تعرفت عليه عن طريق أحد الأصدقاء، رجل هادئ الطباع، وناجح جداً في عمله، ولكن السمة الأساسية التي تلفت نظرك إليه فوراً هو هذا الحزن الغريب، الذي يكسو ملامحه، إنه نوع من البشر يشعرك للوهلة الأولى بأن هناك شيئاً يعكر عليه صفو حياته، وعندما اقتربت منه أكثر عرفت سبب أحزانه، وأنه يعيش مأساة على حد زعمه، لأن لديه ابناً معاقاً، وعلى قدر إعجابي وتقديري له، كان انزعاجي منه، فالأبن أو الأخ أو الأب المعاق ليس مأساة، ولا هو حالة تستوجب الشفقة والرثاء كما يفعل البعض، فالشعوب المتحضرة تتعامل مع المعاق كمواطن عادي له من الحقوق وعليه من الواجبات ما على الآخرين، وأن الإعاقة الحقيقة هي إعاقة العقل كمحرك رئيسي لها، وكثيرا ما يتعرض أشخاص طبيعيون لحوادث يخرجون منها بإعاقات مختلفة، ومع ذلك يواصلون الحياة، ويستمرون في أعمالهم، ويحققون النجاح فيها، وأن المعاق الحقيقي هذا التفكير القاصر الذي يتعامل به مع المعاق، فالمعاق مثل الشخص العادي في حاجة إلى سيكولوجيا التعامل، يعزز ثقته بنفسه في الاندماج مع الآخرين، وهو دور الأسرة الرئيسي، خاصة إذا كان المعاق من مرحلة الطفولة، ولكن للأسف بعض الآباء يخجلون من إعاقة أبنائهم، أو يحيطون الابن المعاق بشفقة ورعاية مبالغ فيهما، فيشعر المعاق بأنه عبء على من حوله، وأن الاختفاء من المجتمع والجلوس داخل غرفة مغلقة، مما يشعره، هو أفضل الحلول لتفادي شفقة الآخرين، وتجنب أي موقف محرج.
إن مساعدة الأسرة للطفل المعاق، وتمكنه من اكتشاف نفسه وقدراته ومواهبة، ومنحه حرية الاختلاط في المجتمع من دون حرج، كل ذلك يساعد في اكتساب الثقة والسير بالاتجاه الصحيح، ولكن التهويل المبالغ فيه في النظرة إلى المعاق يدفعه إلى الإحساس بالغربة تدريجيا، والاستسلام للعُزلة، وبهذا يفقد المجتمع كفاءات كثيرة من الممكن أن يكون لها أثر طيّب في حياتنا، متمنياً على كل ولي أمر لطفل معاق أن يدرك ذلك، ولا يساهم في إيجاد فجوة بين طفله والمجتمع، بل يساعده ويفتح له آفاقاً جديدة، كالتعليم والمعرفة والثقافة والشعر والأدب، كل هذا لا يفرق بين شخص معاق وآخر سليم، ولكن الأساس هنا هو العقل ومدى ثقة الإنسان بنفسه. فلا تغلقوا الأبواب بوجه أبنائكم، فمن هؤلاء المعاقين خرج أبو العلاء المعري نابغة الشعر، وطه حسين عملاق الأدب، وبيتهوفن الموسيقار العالمي، وغيرهم الكثيرون، ممن أثروا حياتنا بأعمال كبيرة. فالمعاق لديه قدرة على التحدي والإبداع، يجب أن ننميها بدلا من الاستسلام لنظرتنا القاصرة وتفكيرنا المعاق.
«والله المُوفَق والمُستعان».