«في بيتنا مراهق».. مشهد واقعي يتكرر في جميع المنازل، ويختلف التعامل معه من أسرة إلى آخرى، ومن فرد إلى آخر.
إنها فترة المراهقة والبلوغ التي تعتبر مرحلة حرجة لأي فرد كي يستطيع تخطيها بدون تأثيرات سلبية، وتزداد خطورتها عند الأشخاص ذوي الإعاقة وبالتحديد الإعاقات الذهنية.
ينتاب العديد من أولياء أمور ذوي الإعاقة، لا سيما الشديدة منها، هاجسا وخوفا من كيفية التعامل مع أبنائهم وبناتهم خلال تلك الفترة الفاصلة التي يتهيأ فيها الإنسان للانتقال من عالم الطفولة نحو الشباب والنضج وتكوين الشخصية واكتشاف الذات، الأمر الذي يدفع بعض أولياء الأمور إلى التفكير في استئصال أرحام بناتهم، خوفا عليهن من التحرش أو الاعتداء الجنسي أو للتخلص من الدورة الشهرية.
«القبس» سلطت الضوء على واقع الثقافة الجنسية لدى ذوي الإعاقة والتقت بعدد من أولياء الأمور والمراهقات للتعرف على كيفية التعامل مع هذه المرحلة الحرجة، حيث طالب أولياء الأمور بتوفير عيادة متخصصة في الاستشارات النفسية ومشاكل المراهقة والبلوغ عند ذوي الإعاقة لمساعدتهم على التعامل مع أبنائهم في هذه المرحلة الحرجة، مشددين على أهمية دور الاختصاصي النفسي والاجتماعي في دعم أسر المراهقين من هذه الفئة، فضلا عن التربية الدينية للوقاية من الانحراف الاجتماعي والسلوكي.
وكشفت رئيسة مركز الأمراض الوراثية في مستشفى الولادة د. ليلى بستكي لـ «القبس» أن خوف الأهل على بناتهم ذوات الإعاقة يدفع البعض منهم إلى استئصال أرحامهن، كاشفة عن إجراء هذا النوع من العمليات لبعض الحالات في الكويت بناء على موافقة أسرهن.
تأييد ومعارضة
ورغم إقرار مسؤولين في القطاع الطبي وأساتذة جراحة بانتشار العمليات الجراحية لاستئصال أرحام الفتيات المعاقات ذهنياً، وتبرير الأسر التي تقدم على ذلك بحماية بناتهم من الحمل في مرحلة حرجة، فضلاً عن التخلص من الدورة الشهرية، عارض البعض هذه العمليات لأنها برأيهم تغيير لطبيعة الجسم، وتعريض للفتاة للخطر والمضاعفات الصحية.
وأقر عدد من الأكاديميين والمتخصصين في التربية الخاصة على أن واقع الثقافة الجنسية في التعامل مع أبناء ذوي الإعاقة في المجتمع الخليجي يعد منطقة محظورة، لافتين إلى أن النمو الجنسي المناسب يعتبر جزءا من الاستقرار الأسري لذوي الإعاقة.
وبينوا أن عدد المعاقين في العالم العربي يبلغ حوالي 40 مليون معاق، وأكثر من نصفهم من الأطفال والمراهقين، وبحلول عام 2020 سينتقلون لمرحلة الشباب، ما يتطلب تكاتف جهود المختصين والأسر نحو تكوين توجه محدد لدعم هذه الفئات في مختلف المجالات المتصلة بالمرحلة العمرية.
أمومتي منعتني
«فكرت في استئصال رحم ابنتي، ولكن أمومتي منعتني»، هكذا كان حال حصة البالول، وهي ولية أمر لفتاة من متلازمة الداون وتبلغ من العمر ٢٤ عاما، عندما أنجبت ابنتها سارة حيث سيطرت عليها هواجس القلق والخوف من كيفية مواجهة هذه المرحلة والتعامل معها، ولكنها تراجعت عن هذا القرار فور علمها بمخاطر هذه العملية ومضاعفاتها السلبية على صحة ابنتها في المستقبل من آلام الركب وتغير الهرمونات وغيرها.
وزادت بالقول: ابنتي ذات السنوات التسع بلغت مبكرا، وتعرضت للسمنة وتأثرت نفسيا وأصابها الهذيان والخوف، ما اضطرني أن أعالجها في الطب النفسي، وحاولت أن التحق بدورات تدريبية وتبحرت في هذا الجانب حتى نجحت في التغلب على هذه المرحلة، وأضافت: «علَّمت ابنتي طريقة النظافة الشخصية والاهتمام بفترة الحيض من ناحية الممارسات السليمة واستخدام الفوط الصحية وكيفية الاغتسال، فضلا عن عدم الإفصاح عن موعد نزول الطمث أمام أي شخص كونه من المحظورات».
ولَم تكتف البالول بدورها كأم، بل حاولت أن تحمي ابنتها من خلال احتضانها ومصاحبتها حتى كونت شخصيتها وغرست لديها الاستقلالية.
فعل مجرّم قانونياً
قال المستشار القانوني إبراهيم مبارك الدوسري إن عمليات استئصال أرحام ذوات الإعاقة منتشرة في الأردن ومصر بعض الدول العربية، ولكنها نادرة في دول الخليج، وذلك لأسباب اجتماعية بحتة تقوم بها الأسر في المجتمعات التقليدية تتعلق بجرائم الشرف، لذلك يلجأون إلى هذه الوسيلة لحماية الفتيات.
وأضاف: هذه العمليات حسمت في الكويت من الناحية الشرعية بإصدار فتوى من هيئة كبار الفتوى بتحريمها، فمن الأولى على الأسر حمايتهن بدلا من اللجوء إلى الاستئصال.
وفي ما يتعلق بتعقيم الذكور ذوي الإعاقة، قال الدوسري هناك ما يسمى بالعقم اللاإرادي وهو ينقسم إلى نوعين: العقم الدائم نتيجة عيب خلقي وهي حالات نادرة، والعقم النسبي الذي يحدث بعد الزواج وهو قابل للعلاج ومنه البسيط وصعب.
بدروهم، أكد قانونيون أن مثل هذه العمليات مجرمة قانونياً ما لم تكن لها ضرورة طبية.
استشارية نساء وولادة: أجريت 3 عمليات استئصال بناء على طلب الأهل
قالت استشارية أمراض نساء وولادة وعقم د. ناهدة العلي، إن إجراء عمليات استئصال أرحام ذوات الإعاقة في الكويت للإعاقات الذهنية الشديدة والحالات السريرية والشلل الدماغي بناء على موافقة ولي الأمر وتقرير الطبيب المعالج، كاشفة أنها عاصرت خمس حالات عندما كانت تعمل في مستشفى الولادة، أجرت منها ثلاث عمليات استئصال آخرها منذ عامين.
ولفتت إلى أن هذه العمليات تجرى لذوات الاعاقة ممن فوق ٢٠ عاما بسبب خوف الأهل عليهن أو عدم المحافظة على النظافة الشخصية، مبينة أنه يتم استئصال الرحم مع الحفاظ على المبيضين لإفراز الهرمونات. وأضافت «لا أشجع أولياء الأمور على إجراء هده العمليات إلا للحالات المستعصية».
هيئة الفتوى: لا جدوى من استئصال الرحم
أكد عضو هيئة الفتوى في وزارة الأوقاف د. أحمد الحجي الكردي أنه لا فائدة من استئصال رحم المعاقة ذهنياً، طالما أن ذلك لن يحميها من التعرض للاغتصاب والوقوع في الزنى، ولن يمنع الاعتداء الجنسي عليها، لافتاً إلى أنه «من الأولى الاهتمام بهؤلاء المعاقات ورعايتهن ومراقبتهن بدلاً من التفكير في استئصال أرحامهن».
وبين أن «ممارسة ذوي الإعاقة والمعاقات ذهنياً للعلاقات الجنسية غير الشرعية تعتمد على وعيهن العقلي، فإذا كانوا مدركين ما يفعلون فهم يأثمون شرعاً. أما إذا كانوا غير مدركين وغير واعين لذلك، فلا إثم عليهم».
في بيتنا مراهق.. كيف نعبر به إلى بر الأمان؟
كان لا بد من استطلاع آراء تجارب الأمهات في التعامل مع مرحلة المراهقة لدى الذكور من ذوي الإعاقة، اللائي أجمعن على أن الأسرة تعاني كثيراً للعبور بالأبناء إلى بر الأمان في هذه السن الحرجة.
وشددت صديقة الأنصاري، وهي ولية أمر لابن من متلازمة الداون ويبلغ من العمر ١١عاماً، على أن المراهق بحاجة إلى التربية الدينية، لأنها صمّام الأمان من الانزلاق في متاهات الرذيلة والانحراف، محذرة من مخاطر اعتماد بعض أولياء الأمور على العمالة المنزلية (الخادمة أو السائق) في مساعدة ابنائهم من ذوي الإعاقة في قضاء احتياجاتهم.
ولفتت إلى أنها تستعد لهذه المرحلة من خلال متابعتها المستمرة للتصرفات السلوكية التي يقوم بها ابنها (علي) وبالقراءة ومعرفة المتغيرات المنتطرة، مشيرة إلى أنها لجأت إلى استشارة أحد أطباء الجلدية والتناسلية الذي نصحها بالتزام الهدوء فور مشاهدة ابنها وهو يقوم بسلوك غير لائق، مثل «تحسس الأعضاء»، وذلك بتعديل الوضع دون تنبيهه أو استخدام التعسف أو الضرب، كونها مرحلة اكتشاف الذات.
«فتحت قلبي لكسب صداقة ابني المراهق»، لم تجد هدى الخالدي، وهي ولية أمر لشاب من ذوي الاعاقة الذهنية ويبلغ من العمر ٢٠ عاماً، سوى الحوار واستشارة ذوي الخبرة في هذا المجال، سواء أولياء أمور أو المقربون، ومتابعة سلوك ابنها بشكل دوري حتى تتعايش مع هذه المرحلة، مبينة أن سن البلوغ والتغيرات الجسمانية بدأت عند ابنها وهو في الخامسة عشرة من عمره، حيث لاحظت أنه ينزوي ويختلي بذاته ويفضل الوحدة، إضافة إلى مشاهدته للأفلام ذات المشاهد الرومانسية.
بحكمتها ومهارتها في التواصل والتعامل مع مرحلة التحول الجديدة، نجحت قسيمة الموسوي في أن تأخذ بيد ابنها حسن، البالغ من العمر ١٩عاما وهو يعاني من اعاقة مزدوجة (شلل دماغي وإعاقة ذهنية)، إلى بر الأمان، وتنقله من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضوج تدريجياً حتى تمكنت من السيطرة على هذه المرحلة الصعبة وتجاوز مخاطرها.
لم تنس الموسوي الدورات التدريبية ومحاضرات التعليم الارشادي التي التحقت بها في المدارس حول فن التعامل مع المراهقة والبلوغ عند ذوي الاعاقة، في التغلب على خجلها من مصارحة ابنها والتجرؤ في الحديث معه لفهم طبيعة هذه المرحلة واحتياجاتها.
فتيات في دائرة المعاناة: نحلم بفارس الأحلام.. ولكن!
لخصت فتيات من ذوات الإعاقة الذهنية معاناتهن مع مرحلة البلوغ، مؤكدات أنهن يحلمن كغيرهن من الفتيات الصحيحات بفارس الأحلام وتحقيق الرغبة في الإنجاب وتكوين أسرة، لكن النظرة الخاطئة من قبل المجتمع تحول دون تحقيق هذا الحلم.
«أمي ساعدتني على تجاوز مرحلة المراهقة والتعايش معها»، هكذا لخصت «س. ح» وهي تعاني من شلل دماغي (اعاقة شديدة) أهم مرحلة في حياتها ودور والدتها في تخطي فترتي البلوغ والمراهقة بأمان، كاشفة عن مشاعر الخوف والقلق التي انتابتها منذ بداية نزول الطمث «وهي احدى علامات البلوغ عند الفتيات» وكيفية التعايش والتعامل مع هذه التغيرات الجديدة التي طرأت عليها.
وشددت على أهمية دعم الأسرة نفسيا واجتماعيا لابنائهم خلال مرحلة المراهقة وإرشادهم ومصاحبتهم فضلا عن مساعدتهم على التغلب على التغيرات الفسيولوجية والنفسية التي يمرون بها خلال هذه الفترة الانتقالية الحرجة.
ومثل أي فتاة تحلم بفارس الأحلام وإنجاب الأطفال، عبرت «س.ح» والبالغة من العمر ٣٥ عاما عن رغبتها في الارتباط بشريك الحياة، الذي تتمنى أن تعيش معه، ولكن أسرتها سبب معاناتها حسب تعبيرها، حيث ترفض فكرة زواجها نظرا لإعاقتها إلى جانب تخوفهم من فكرة الارتباط وإنجاب الأبناء.
دور الاختصاصي الاجتماعي
لفتت العوضي إلى أن هناك حالات تحتاج إلى اختصاصي اجتماعي في مرحلة المراهقة، مشيرة إلى وجود حالة في الجمعية الكويتية لمتلازمة الداون أصيبت بسمات التوحد مع التغيرات الفيسيولوجية في الجسم المصاحبة لهذه المرحلة، الأمر الذي دفعنا للتواصل مع الأم لمتابعة ابنها مع اختصاصي اجتماعي.
فحوصات لرفع الحرج
كشفت صديقة الأنصاري، وهي ولية أمر لابن من متلازمة الداون، أن الجمعية الكويتية لمتلازمة الداون طالبت مركز الأمراض الوراثية ومركز الفحص قبل الزواج بإجراء الفحوصات المطلوبة للفتيات والشباب لرفع الحرج عن الأسر والإعاقات الذهنية المؤهلة والقادرة على الزواج، مشددة على أهمية تبادل الخبرات بين الأمهات الصغيرات والكبيرات لتعديل سلوك الأبناء.
المصدر : مى السكرى \ القبس