قهر الظلام بعزيمته وإرادته الصلبة ليقود عالم المبصرين إلى دروب الأمل والتفاؤل ويغرس في قلوبهم حب العلم والعمل، وليثبت أن التميز ليس مقصوراً على الأسوياء بل أن من المكفوفين من برعوا وتميزوا حتى بلغوا أعلى المناصب القيادية، نموذج ناجح جسده الموجه الفني بدر العدواني، وهو من ذوي الإعاقة البصرية، انضم إلى قائمة أوائل الموجهين الفنيين في الكويت، حيث عمل موجها فنيا لمادة الاجتماعيات لمدة خمس سنوات وختم حياته التوجيهية مشرفا على ٤٥ معلماً ومعلمة من المبصرين والمكفوفين في مراحل دراسية مختلفة (ابتدائي- متوسط – ثانوي).
نشأ بدر العدواني في أسرة ذات ظروف معيشية صعبة، وتأثر بالحياة العسكرية بحكم عمل والده مديرا في إدارة الشؤون القانونية بوزارة الداخلية، الذي تقاعد برتبة مقدم في السلك العسكري، وتعلم منها الضبط والانضباط وتحمل المسؤولية والاعتماد على الذات، وواصل دراسة نصف المرحلة الثانوية في الرياض، وعاش في سكن بعيدا عن العائلة وتعرض لمخاطر عدة، ما منحه تجربة ثرية جدا في التغلب على كل الصعوبات في الدراسة الجامعية والحياة العملية. وتحدث العدواني في حديث لـ القبس عن عمله في الإشراف والتوجيه الفني، لافتا إلى أنه الموجه الرابع من فئة المكفوفين في الكويت، حيث تم تعيينه في البداية معلما، وبعد عشر سنوات من التعيين تمت ترقيته رئيسا لقسم الاجتماعيات في مدرسة النور – بنين، وبعد أربع سنوات من رئاسة القسم تمت ترقيته إلى موجه فني، مضيفا «وكانت التجربة ثرية جدا، لأن ادارة التربية الخاصة لا يوجد فيها توجيه ولا تعتبر بمنزلة منطقة تعليمية، والمدارس التابعة لها تخضع للإشراف الفني من قبل الإدارة العامة للتعليم الخاص».
وزاد بالقول «ولذلك عندنا تعينت موجها خرجت عن إطار إدارة التربية الخاصة، وزاملت موجهين مبصرين كانوا في قمة الأخلاق والرقي في التعامل معي ،ولم أشعر يوما ما بالغربة أو بالاختلاف، بل لمست منهم كل الدعم والتشجيع».
ورش عمل
واستذكر العدواني اللفتة الطيبة التي بادر بها موجهه الأول أ. علي ملك عندما غامر ومنحه الفرصة لعرض موضوع تاريخي في إحدى ورش العمل، ليكون بذلك أول كفيف في الكويت يعرض موضوعا على برنامج العروض التقديمية «الباور بوينت» في وزارة التربية، حيث لاقى استحسانا كبيرا من قبل المشتركين معه بالورشة ممن هم أقدم منه، مضيفا «وواصلت العمل في الإشراف والتوجيه حتى استلمت أربع مدارس في التربية الخاصة، منها مدرستان للإعاقات الذهنية (التربية الفكرية والتأهيل)
وتحدث عن التحديات قائلاً: قمت بالتوجيه على كوادر تدريسية مبصرة، ورغم الترحيب الذي لمسته في بداية تجربتي، فإنني واجهت بعض الانتقادات في مواقع التواصل الاجتماعي كوني كفيفا وأشرف على مبصرين، ولكن تجاوزت كل هذه التحديات ولم أعرها أي اهتمام، مضيفا «وبفضل التعاون الأخوي من قبل زملاء العمل،نجحت في التكيف مع العمل والإعاقة معا، ولن أنسى دعمهم المستمر لي ووقوفهم بجانبي».
وحول كيفية إشرافه وتقييمه لأداء المعلمين المبصرين، أوضح العدواني أنه كان يستعين بزملائه عند كتابة الخطة الأسبوعية بالقلم، كما أنه يحرص على إعداد الاختبارات باستخدام الحاسب الآلي بحكم ظروف عمله في البداية كمدرب حاسب آلي، حيث أجبر على تعلمه وتدريب الآخرين عليه، ما سهل عليه مهامه، إضافة إلى اصطحاب أجندة برايل الخاصة به لتدوين النقاط الهامة والملاحظات في الاجتماعات الفنية، مردفا بالقول «هذا بالإضافة إلى الاعتماد على التركيز الذهني وشرح المعلم أثناء عرض الصور في مدارس المبصرين، حيث يعتمدون على استخدام الصور كوسيلة إيضاح، إضافة إلى مرافقة رئيس القسم له في الزيارات الفنية في مدارس الإعاقة الذهنية».
مهمة إشرافية
واستذكر أول مهمة إشرافية له كانت في بداية العام الدراسي ٢٠١٠ – ٢٠١١، مشيدا بالتعامل الراقي والترحيب الجيد الذي لمسه من قبل مديري مدارس الإعاقة الذهنية (التربية الفكرية والتأهيل) ورؤساء أقسامها ومعلميها.
واستطرد بالقول: وتقاعدت العام الماضي بموجب التعديلات في قانون المعاقين، وكان العام الأخير قبل التقاعد بمنزلة عام التحدي بالنسبة لي، حيث تراكمت فيه الاختبارات، وكنت مسؤولا عن إعداد عشرات الاختبارات لذوي الإعاقة البصرية للصف الخامس والمرحلة المتوسطة، وتمكنت من تجاوزها بروح طيبة وبالهمة والعزم.
وحول المشاكل التعليمية التي تواجه الطلبة المكفوفين، ذكر أن هناك عدة ملاحظات، منها أن مدارس التربية الخاصة بما فيها مدارس الإعاقة الذهنية تدار من قبل كوادر غير مختصة في مجال التعامل مع الإعاقة، كما أنه بحكم قلة عدد الطلبة نجد أن الحصص الدراسية الموكلة للمعلمين والمعلمات قليلة، ولذلك يتجه البعض للبحث عن الواسطة والعلاقات الشخصية بهدف الانتقال إلى مدارس النور للعمل فيها، ما شكل إشكالية شديدة في الأوساط التربوية.
وأردف بالقول: بعض المديرين للأسف اعتمدوا مبدأ الشللية في علاقاتهم الخاصة مع بعض المعلمين، ما أوصل المدرسة إلى حالة تحتاج فيها إلى غربلة كاملة، مشيرا إلى أن مكتبات برايل تعتبر فقيرة على مستوى الوطن العربي ودخول البرامج الناطقة على الحواسيب والهواتف الذكية سهل على المكفوفين عملية التواصل خارج إطار المدارس.
لا للبيروقراطية
وأشار إلى البيروقراطية وتأخر طباعة الكتب الدراسية في مطبعة النور التابعة إلى إدارة التربية الخاصة بسبب عدم توفر الأوراق أحيانا أو لعدم صيانة طباعة برايل، ملمحا إلى التراجع في مستوى تحصيل الطلاب والطالبات المكفوفين رغم وجود مواهب ممتازة، حيث أحيانا ما تكون الدرجات التي تمنح للطالب غير حقيقية.
إعادة صياغة البرامج التعليمية للإعاقات الذهنية
شدد العدواني على ضرورة إعادة صياغة البرنامج التعليمي لطلبة الإعاقة الذهنية، لافتاً إلى أنها تحتاج برامج لا مناهج، ومهاراتٍ لا مقررات في ظل وجود فريق مختص في مجال الإعاقة الذهنية.
وأشار العدواني إلى أن بعض مناهج المرحلتين الابتدائية والمتوسطة لطلاب الإعاقات البصرية، تحتاج مواءمة بحيث يجري شرح المعلومة المصورة بطريقة سهلة الطالب.
وطالب بإتاحة الفرصة للمكفوفين بدراسة المواد العلمية والالتحاق بالكليات العلمية التي يرغبون فيها وعدم تقييدهم بدراسة المواد الأدبية فقط، مشيراً إلى أن هذا يتحقق من خلال توفير بيئة تحتية مناسبة.
غصة
حقوق المرأة المعاقة منقوصة إلى متى؟.. هذا السؤال، وغيره من الاستفسارات الموجعة، وجهته نساء من ذوي الاحتياجات الخاصة إلى الجهات المختصة عبر تغريدات في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، وحان الوقت أن تتحرك الجهات المختصة للقضاء على كل أشكال التمييز وإنصاف المعاقات اللائي يتحملن الكثير في مواجهة أعباء الحياة ومتطلباتها.
المصدر : مى السكرى \ القبس