في البداية يجب أن نشير إلى أن ثمّة تلاميذ مصنِّفين ضمن فئة Underachievers (ذوي التحصيل الدراسي الضعيف) يواجهون مشكلة انخفاض مستوى التحصيل المدرسي. ويرجع ذلك بحسب افتراضهم أن التلاميذ لم يبذلوا الجهد الكافي للاستيعاب، أو أن معلميهم لم يؤدوا عملهم كما ينبغي (وزارة التربية والتعليم، المجموعة الاستشارية التخصصية لصعوبات التعلم، (2003.
وتكمن الخطورة في ذلك أن مشكلتهم خفية فكونهم بالعادة غير معاقين، فغالباً يمتلكون قدرات تخفي جوانب الضعف بأدائهم، ولا يلاحظ عليهم من قبل الأهل أو المعلم مظاهر شاذة تستوجب تقديم معالجة خاصة، بحيث لا يجد المعلمون ما يقدمونه لهم إلا نعتهم بالكسل واللامبالاة أو الإعاقة العقلية، وتكون النتيجة لمثل هؤلاء التسرب الدراسي والهروب من المدرسة (بطرس، 2009).
وبمرور الوقت، وازدياد أعداد هؤلاء التلاميذ المخفقين دراسياً على الرغم من احتمالات نجاحهم دراسياً، بدا واضحاً أن المشكلة تكمن في موقع آخر. وهكذا، بدأ المختصون في المجالات ذات العلاقة كالتربية والطب وعلم النفس بعد سنوات من البحث والدراسة في التعرف على أن مشاكل هؤلاء التلاميذ تكمن في معالجة المعلومات والتعامل معها من خلال الطرق الحسية كالسمع أو البصر أو التناغم والانسجام في وظائف وحركة اليدين والعينين visual-motor-modality.
وسرعان ما تبيَّن جلياً أن العديد من هؤلاء التلاميذ المصنفين ضمن فئة ذوي التحصيل الدراسي الضعيف، لديهم إعاقات في الإدراك perceptual handicaps ترتبط بخلل وظيفي في الجهاز العصبي المركزي a central nervous system dysfunction. وقد أطلق على هؤلاء التلاميذ الذين لديهم هذه المشكلة مصطلح صعوبات التعلم learning disabilities) LD) في عام 1963من قبل صاموئيل كيرك في أحد الاجتماعات (وزارة التربية والتعليم، المجموعة الاستشارية التخصصية لصعوبات التعلم، (2003.
بعد ذلك حاول العلماء والمربّون وضع تعريف صريح وشامل لوصف أولئك الأطفال الذين يبدون مستوى ذكاء عادي ويعانون في الوقت نفسه من مشاكل تعلمية (هلاهان، كوفمان، بولين، 2012)، فتوالت العديد من التعريفات التي تم صياغتها للطلبة ذوي صعوبات التعلم. وبالرغم من اختلاف تعريف صعوبات التعلم بين الولايات الأمريكية، إلا أن التعريف الفدرالي لصعوبات التعلم الوارد في قانون تربية جميع الأطفال ذوي الإعاقة عام 1975، والذي تضمنه كذلك قانون التربية للأفراد ذوي الإعاقة المطور عام 2004 the Individuals with Disabilities Education Improvement Act (IDEA، 2004)، الأكثر استخداماً، فهذا القانون يعرف مصطلح صعوبات التعلم حسبما أشار مركز الأبحاث الوطني لصعوبات التعلم 2007) (National Research Center on Learning Disabilities – NRCLD على النحو التالي:
- اضطراب عام في واحدة أو أكثر من العمليات النفسية الأساسية، والتي تشتمل استخدام أو فهم اللغة؛ المنطوقة أو المكتوبة، والتي قد تظهر في عدم قدرة الفرد التامة على أن يستمع أو يفكر أو يتحدث أو يقرأ أو يكتب أو يجري عمليات حسابية.
- يشتمل المصطلح: حالات مثل صعوبات الإدراك، والإصابة المخية البسيطة، وانخفاض الأداء الوظيفي، وعسر القراءة، والحبسة الكلامية.
- لا يشتمل المصطلح: مشكلات التعلم التي تعود أساسًا إلى إعاقات بصرية أو سمعية أو حركية أو فكرية أو اقتصادية أو انفعالية أو إلى ظروف بيئية أو ثقافية غير ملائمة (البتال، 2014).
جنباً إلى التعريف السابق هذا التعريف المقترح بواسطة المعهد الوطني للصحة (National Institute of Health-NIH) مفاده بأن صعوبة التعلم هي اضطراب يؤثر على القدرة على فهم أو استخدام اللغة كتابة ومحادثة، وكذلك إنجاز العمليات الحسابية، والتآزر الحركي أو الانتباه المباشر، وبالرغم من أن صعوبة التعلم تحدث عند الأطفال ولكنها لا تظهر حتى يصل إلى سن المدرسة (ديان، سميث، بريانت، 2011).
ويعد التعريف الرسمي الذي أصدرته اللجنة الوطنية المشتركة لصعوبات التعلم (1981) من أهم التعريفات ومفاده بأن صعوبات التعلم هي مصطلح عام يشير إلى مجموعة غير متجانسة من الاضطرابات تبدأ من خلال صعوبات هامة في اكتساب القدرة على استخدام الاستماع أو الكلام أو القراءة أو الكتابة أو الاستدلال أو العمليات الرياضية، وتقدير هذه الاضطرابات داخلية بالنسبة للفرد، ويفترض أنها تعود لخلل وظيفي في الجهاز العصبي المركزي. وعلى الرغم من أن صعوبات التعلم قد تحدث على نحو مصاحب مع حالات أخرى. (مثل التأخر الدراسي والإعاقة العقلية والاضطراب الاجتماعي والانفعالي) أو مع تأثيرات بيئية (مثل الفروق الثقافية أو التعليم غير المناسب أو عوامل ذاتية المنشأ… وهكذا) إلا أن هذه الصعوبات ليست نتيجة مباشرة لهذه الحالات أو التأثيرات 1981:336 Hamill and others المشار إليه في العدل 2015أ.
وقد أشار كيرك وجالفر وانستازيو Kirk، Gallagher، & Anastasiow (2000) إلى أهمية التمييز بين صعـوبات التعلم ومشكلات التعلم Learning problems، حيث من المهم بأن نأخذ بالاعتبار أن جميع التلاميذ الذين لديهم صعوبات في التعلم لديهم مشكلات تعلم، ولكن ليس جميع التلاميذ الذين لديهم مشكلات تعلم لديهم صعوبات تعلم (البتال،2001 ).
يؤكد هونج ولوياد وكيلر (2007) Hung, Lloyad & Keller أن جوهر صعوبات التعلم يلاحظ في جميع التعريفات مهما كانت الاختلافات بينها، وهو أن هناك بعضاً من التلاميذ يجدون صعوبة في اكتساب الكفاية الأكاديمية مع عدم وجود إعاقات أخرى لديهم كالإعاقات الحسية والتخلف العقلي والاضطرابات العاطفية / السلوكية (أبونيان، 2015 ).
وذكر العدل (2015 ب) بأنه يمكن القول إن أغلب تعريفات صعوبات التعلم أجمعت على عدة نقاط من أهمها:
- يفترض أن المشكلة تتعلق بأساس بيولوجي أي بالجهاز العصبي وهذا ما أجمعت عليه أغلب التعاريف، وقد أكد ذلك الدكتور منصور صياح، فأشار إلى أن كل تعريفات صعوبات التعلم تعود إلى الاضطراب في الجهاز العصبي، الأمر الذي يترتب عليه الاضطراب في العمليات النمائية، ولكن ليس بالضرورة أن يكون الاضطراب في كل العمليات النمائية، بل في واحدة أو اثنتين أو أكثر (صياح، منصور، اتصال شخصي، فبراير 12، (2016.
- مستوى نمائي غير متساوي أي أن الفرد يعاني من مشكلة عدم تطور القدرات الذهنية بنفس المعدل الطبيعي، الأمر الذي يؤدي إلى مجموعة غير متجانسة من الاضطرابات.
- أن تكون المشكلة ذاتية المنشأ أي متعلقة بالفرد، وليس لعوامل أخرى على سبيل المثال البيئة أو طرق التعليم.
- استبعاد الإعاقات الأخرى كسبب لصعوبات التعلم، مثل الإعاقة العقلية والإعاقة الحسية (البصر والسمع).
- صعوبات واضحة في القدرة على التعامل مع المهمات التعليمية المدرسية، مثل القدرات اللغوية أو القدرة على القراءة والكتابة، أو الحساب.
- وجود فجوة كبيرة بين التحصيل المدرسي والقدرات العقلية الكامنة.
ويعتبر التلميذ لديه صعوبات تعلم إذا:
- كان لديه تبايناً شديداً بين قدراته العقلية (الذكاء) وتحصيله الأكاديمي في واحدة أو أكثر من المجالات الأكاديمية السبعة التاليــة:
أ – التعبير الشفهـي Oral Expression.
ب – التعبير الكتـابي Written Expression.
ج – فهم المسموع Listening Comprehension.
د – مهارات القراءة الأساسية Basic Reading Skills.
هـ – فهم المقروء Reading Comprehension.
و – العمليات الحسابية Mathematics Calculation.
ز – الاستدلال الرياضي Mathematics Reasoning.
- لم ينجز الإنجاز المناسب لمستوى عمره الزمني أو صفه الدراسي في واحدة أو أكثر من المجالات الأكاديمية السبعة السابق ذكرها، عندما يدرس بطريقة ملائمة (البتال، (2001.
أسباب صعوبات التعلم:
أورد بطرس (2009) بأن الأسباب المؤدية لصعوبات التعلم لايزال يشوبها الغموض، وذلك لحداثة هذا الموضوع، وللتداخل بينه وبين بعض الإعاقات الأخرى، ولكن أجمعت أغلب الدراسات على ارتباط صعوبات التعلم بإصابة المخ البسيطة أو الخلل الوظيفي المخي البسيط. وذكر هلاهان وكوفمان وبولين (Hallahan، Kauffman & Bulin، 2012)، بأن السبب المحتمل لهذا الخلل الوظيفي العصبي يمكن أن يقع ضمن ثلاث مجموعات:
العوامل الجينية Genetic Factors
فقد أشارت العديد من الدراسات على إمكانية موروثيّة صعوبات التعلم. فقد وُجد أن ما نسبته من 35% ـ 45% من أقارب الدرجة الأولى ممن لديهم صعوبات القراءة لديهم صعوبات بالقراءة.
التسمم Toxins
ويحدث عن طريق استخدام وسائط يمكن أن تسبب التشوهات أو الإعاقات في مراحل تطّور الأجنة، وقد أفادت السلطات الصحية بأن أولئك الذين يقومون باستخدام مستويات غير مرتفعة من المؤثرات العقلية (كالكحول والمخدرات) قد لا تسبب الإعاقة العقلية للأجنة، ولكن من الممكن أن تسبب صعوبات التعلم.
العوامل الطبية Medical Factors
فمن الممكن بأن تسبب العديد من الأمراض أو الظروف الصحية غير الطبيعية التي تصيب الأطفال وأمهاتهم أثناء فترة الحمل أو الولادة صعوبات تعلم أو إعاقة عقلية وذلك اعتماداً على درجة شدتها.
تصنيف صعوبات التعلم:
وقد أفاد كيرك وكالفت Kirk & Chalfant، 1984)) بأن صعوبات التعلم تصنف لفئتين، هما:
صعوبات التعلم النمائية:
وهي ما تسمى بالعمليات النفسية الأساسية، وتنقسم إلى قسمين:
صعوبات أولية: مثل الانتباه، والذاكرة، والإدراك.
صعوبات ثانوية: مثل التفكير، واللغة الشفهية.
صعوبات التعلم الأكاديمية:
وهي المشكلات التي تظهر على شكل صعوبات بالقراءة والكتابة والتهجئة والتعبير الكتابي والحساب. ويضيف ميرسر (Mercer 1997) أن صعوبات التعلم الأكاديمية تظهر بوضوح في المرحلة الابتدائية، وتعد هذه الصعوبات أكثر ما يميز الطلاب ذوي صعوبات التعلم (السبيت، 2015).
وقد أشار كوافخة (2005) بأن العلاقة بين صعوبات التعلم النمائية وصعوبات التعلم الأكاديمية هي علاقة سبب ونتيجة، حيث تُشكِّل الأسس النمائية للتعلم المحددات الرئيسة للتعلم الأكاديمي. ويشار إلى أن هناك علاقة ارتباطية توافقية بين صعوبات التعلم النمائية وصعوبات التعلم الأكاديمية. كذلك فقد وجد أن 95% من المعلمين يؤمنون بأن صعوبات التعلم النمائية يجب أخذها في الاعتبار مع الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم الأكاديمية (قاسم، (2015 وصعوبات التعلم النمائية والأكاديمية هما متربطتان مع بعضهما البعض، وقد صنفت للإيضاح فقط.
المراجع
- أبو نيان، إبراهيم. ((2015. صعوبات التعلم: طرق التدريس والاستراتيجيات المعرفية. الرياض: الناشر الدولي.
- البتال، زيد. (2001). استخدام التباين بين القدرات العقلية والتحصيل الأكاديمي في التعرف على صعوبات التعلم لدى الأطفال. جامعة الكويت / المجلة التربوية، 15((58.
- البتال، زيد. 2014)). أثر استخدام استراتيجية الكلمة المفتاحية في تدريس الكلمات الإنجليزية للتلاميذ ذوي صعوبات التعلم في المرحلة المتوسطة بمدينة الرياض. جامعة الإمارات العربية المتحدة/ المجلة الدولية للأبحاث التربوية، 18 (35)، 94-129.
- بطرس، بطرس. ((2009. تدريس الأطفال ذوي صعوبات التعلم. عمان: دار المسيرة.
- ديان، يريانت وديبورا، سميث وبريان، بريانت. (2012). تعليم الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة في صفوف الدمج. (ترجمة: محمد حسن اسماعيل) عمان: دار الفكر. (الكتاب الأصلي منشور 2011).
- السبيت، ريم. (2015). الفروق في مهارات الرسم الاملائي بين ذوي صعوبات الكتابة والعاديين في الصف الرابع الابتدائي في مملكة البحرين. (رسالة ماجستير غير منشورة). جامعة الخليج العربي، البحرين.
- العدل، عادل. (2015أ). صعوبات التعلم. الزقازيق: دار الصابوني.
- العدل، عادل. (2015ب). قضايا معاصرة في علم النفس وصعوبات التعلم. الزقازيق: دار الكتاب الحديث.
- قاسم، منال. (2015). فاعلية استراتيجية التصور الذهني في تنمية الفهم القرائي لذوات
- صعوبات التعلم من تلميذات الصف الخامس الابتدائي. (رسالة ماجستير غير منشورة). جامعة الخليج العربي، البحرين.
- كيرك، صموئيل وكالفنت، جيمس. (1988). صعوبات التعلم الأكاديمية والنمائية. (ترجمة: زيدان السرطاوي وعبد العزيز السرطاوي). الرياض: مكتبة الصفحات الذهبية. (الكتاب الأصلي منشور 1984).
- هلاهان، دانيال وجيمس، كوفمان وبيجي، بولين. (2013). الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة: مقدمة في التربية الخاصة. (ترجمة: فتحي جروان وموسى العمايرة وغالب الحياري وحاتم الخمرة وقيس مقداد وعمر فواز ومحمد الجابري) عمان: دار الفكر. (الكتاب الأصلي منشور 2012).
- وزارة التربية والتعليم، المجموعة الاستشارية لصعوبات التعلم، (2003). صعوبات التعلم: دليل المدرسة. الرياض: مطابع الحميضي.