الكاتب : ناصر نورانى
لست هنا مستفتياً الحكم الشرعي لمسألة يحاذر أن يتورط في محظور بسببها أو يفوّت مصلحة، لكني أشير إلى ظاهرة منتشرة تتصدر في اعتقادي قائمة اختلالات تزدحم بها عادة تلك المواقف التي تجمع بين أشخاص مكفوفين ومبصرين في مكان واحد فما أن تقود الملاحظة مبصراً لاكتشاف مكفوف في المجلس الذي يحضره عبر تصرفاته تجاه ما هو مبصر أو من حركة عينية أو حتى شكلهما حتى يسيطر عليه الارتباك ويحسب ألف حساب قبل أن يدخل في حديث مع هذا المكفوف المسكين – في اعتقاده – إذ يسأل عنه غير أسئلة لا تتطلب الإجابة عنها قدرات تجيدها العينان مثلاً: ما اسمه؟ ماذا يعمل؟ من أي بلد هو؟ كل هذه التساؤلات تدور بصوت مرتفع تلتقطه أذنان من سوء حظ صاحبها – ربما – إنهما تعملان؟
هذا المسلك الذي يتخذه كثير من الأشخاص المبصرين، ظناً منهم بأنها الطريقة الأسلم لتفادي إحراج مثل هذه الفئة يؤذي ويؤلم ويحير، أما الأذى والألم فلأن هذا السلوك المتجاوز يستخف بمشاعرهم ويختزلهم في حالة بائسة غير مؤهلة للتفاعل الإنساني الذي يمثل الحوار إحدى أهم صور حيويته وحميميته وأما الحيرة لأنه لا يوجد حتى الآن عند الأشخاص المكفوفين تبرير يطمئنون إليه يجعلهم يتفهمون مثل هذا التصرف.. وشخصياً لا أملك أنا أيضاً تفسيراً.
لذلك بعد محاولات حثيثة والاجتهاد في الفهم قلت في نفسي: ربما يدور في ذهن بعض الأشخاص المبصرين الذين يمارسون هذا الإلغاء لوجودنا في الجلسات أن الإعاقة البصرية فيضانات أو حتى كوليرا تجتاح في طريقها كل الحواس لتترك من تصيبه إطاراً عظمياً لحمياً مغلق النوافذ والأبواب تجاه الشمس والهواء والحياة، أو ربما يملأ الوهم مساحات نفوس البعض فيرضون عن أنفسهم كل الرضا باعتبارهم مرهفي الإحساس يراعون الحالة الشعورية الكئيبة والمتحفزة لكل همسة أو نسمة يحس فيها الأشخاص المكفوفون تعريضاً بالإعاقة أو إساءة بسببها على أي نحو.
لذا يلجأ هؤلاء المرهفون – كما يصور لهم وهمهم – إلى تنصيب الآخرين وكلاء للأشخاص المكفوفين في حضورهم للإجابة عن أسئلة لا يمكن أن تتهم بأنها تؤذي مشاعر الإعاقة أو تحرج صاحبها.
ومهما كانت التفسيرات قريبة أو بعيدة عن إصابة الحقيقة فإن السؤال يظل مشروعاً: هل الحديث إلى المكفوفين حرام؟
المصدر : المنال