لم يطرق اليأس بابه يوما بعد الحادث الذي تعرّض له وأدى إلى إصابته بالإعاقة الحركية الدائمة، بل أصر على دخول عالم الإبداع والابتكار بكرسيه المتحرّك؛ ليضرب أروع الأمثلة في الصبر والإرادة والمثابرة في تحدي الاعاقة، وليثبت أن المبدعين لا يقفون عند معضلة الاعاقة.
المخترع عبدالقادر أبل نجح في لفت أنظار الأوساط الاجتماعية والعلمية باختراعه الذي يخدم ذوي الاعاقة في المقام الأول وكبار السن والأطفال، ليواصل بذلك مسيرة العطاء الخيري التي بدأها عندما كان متطوعا في الأمم المتحدة قبل إعاقته، إنه نموذج ناجح لصاحب اختراع الملعقة المتعددة الأغراض والحاصل على الميدالية الفضية خلال مشاركته في معرض الاختراعات التاسع الذي أقيم في الكويت مؤخرا.
«الاعاقة هي أكبر مكافأة لي ونقطة انطلاقي، ولولاها لما أصبحت مخترعاً».. بهذه الكلمات استهل المخترع عبدالقادر أبل حديثه عن تجربته الحديثة مع الاعاقة، والتي اعتبرها قصة نجاح وهبة من الخالق منحته الحياة الكريمة وقربته من أسرته وأبنائه، مشيرا إلى أنه تعرض لها إثر حادث مروري أليم، حيث كان يستقل دراجته النارية متجها إلى مقر عمله في الأمم المتحدة، والتي يعمل بها متطوعا، ما أدى إلى الإصابة في الحبل الشوكي، وعلى اثره اصبح يعاني شللاً نصفياً.
إرادة قوية
«لو خيّروني بين الاعاقة والعافية والعودة إلى حياتي الطبيعة، لتمسّكت بها».. هكذا أعرب أبل عن اعتزازه الشديد باعاقته، معترفا بفضلها عليه، مشيرا إلى التغيّر الكبير الذي احدثته الاعاقة في حياته الشخصية والأسرية والاجتماعية، حيث ساهمت في التقرب من زوجته وأولادها واقربائه، بعد أن كان بعيدا عنهم نظرا الى ظروف عمله.
وزاد بالقول: «لا أخفي على أحد أن مشاعر اليأس والاكتئاب غلبتني في بداية الاعاقة، ولكن بالإرادة والعزيمة الصلبة قهرت المستحيل، وقلت للحزن لَن تغلبني، وبالفعل وبعد مرور عام على الاعاقة اكتشفتُ عبدالقادر الجديد، واكتشفت معنى السعادة الحقيقة، وهذا بفضل الله سبحانه وتعالي، ثم جهود امي وزوجتي وأبنائي، الذين سهّلوا عليّ اندماجي معهم».
وبالحديث عن فكرة الاختراع، قال إنه عبارة عن ملعقة متعددة الأغراض لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة (ممن يعانون الاعاقة الشديدة والشلل الرعاش ويعتمدون على قبضة اليد) وكبار السن والأطفال على تناول الطعام بسهولة من دون الاعتماد على غيرهم.
السكينة السويسرية
وأشار إلى أن فكرة الاختراع جاءت من معاناته من عدم قدرته على التحكم في الإمساك بالأشياء والتقاطها وحلق الذقن نتيجة ضعف عضلات اليد إثر الحادث الذي تعرّض له، «فكانت زوجتي تساعدني، ففكرت في السكينة السويسرية التي كانت تخدمني قبل الحادث، فقمت بتثبيت ملعقة وسكين معا على حرف «تي» في مقبض اليد، حيث يستطيع ذوو الاعاقة التحكم في الإمساك بالملعقة او السكينة بسهولة وتناول الطعام من دون الاعتماد على مرافقيهم»، لافتاً إلى أنه الاختراع الأول له.
وتابع بالقول: في البداية فكّرت أن تكون الفكرة لي فقط، نظرا الى حاجتي اليها، ولكن مركز صباح الأحمد نصحني بتسجيل الاختراع وتعميم الفكرة، حتى تستفيد منها أكبر شريحة من ذوي الاحتياجات الخاصة، مردفا بالقول «جربت الملعقة مع كل أنواع الأطعمة الصلبة واللينة، وكذلك جربتها في احد المطاعم أنا وزوجتي».
أين الورش؟
وعن التحديات التي واجهته لتحويل الفكرة إلى اختراع، أشار إلى عدم وجود ورش متخصصة لاحتضان ذوي المواهب والابداعات وتنمية افكارهم وتحويلها إلى واقع، وصعوبة تطبيق الفكرة داخل الكويت لعدم وجود مصانع متخصصة، إلى جانب صعوبة تصديق الاختراع، ولكن المركز كان له دور في إنجاز كل التصديقات الخاصة باختراعي وتصميم النموذج الأول.
وأثنى أبل على دعم مركز صباح الأحمد للموهبة والإبداع له، وتبني فكرة المشروع وتصميمه وتوثيق الشهادات واستخراجها، فضلا عن دوره في تذليل كل الصعوبات التي تواجه المخترعين واحتضان طاقاتهم واختراعاتهم وصقل مواهبهم، مشيدا باهتمام الكويت بالموهوبين والمبدعين من ذوي الاعاقة.
وراء كل مبدع زوجة عظيمة
«وراء كل مبدع ناجح امرأة عظيمة».. هذا ما انطبق على الزوجة ضحى التي نجحت في ادارة دفة السفينة بحكمة واقتدار وصبر وتوفير البيئة المناسبة لزوجها عبدالعزيز أبل، لتعزيز هواياته وصقلها، فضلا عن مساعدته على التكيّف مع حياته الجديدة.
وبيّنت ضحى أن الاعاقة ساهمت في تغيير حياتها الزوجية الى الأفضل؛ حيث بدأت تشعر بأن زوجها اقرب اليها وأبنائها أكثر من السابق، كما أنه يشاركها في تدريس ابنائه، لا سيما مادتي العُلوم والرياضيات.
المصدر : مى السكرى \ القبس