إن كان للأم المبصرة فضلاً، فللأم الكفيفة أفضال، وإن كانت الأم المبصرة تضع وليدها في عينيها، فالكفيفة تضعه في قلبها. تسهر أعين الأمهات المبصرات على رعاية أبنائهن، بينما الأمهات الكفيفات يسهرن بقلوبهن وأفئدتهن وبصائرهن، يراقبن فلذات أكبادهن بعين الإحساس وبنور الأمومة التي امتحنها الله تعالى بفقدان البصر.
لو خيرت الأم الكفيفة أن تختار ما تفعله في دقيقة، لاختارت أن تكحل عينيها بملامح فلذة كبدها الذي حملته في أحشائها تسعة أشهر وهى تعلم أنها لن تراه، ولكنها اكتفت ورضت بأنه سيراها.
كم مرة تألمت تلك الأم الكفيفة وهي تتلمس بأناملها ملامح طفلها وتمررها على وجهه لتكون في ذهنها صورة عن شكله؟ وكم مرة تألمت وهي تشعر بأنها تريد أن تدخل معه في نوبة ركض يتسابق فيها كل منهما لإسعاد الآخر؟
«القبس» التقت بعض الأمهات الكفيفات اللواتي حققن الأمومة ببصيراتهن، ووهبن حياتهن في تنشئة ورعاية أبنائهن لبناء جيل واع، ويتواصلن مع أبنائهن عن طريق نبرات الصوت ولمسات الأيدي، واستعرضن الصعوبات التي واجهتهن في رحلة تربية الأبناء بعد أن رفضن الاستسلام أمام الإعاقة البصرية، كما أكدن أن الأم الكفيفة قادرة على الزواج والإنجاب والتنشئة الصالحة، مستشهدات بتجارب أمهات كفيفات خرّجن أجيالاً صالحة وطموحة وبارة بوالديها.
وفيما أقررن بصعوبة تربية الأبناء وما تحويه من تفاصيل صعبة، فإنهن أكدن أنها ليست بالمستحيل، خصوصاً مع يد العون والمساعدة الممتدة من الزوج والأهل والأقارب.
تنحني الرقاب احتراماً لتلك الأم الكفيفة التي تنحني كل صباح لتتلمس أغراض أطفالها وهم في طريقهم إلى المدرسة، فتأتي باللبس من هنا، وتعد الطعام هناك، وهي بين هذا وذاك تخطو خطوات حذرة ملؤها الحب والعطاء، ولسان حالها يقول «لن أجعل أبنائي يشعرون بإعاقة لا ذنب لهم فيها، أو أنهم أقل من أبناء المبصرات».
منى العازمي: والدتي مدرسة في الحياة
«أمي علمتنا الأمور الحياتية بالفطرة والسجية»، هكذا استذكرت منى العازمي فضل والدتها المبصرة عليها وعلى شقيقها الكفيف، مثمنة اهتمامها بهما ودورها في غرس ثقافة الاعتماد على الذات، مؤكدة أن أمها مدرسة في الحياة.
وتقول العازمي: أمي ليست متعلمة ولكنها علمتنا كل شيء بفطرتها التي هي أفضل من أي أم متعلمة، ولم تُشعرنا يوما بإعاقتنا بل تعايشت معها وساعدتنا على الاندماج في المجتمع منذ نعومة أظفارنا، حيث كانت تكلفنا بأوامر ونقوم بتنفيذها، إضافة إلى اختلاطنا بأطفال الجيران».
فاطمة الهزيم: أذني ترى أحوال أبنائي
لم تستسلم فاطمة الهزيم، وهي أم لطفلين مبصرين (بنت عمرها عامان ونصف العام، وولد خمسة أعوام)، لظروف إعاقتها البصرية التي أصيبت بها أثناء الدراسة الجامعية نتيجة لمضاعفات ضمور العصب البصري في الشبكية، بل ثابرت واجتهدت، حتى استطاعت أن تشق طريقها متخطية العوائق والصعوبات، وأثبتت أن الإعاقة طاقة، وليست عائقا أمام تحقيق حلم الأمومة وتربية الأبناء. وزادت بالقول: أتلمّس معاناة ومرض أبنائي عن طريق الصوت، وأتعرف على أدويتهم عن طريق حاسة اللمس بمساعدة الصيدلي الذي يصف لي حجم زجاجة الدواء للتعرّف على عليها.
تكريم المربيات
انطلاقا من دورها الإنساني والاجتماعي، كرمت جمعية المكفوفين الكويتية مجموعة من الأمهات والمربيات الكفيفات، تقديرا لجهودهن ودورهن في تربية أبنائهن وتعليمهم. وحضر حفل التكريم الشيخة شيخة العبدالله، والشيخة الزين الصباح، والشيخة أوراد الصباح، ونائب مدير هيئة الإعاقة ماجد الصالح، إضافة إلى عدد من أعضاء الجمعية وأسر المكرمات.
سعاد الشمري: تقاعدت لرعاية أبنائي الأربعة
لم تقف إعاقتها البصرية حائلاً أمام حياتها الزوجية، بل وازنت بين عملها وأمورها الحياتية وإدارة منزلها حتى نجحت وأحسنت في تربية أبنائها واحتضانهم ومتابعتهم، فضلاً عن القيام بكل مسؤوليتها، سعاد عبدالله الشمري (كفيفة جزئي) هي أم لأربعة أبناء (بنتان وولدان) في مراحل عمرية مختلفة ومتزوجة من مبصر.
وعن تجربتها مع الأمومة، قالت الشمري «تقاعدت من عملي في وزارة الشؤون، حيث كنت أعمل مأمورة بدالة في سبيل رعاية أبنائي وتربيتهم»، لافتة إلى أنها تغلبت على الصعوبات التي واجهتها في بداية حياتها الزوجية وتربية الأبناء بمساعدة والدتها وزوجها». وأشارت إلى معاناة الأم الكفيفة أكثر من نظيرتها المبصرة في تربية أبنائها وتعليمهم.
إيمان حسن: أبنائي السبعة يحترمون إعاقتي
تجربتها المبهرة كانت محط دهشة الكثير لقدرتها على التحمل والعطاء، وبأمومتها الفطرية قدمت نموذجاً مثالياً للتحدي والصبر، حتى أوقدت الشموع في دروب أبنائها، إيمان حسن تعاني من إعاقة بصرية جزئية، وهي أم لسبعة أبناء مبصرين (ثلاثة أبناء وأربع بنات)، ولديها حفيدة من ابنتها الكبرى البالغة من العمر 33 عاماً وتعمل محاسبة. «قمت بأسرتي وقدرني ربي على تربية أبنائي»، هكذا استذكرت حسن شريط ذكرياتها مع تجربة الأمومة، لافتة إلى الصعوبات التي واجهتها في البداية، سواء في الطبخ أو رعاية أبنائها، ولكن بفضل صبرها ومساعدة والدتها لها في فترة النفاس (ما بعد الولادة) استطاعت أن تتخطى كل العقبات.
عذاري السعيد: تعلمت من أمي الاستقلالية
«لولا تشجيعك ووقوفك بجانبي، لما وصلت إلى ما أنا عليه الآن»، بهذه الكلمات هنأت عذاري السعيد، وهي من ذوي الاعاقة البصرية ومتزوجة من كفيف، والدتها المبصرة بمناسبة عيد الأم، مشيدة بدورها ودعمها الدائم لها دون كلل أو ملل.
وقالت السعيد: رغم أن الله لم يرزقني بالأبناء، فإنني أشجع كل أم كفيفة على أن تعيش حياتها الأسرية كأي أم مبصرة، وألا تجعل مكانا للمستحيل، مؤكدة أن الإعاقة ليست عائقا أمام الأمومة. وتابعت بالقول: أعيش أنا وزوجي في منزل والدته، ولكننا مستقلين في حياتنا، حيث نعتمد على ذاتنا في كل الأمور الحياتية، سواء في تنظيف المنزل أو تنسيق ألوان الملابس واختيارها، حيث لدينا جهاز لكشف الألوان الذي يسهل علينا تنسيق ألوان الملابس.
المصدر : مى السكرى \ جريدة القبس