قدرات وطاقات رياضية معطلة.. وحرمان قسري من الأولمبياد الخاص.. وأولياء أمور في دوامة المعاناة.. ولا توجد أندية شاملة ومتخصّصة.. والجهات المختصة «عمك أصمخ».. هذا هو واقع رياضة الإعاقة الذهنية في البلاد.
بالأمس القريب كانت الكويت صاحبة أهم مبادرة، وأبرز حدث تاريخي، وهي «رحلة الأمل الإنسانية لدعم الإعاقات الذهنية، والتي حظيت بمباركة القيادة السياسية، وقام بها أبناء من ذوي الاعاقة الذهنية وأسرهم وعبروا أخطر البحار والموانئ لتوصيل رسالة عالمية لدعم ودمج هذه الفئة ورعايتها.
واليوم، نرى تراجعاً نظرا إلى غياب التحرّك الجاد الذي يعيد رياضة الإعاقة الذهنية إلى الصف، ما جعل الدول الخليجية المجاورة جاءت في السبق لتأكل النبق ولعل خير مثال على ذلك استضافة الإمارات العربية للبطولتين الإقليمية والعالمية للأولمبياد الخاص في أبو ظبي عامي 2018 و2019، ولا عزاء للكويت في هاتين البطولتين!
ومهما برز الرياضيون من ذوي الإعاقة الذهنية وحصدوا مراكز متقدمة في البطولات الإقليمية والعالمية، تبقى العوائق الاجتماعية والتجاهل الحكومي لمتطلباتهم التحدي الأكبر الذي يواجههم.
القبس سلّطت الضوء على واقع رياضة الإعاقة الذهنية، واستطلعت آراء أولياء الأمور حول هذا الموضوع، حيث انتهزوا الفرصة لسرد معاناتهم مع أبنائهم من هذه الفئة ممن بلغوا سن 21 عاماً، حيث يعيشون أوقات فراغهم هباء من دون استفادة نتيجة عدم وجود أندية شاملة أو متخصصة لهم مزودة بكوادر مؤهلة، الأمر الذي أدى إلى انتشار أمراض السمنة والخمول بينهم، لافتين إلى تحرّكهم الجاد لتأسيس نادٍ للإعاقات الذهنية منذ عام 2003.
وانتقد عدد من ممثلي الجمعيات العاملة في مجال الإعاقة واقع رياضة الإعاقة الذهنية في الكويت، معتبرين أنها لا تقدم أدنى المتطلبات، مقارنة بالحالات الأخرى، مثل الإعاقتين الجسدية والحسية، مثل: الصم والبكم والمكفوفين، مطالبين بوجود خطة واضحة ودراسات جادة لتطوير رياضة الإعاقة الذهنية بالقدر الذي تستحقه.
علاج وتأهيل
وشدّد الاختصاصيون التربويون والنفسيون على أهمية الرياضة بالنسبة إلى الإعاقة الذهنية، لكونها تسهم في علاجهم وتأهيلهم ودمجهم نفسيا واجتماعيا وتعديل سلوكهم وتنمية مهاراتهم، فضلا عن أنها تمثل هدفا لهم يستطيعون من خلاله تحدي المصاعب وتحقيق الإنجازات.
دمج وتشجيع
وأكد نائب المدير العام للهيئة العامة للخدمات التعليمية في هيئة شؤون الإعاقة ماجد الصالح حرص الهيئة على تشجيع الرياضيين من ذوي الاعاقة بمختلف فئاتهم ودمجهم في المجتمع، كاشفا عن أنه جارٍ التنسيق مع الهيئة العامة للرياضة والشباب حول تشكيل لجنة مشتركة، بهدف حماية الحقوق الرياضية لذوي الإعاقة، لا سيما الإعاقات الذهنية وتفعيل القانون.
وأشار الصالح لـــ القبس إلى أن اختصاصات اللجنة المشتركة تتمثل في اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان إقامة أندية ومراكز للأنشطة الرياضية والثقافية والترفيهية المتخصصة، وفقا للمواصفات العالمية الخاصة بذوي الإعاقة في مختلف المحافظات، وذلك بهدف دمجهم في المجتمع، كما تختص اللجنة في تشجيع الرياضيين من ذوي الإعاقة على ممارسة الأنشطة الرياضية ومساواتهم مع الآخرين في المكافآت التشجيعية والتفرّغ الرياضي وقانون الاحتراف وسائر الامتيازات التي تمنح الرياضيين، فضلا عن إتاحة الفرصة لهم لتنمية واستخدام قدراتهم الإبداعية، إضافة إلى ضمان دخول الأشخاص ذوي الإعاقة إلى الأماكن الرياضية وإتاحة الفرصة لهم، للمشاركة على قدم المساواة مع الأطفال الآخرين في أنشطة اللعب والترفيه والتسلية والرياضة بما في ذلك الأنشطة التي تُمارس في إطار النظام المدرسي.
الإعاقات الذهنية
وكشف عن أن إجمالي عدد الإعاقة الذهنية لجميع المحافظات حتى تاريخ 28 فبراير عام 2017 بمختلف درجاتها البسيطة والمتوسطة والشديدة بلغ 12721، وحصدت محافظة الأحمدي نصيب الأسد من حيث عدد الإعاقات الذهنية، بواقع 2866، تليها محافظة الجهراء بــ 2768، في حين جاءت محافظة الفروانية في المرتبة الثالثة بـــ 2287، مقابل 1852 معاقاً ذهنياً في محافظة العاصمة و1850 في محافظة حولي، بينما تذيلت محافظة مبارك الكبير القائمة بـــ 1098.
جاسم الرشيد: إنشاء نادٍ متخصص لذوي الإعاقة الذهنية
اعتبر ولي الأمر (إعاقة ذهنية) جاسم الرشيد أن الرياضة مهمة جسديا ونفسيا واجتماعيا، وهي علاج أكثر من كونها ترفيها، لافتا إلى انه توجد في الكويت أعداد بالآلاف من حالات الاعاقة الذهنية، والتي تعاني وأسرهم من المفاهيم الخاطئة التي تنعكس سلبا عليهم.
وأشار إلى أهمية إنشاء نادٍ متخصص لذوي الاعاقة الذهنية، مبينا أنه مطلب انساني ودستوري، لافتا الى أن الوضع الرياضي الحالي لهذه الفئة لا يقدم أدنى المتطلبات بالمقارنة مع الحالات الأخرى كالإعاقات الجسدية والصم والبكم والمكفوفين.
وذكر أن الدول المتقدمة وجدت حلولا جيدة بشأن الاهتمام بالجانب الرياضي، فأصبح هناك تنظيمات عالمية وعربية كثيرة لهذه الفئة بخلاف الأمر في الكويت، حيث لا توجد خطة واحدة ولا دراسات جادة حول تطوير رياضة الاعاقات الذهنية بالحق الذي تستحقه أعدادهم الكبيرة كمواطنين يحتاجون للرياضة مثل ما توفره الدولة لنظرائهم الأصحاء وأقرانهم من الاعاقات الحركية والحسية (الصم والبكم والمكفوفين).
وتحدث عن المنعطف الخطير الذي يعترض حياة عدد كبير من ذوي الاعاقة الذهنية بعد بلوغهم سن ٢١، حيث لا توجد جهة تستقبلهم مما يضعهم في مواجهة فراغ كامل طوال الْيَوْمَ، ويؤدي إلى تراجع قدراتهم الذهنية والبدنية والاجتماعية، اضافة إلى معاناة أسرهم، الأمر الذي يستدعي ضرورة توفير ناد لهم لتفريغ طاقاتهم وممارسة حقوقهم الرياضية في كل الألعاب الرياضية.
رحاب بورسلي: تطالب بأندية رياضية لذوي الإعاقة الذهنية
شددت رئيسة مجلس إدارة جمعية أولياء أمور المعاقين رحاب بورسلي على ضرورة تفعيل رياضة الإعاقة الذهنية والبدء في تأسيس نادٍ خاص لهم، مبينة أن هناك حالات يستحيل دمجها لظروف إعاقتها الخاصة وحالات آخرى يجب أن تدمج وتفتح لهم الأندية الشاملة.
وتحدثت عن معاناة أولياء الأمور من حرمان أبنائهم من هذا الحق المشروع والذي يعتبر أمانة ومسؤولية مجتمعية،مضيفة «نحن لا نريد الشراكة المجتمعية الشكلية الروتينية،ولكن المطلوب تبني مشروع توعوي خدمي لذوي الإعاقة».
ولفتت إلى أن الجمعية شكلت بالتعاون مع الهيئة العامة للشباب والرياضة لجنة تطوير رياضة المعاقين، حيث عملت لمدة ستة أشهر ، ووجدنا أن جميع أفراد الإعاقات بمن فيهم الصم والمكفوفون والحركية يلعبون وليس لديهم مشكلة باستثناء الإعاقة الذهنية والصم، لافتة إلى أن الأخيرة عادت إلى الصف مجددا وتم رفع الإيقاف الرياضي عنها.
مشكلة وتعقيد
وزادت بالقول: أما أفراد الإعاقات الذهنية فلم يلعبوا نظرا لوجود مشكلة بين النادي الذي كان يستقبلهم والأولمبياد الخاص ( الجهة المعنية برياضة الإعاقة الذهنية)، حيث إن الأخير يرفض تكرار وجوه اللاعبين في الدورات المختلفة لأنه يحتاج إلى التجدد وهو لا يتفق مع النظام الأساسي للنادي، مضيفة «للأسف لم يحرك أحد ساكنا لإعادة رياضة الإعاقة الذهنية إلى الصف بالرغم من وجود رحلة الأمل وهي رحلة إنسانية من بلد وقائد الإنسانية».
وأضافت: هناك مفارقة عجيبة، كل الدول تلعب ماعدا الكويت التي شكرت كل الدول، مشيرة إلى استضافة الإمارات العربية للبطولة الإقليمية للأولمبياد الخاص في أبو ظبي عام 2018 وكذلك البطولة العالمية للاولمبياد الخاص عام 2019، متسائلة هل يعقل أن لا تشارك الكويت في هاتين البطولتين ؟!
وأشارت إلى أن هناك تحركا جادا من قبل أولياء الأمور لتأسيس نادٍ للإعاقات الذهنية منذ عام 2003 وتم الحصول على موافقة مجلس الوزراء والقيادة السياسة العليا، ولكن الجهة التنفيذية بالدولة لم نر منها شيئا وخرجنا فقط بوعود ولا قرار حاسم لحل هذا الأمر ، مضيفة «حقوق أبنائنا لابد أن تحترم، رغم الإمكانيات المحدودة وعدم الدعم الحكومي لجمعيات النفع العام المعنية بحقوق ذوي الإعاقة، إلا أن هذه الجمعيات تسعى قدر الإمكان لمشاركة أبنائنا في الأنشطة الرياضية».
مريم عرب: التدخل المبكر بالنسبة لذوي الإعاقة يقي من السمنة
أكدت الأكاديمية في مجال علوم الرياضة والإعاقة في كلية التربية الأساسية د. مريم عرب، أهمية التدخل المبكر في الرياضة بالنسبة إلى ذوي الاعاقة، لا سيما الذهنية، كنوع من العلاج، حيث انه يسهم في تخفيف الأعراض الجانبية البدنية والعقلية والسلوكية وتقليل الأمراض والوقاية من السمنة، فضلاً عن تطوير القدرات وتقوية العضلات والعظام وكذلك تعزيز مادة الدوبامين.
ولفتت إلى الدراسة التي أجرتها حول رياضة ذوي الاعاقة والتي أظهرت أن مستوى النشاط البدني لدى ذوي الاعاقة بمختلف فئاتهم أقل من الأسوياء كما أن المرأة المعاقة أقل حظا ونشاطا من قرينها الرجل في ممارسة الرياضة.
النادي الرياضي: نستقبل كل الإعاقات
رد أمين سر النادي الكويتي الرياضي للمعاقين منصور السرهيد على الاتهامات الموجهة ضد النادي بشأن رفضه استقبال الاعاقات الذهنية والاكتفاء بعدد قليل من البسيطة منها، بقوله: النادي يستقبل جميع الإعاقات بما فيها الذهنية بمختلف فئاتها ودرجاتها، حيث بلغ عدد المنتسبين من هذه الفئة إلى النادي نحو 70 لاعبا ممن يشاركون في البطولات المحلية والخارجية ويحصدون الميداليات، اضافة إلى استقبال المئات منهم من مختلف الجهات، مدللا على ذلك بالبطولات الخمس التي ينظمها النادي سنويا للإعاقة الذهنية في مختلف الألعاب.
وكشف عن وجود تنسيق وشراكة قوية بين النادي ومدارس التربية الخاصة لاستقبال الاعاقات الذهنية خلال الفترة الصباحية والمسائية، فضلا عن توفير الكوادر التدريبية النفسية والاجتماعية المتخصصة.
جمعية الداون: أحواض السباحة تفتقر إلى شروط السلامة
ذكرت رئيسة الجمعية الكويتية لمتلازمة الداون ولية أمر لإعاقة ذهنية (داون) حصة البالول أن الرياضة حاجة ملحة للإعاقة الذهنية عامة، ولأبناء متلازمة الداون خاصة، مثل: السباحة، كرة القدم، كرة السلة، الألعاب السويدية لتخسيس الوزن؛ لما لها من دور فى تنمية وبناء الأجسام وارتباطها بتنظيم الغذاء.
وقالت لـــ القبس: إن فئة متلازمة الداون تعاني السمنة والإصابة بالغدة، خاصة بعد البلوغ ما يضطر الأهالي إلى البحث عن البرامج الرياضية لتوازن أجسامهم، ولكن للأسف لا توجد أندية رياضية وخاصة السباحة تستقبلهم، بحجة أن هذه الفئة تحتاج إلى مدربين متخصصين للتعامل معهم.
وأردفت بالقول: قامت الجمعية بخدمة هذه الفئة بتوفير نشاط رياضي ضمن أنشطتها الرياضية، كألعاب القوى، كرة القدم، كرة السلة، والألعاب السويدية، لافتة إلى المشاكل التي واجهت هذه الشريحة في ما يتعلق بالسباحة، حيث إن تصاميم الأحواض لم تخدم هذه الفئة ولم تتوافر فيها شروط الأمن السلامة.
وزادت بالقول: ضاعت مطالبنا هباء ولم يتدخل أحد لحماية حقوق هذه الفئات، واستولى عليها من لا يستحقها، وحين حصلنا على تبرع آخر لبناء أحواض سباحة داخل الجمعية وخاطبنا وزارتي الشؤون والتربية وأملاك الدولة، ولكن لم نصل إلى نتائج حتى هذه الساعة لتوفير أحواض السباحة، بل هناك من يحارب إتمام هذا العامل لأهداف خاصة، وطالب كثير من أولياء الأمور بأن يكون لأبنائهم نصيب في المشاركة بالأندية الخاصة بالأسوياء.
المصدر ك مى السكرى \ القبس