لم يعُقهم الكرسي المتحرك من اللحاق بأحلامهم وأصبحوا شخصيات قيادية مؤثرة في المجتمع.. وبالإرادة والعزيمة الصلبة كسروا الحواجز، ونجحوا في تحدي ذواتهم وكسب قلوب الآخرين وعقولهم، بمحاضراتهم ودوراتهم التدريبية؛ ليطلقوا عنانهم ويعبروا عن ذواتهم، ويشعوا الأمل في نفوس جمهورهم المتلقي، حاملين معهم مفاتيح السعادة والإصرار والأمل والإلهام، وليثبتوا أن النجاح ليس حكرا على شخص دون آخر، وأن الإصرار والطموح والرغبة في تحقيق النجاح هي المعيار الحقيقي لنجاح الإنسان مهما كان شكله أو جسده.
بكلامها المعسول، استطاعت أن تفتح العنود الحربي أبواباً للسعادة وتقود مجتمعها الى بر الأمان.. وببشاشته المعهودة وابتسامته التي لا تفارقه نجح فيصل الموسوي في الغوص في تحديات الحياة، وبدبلوماسيته التلقائية حمل عبدالكريم العنزي قضايا المعاقين في رسالته البحثية لتكون مرجعا للمجالات النادرة في الوطن العربي.
نماذج قهرت إعاقتها وحلّقت في سماء الإبداع والطموح؛ لتثبت أن المعاق أصبح رقماً صعباً وبصمة ابداع، ونجماً يُشار إليه بالبنان في مجالات عدة، بل تميز في ادارة الندوات والورش والمحاضرات؛ حتى أصبح قدوة ومثالاً يحتذى في عالم الأسوياء.
وروى ذوو الطموح تجارب نجاح رائعة، حيث هزموا الظروف الصعبة وأحرزوا تفوقاً ملحوظاً في كثير من المجالات العلمية والعملية والهوايات المتعددة، فبعضهم أبدعوا في الرسم، وآخرون تفوقوا في الشعر وكتابة القصص والروايات والفن التشكيلي، بينما أحرز كثير من أبناء هذه الفئات بطولات رياضية، وبعضهم صعد إلى العالمية، وهؤلاء جميعاً يستحقون تسليط الضوء عليهم، واحتضان الفئات التي أثرت إيجابياً في المجتمع.
فيصل الموسوي: تجربتي الصعبة أوصلتني إلى العالمية
شاءت الأقدار أن تتغير حياته وتنقلب رأسا على عقب إثر حادث مروري أليم تعرض له وهُو في العشرينات من عمره أفقده القدرة على الحركة بشلل كامل في الأطراف السفلية، لتتحطم أحلامه الوردية وطموحاته التي كان يحلم بها كأي شاب في عمره، لكن بالارادة والإيمان بالقضاء والقدر، استطاع فيصل الموسوي وهو مدرب تنمية بشرية مختص بأساليب القيادة والتحفيز وبناء فرق العمل، أن يحول الآلام إلى امال، وأن يتحول من شخص انطوائي ومنعزل اجتماعيا إلى آخر مقبل ومتفائل ومحب للحياة.
وسرد الموسوي بداية دخوله مجال التدريب، مشيرا إلى أنه أصبح محاضرا بناء على طلب الجهات والافراد له بطرح قصته ونقل تجربته وكيفية تغلبه على الاعاقة وتعايشه معها حتى وصل إلى العالمية بالغوص بطابع تحفيزي، مضيفا «بعد نجاحي في إلقاء المحاضرات اتجهت إلى التدريب وحصلت على شهادتين في إعداد مدرب محترف، وبموجبهما دخلت إلى عالم التدريب بالتنمية البشرية وبالتحديد في مجال التحفيز».
وبالحديث عن الصعوبات والتحديات التي واجهته، قال الموسوي: كل مدرب يواجه صعوبات حتى يثبت نفسه، وكل صعوبة تعتبر تجربة وخبرة جديدة يستفاد منها، مشيرا إلى أنه قدم نحو ما يفوق ٣٥٠ دورة تدريبية ومحاضرة.
واستعاد الموسوي ذكرى أول دورة تدريبية قدمها في مدرسة لمجموعه كبيرة من المعلمات، وتحدث عن نجاحه في التغلب على الاعاقة وعن الإنجازات العالمية التي حققها في الغوص حتى رفع اسم الكويت في كل المحافل الدولية، لافتا إلى شعوره بالسعادة الغامرة خلال إلقائه المحاضرات الجماهيرية الكبيرة، حيث يلمس تأثيرها في تغيير حياة أكبر عدد ممكن من الافراد بالمجتمع وتكون سببا من بعد الله سبحانه في نجاحهم.
وأبدى اعجابه من نظرات الاعتزاز والفخر التي يراها في عيون المتدربين تحت قيادته كونه شخصا من ذوي الاعاقة، مشيرا الى انه يحرص على التنوع في مواضيع دوراته التدريبية وعدم حصرها في نطاق الاعاقة فقط لتشمل مختلف المجالات وتستهدف جميع الشرائح. وقال الموسوي ان المعاق يستطيع أن يثبت أنه قادر على قيادة المجتمع ويكون له تأثير في المجتمع، حينما يؤمن بأن الاعاقة ليست نهاية الحياة بَل بداية لحياة جميلة، موجها نصيحة لجمهوره مفادها أن «الله سبحانه وزع علينا الفرص بالتساوي والعدل، والفرق بين من يستغل الفرص ولا يتركها تضيع من يديه، فلنبادر باقتناص هذه الفرص».
عبدالكريم العنزي: المبدعون ركيزة للتنمية
جمع بين الشعر والإعلام، وطرح قضايا ذوي الاعاقة من فوق كرسيه المتحرك، وأصر على إدخال قضية ذوي الاعاقة في دراسته الأكاديمية لتكون محور بحثه في رسالة الماجستير والتي حملت عنوان «اتجاهات الإعلاميين الكويتيين نحو معالجة قضايا ذوي الاعاقة في وسائل الاعلام الكويتي»، وتم تكريمه بوضعها في مكتبة جامعة الأردن لتصبح مرجعا للدراسات الرائدة والنادرة في هذا المجال في الوطن العربي، هذا ما جسده الشاعر وسفير المعاقين عبدالكريم العنزي.
العنزي الذي بدأ مجال ادارة المحاضرات حديثاً، أشار إلى ان ذوي الاعاقة أصبحوا أمثلة ونماذج يحتذى بها في عالم الأسوياء، مضيفا «في الآونة الآخرة لمسنا انفتاحا شاملا للعديد من المبدعين من ذوي الاعاقة، ليس فقط في مجال الرياضة أو الفن والأنشطة الاجتماعية، بل زاد تميزهم بدخولهم مجال الدورات التدريبية وورش العمل سواء في التنمية البشرية أو المهارات الحياتية»، مشددا على أن الموهوبين والمبدعين ركيزة للتنمية.
وتابع بالقول: هذا الابداع والتميز لم يأتِيا من فراغ، بل من إرادة صلبة حديدية ورغبة في التميز وتحقيق الطموح والوصول الى القمة إلى جانب التحصيل العلمي، لافتا إلى أن الدعم البيئي والدعم الحكومي يلعبان دورا محوريا في تحفيز ذوي الاعاقة للوصول إلى هذه المكانة.
ولفت العنزي إلى تجربته الأولى في هذا المجال، حيث ألقى محاضرته الأولى مؤخراً والتي حملت عنوان «مفاتيح الاعلام» والتي أقيمت في مركز الدعية بالتعاون مع وزارة الشباب، كما سلط الضوء على دور الإعلامي المؤثر وأدواته، مشددا على أن الاعلام أصبح حاجة وليس ترفيها أو وسيلة فقط للوصول إلى معلومة معينة، لا سيما في ظل وجود التكنولوجيا الحديثة والمتمثلة في مواقع التواصل الاجتماعي.
وزاد بالقول: أجزم بأن أكثر من %95 من أفراد المجتمعات هم اعلاميون من خلال إدارتهم لمواقعهم في التواصل الاجتماعي، مشيرا الى أن السفر والبعد عن الأهل في سبيل التحصيل العلمي من اهم الصعوبات التي واجهته للوصول إلى هذا المستوى والإصرار على التميز.
الحربي أول مدرِّبة تنمية بشرية من ذوي الإعاقة: محاضرة «صندوق السعادة» أدخلتني قلوب الناس
عندما تنتصر الإرادة القوية وتتحول الاعاقة إلى طاقة قادرة على مواجهة التحديات وتقلبات الحياة وصروفها، علينا أن نتوقف قليلا لننصت إلى صاحبة السعادة العنود الحربي، وهي أول مدربة تنمية بشرية من ذوي الاعاقة على مستوى الكويت وحاصلة على شهادة مدرب معتمد.
وايمانا منها بأن الانسان المنجز والمبدع هو الشخص القادر على قيادة المجتمع والتأثير فيه بغض النظر عن الإعاقة، أبت الحربي فكرة التصنيف وإنساب الإبداعات للإعاقات، مبينة أن الاعاقة قد تلعب دوراً في صقل صفات ومهارات المدرب من ذوي الاعاقة من خلال خبراته وتجاربه التي مر بها وتعايش معها، ولكنها ليست السبب الذي يجعلنا ندخل إلى عالم التدريب.
وحثت الحربي جمهورها على تطوير جوانب الحياة بالقراءة والاطلاع على المحاضرات واستثمار الوقت في تنمية الذات والعقل والحفاظ على الصحة والتدريب على تعلم فن العيش بالسلام.
وتحدثت الحربي عن بداية دخولها هذا المجال واحترافه، لافتة إلى أنها استشعرت قدرتها في التأثير على من حولها وجذب الحضور إلى حديثها ونصائحها، مضيفة: كوني من ضمن أعضاء فريق الإرادة والتحدي اتفقنا على إقامة ورش عمل في مدارس الكويت والقاء المحاضرات بمشاركة أ.محمد القلاف، وهو احد أعضاء الفريق، حيث اكتشف أن لدي مقومات في شخصيتي تؤهلني الى دخول عالم التدريب، فشجعني حتى تم اعتمادي كأول مدربة من فئة ذوي الاعاقة على مستوى الكويت.
وأعادت الحربي إلى الاذهان أولى دوراتها التدريبية التي قدمتها في مجال التنمية البشرية، والتي حملت عنوان «صندوق السعادة»، حيث لاقت نجاحا وإقبالا ملحوظا، كما قدمت أول محاضرة مع فريقها (فريق التحدي) – في كلية العلوم الإدارية، وحظيت أيضا بقبول واسع من قبل الطلبة والدكاترة.
وتحدثت عن محاضرات ودورات تدريبية لا تنسى وتركت اثرا كبيرا في نفوس الحضور، ابرزها كانت محاضرة لطالبات مدرسة من فئة البدون، والثانية حول مرضى التصلب العصبي (ام اس)، لافتة إلى أن من المحاضرات التي لا أنساها أذكر قصة فتاة ساهمت في مساعدتها لتغير حياتها للأفضل بعد أن كانت تعاني اكتئابا وعزلة اجتماعية.. وكانت المفاجأة هي وقوف الفتاة أمام الحضور، وأذكر أنها قالت أنا صاحبة القصة وبكل ثقة أقول لكم نعم جميعنا يستطيع أن يتغير للأفضل.
وحول طبيعة المحاضرات والدورات التدريبية التي تقدمها، قالت الحربي انها تقوم باعداد دورات في مجال تطوير الذات من خلال رفع مستوى الوعي داخل نفسية الفرد وكيفية التعامل الإيجابي بمختلف أوجه الحياة، وذلك لخلق مجتمع إيجابي وتعزيز قواعد الطموح والفاعلية وروح المبادرة وتأصيل الثقة بالنفس وتنمية حس الإنجاز لكل شخص.
ورأت أن المحاضر الجيد يجب أن يتحلى بالإصرار والتحدي والثقافة العلمية والمجتمعية، وأن يتمتع بالحس الراقي في التعامل مع المتدربين، وأن يعمل بما ينصح به، مشيرة الى ان محاضراتها ودوراتها التدريبية لا تقتصر على فئة معينة من دون غيرها، بل هي لجميع الراغبين في تطوير ذاتهم.
المصدر : مى السكرى \ القبس