنتاجية التابعة لمدارس التربية الخاصة.
ولفتت إلى أن المدرسة اكتشفت هواية ابنتها في الطباعة على الأقمشة وقامت بصقل هذه الموهبة بالتدريب المستمر على أيدي كوادر تدريبية وفنية مؤهلة، تجيد التعامل مع ذوي الإعاقة، مشيرة إلى أهمية الورش التعليمية للبنات والبنين في إبراز مواهبهم وتعليمهم مهناً حرفيةً وتشغيلية، بحيث تمكن الاستفادة منها في المشاريع الصغيرة.
وأضافت: تخرّج ابنتي فاطمة في الورش التعليمية ودخولها مجال العمل ساعداها على تعزيز ثقتها بذاتها وإحساسها بأنها عنصر منتج وفاعل في المجتمع، مطالبةً بتوفير كاميرات مراقبة في مدارس التربية الخاصة لتأمين الطلبة ومتابعتهم.
العنجري: كسر حاجز العزلة وتعزيز الثقة بالنفس
اكدت مديرة ومؤسسة نادي السلام التربوي لأنشطة الأطفال المعاقين المستشارة الاجتماعية والأسرية والتربوية إزدهار العنجري على أهمية الورش التعليمية والتأهيلية في تعزيز ثقة الأشخاص ذوي الاعاقة بأنفسهم وبالمحيطين بهم، فضلا عن دمجهم في المجتمع وتوسيع آفاق تفاعلهم مع مختلف الفئات والهيئات، وكسر حاجز العزلة التي يشعر بها المعاق، علاوة على تطوير وتشجيع المواهب والهوايات لديهم وصقل إبداعاتهم وتحقيق التوافق النفسي والاستقلال الذاتي.
وأشادت باهتمام الكويت بتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة من مختلف الاعاقات وتدريبهم، حيث قامت منذ القدم باستقدام معلمين ذوي كفاءة عالية وخبرة في التعامل مع هذه الفئة، من جمهورية مصر العربية والولايات المتحدة وبريطانيا، لتدريب وتأهيل ذوي الإعاقة في مدارس التربية الخاصة، إضافة إلى توظيف الكثير من خريجي تلك المدارس من الطلبة ذوي الإعاقة المختلفة في مطابع وزارتي الشؤون والإعلام وفي بعض من وزارات الدولة، بشعبة الجلود والخيزران والتصوير والطباعة والتغليف والخياطة والأزياء للفتيات، مضيفة «ولكن للأسف إلى الآن لا يوجد في القطاع الخاص موظفون من ذوي الإعاقة، وإن وجد فهم قلة قليلة جداً، ولذلك نطالب بإيجاد وظائف في القطاع الخاص لهذه الفئة.
طامي المقاطع: المهارات الفنية لبعض الخريجين دون مستوى الطموح
شدّد المدير السابق في إدارة مدارس التربية الخاصة طامي المقاطع، على ضرورة خلق بيئة مدرسية تأهيلية مناسبة لطلبة ذوي الإعاقة العقلية أثناء الدراسة وما بعدها، وذلك لتحقيق الاستقرار النفسي للطالب، لافتا إلى أن تأثّر الطالب نفسيا يؤثر وينعكس سلبا على الأسرة، ومن ثَمَّ المجتمع ويُعيق تحقيق التنمية المنشودة فيه.
ولفت إلى أن بعض تخصّصات الورش التعليمية في إدارة التربية الخاصة تناسب المستوى العقلي للطلبة، ولكنها لا ترقى إلى مستوى طموح سوق العمل المحلي، وتكمن المشكلة في صعوبة رفع مستوى مناهج هذه التخصصات لتتوافق مع طلب سوق العمل، نظرا إلى محدودية مستوى ذكاء الطالب من ذوي الإعاقة العقلية، حيث إنها بمستوى ذكاء أقل من 70، أي دون الخط الحدي للذكاء العام، وفقا لشروط القبول المقررة بمدارس التربية الخاصة.
وزاد بالقول: إن المهارات والقدرات الفنية لبعض خريجي الورش التعليمية والتأهيلية لا ترقى إلى طموح أرباب العمل، لذلك لا توجد جهة، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص تستقبلهم، للعمل وفقا لهذه المهارات، لأن سوق العمل يحتاج إلى إمكانيات فنية عالية المستوى، لافتا إلى أن هذه الورش لا تؤدي الغرض المهني الفعلي لما وضعت له حين يتخرج الطلبة، حيث يتم توزيع أغلبهم على مدارس التربية الخاصة على أنهم موظفون، ولديهم شهادات في تخصّصات معيّنة، ولكنهم في الحقيقة لا يمارسونها أو يعملون بما تعلموه، فهم غير قادرين على العطاء بشكل فعّال من دون مرافق أو مشرف متابع لهم (بالإشارة إلى الإعاقات الذهنية) بخلاف ممن هم لديهم بطء تعلم، أو من المتسربين من التعليم، فلديهم قدرات استيعابية أفضل للعمل، وهؤلاء ليسوا من ذوي الإعاقة، رغم أنهم ينتسبون إلى نفس المدارس، وذلك بسبب عدم التزام الإدارة بشروط القبول بمستوى الذكاء.
المصدر : مى السكرى \ القبس