ساهمت النظرية الطبية في تطوير المنظور الاجتماعي تجاه ذوي الإعاقة، حيث أثبتت عمليا إمكانية شفاء الكثير من الأمراض والحد من الآثار الجسدية لأمراض أخرى
الإعاقات الجسدية ليست أكثر من اختلافات طبيعية بين البشر.. وعلى البيئة المادية أن تتناسب مع كل البشر وعليه فالإعاقة مشكلة اجتماعية بالأساس وليست مشكلة فردية
كثر الحديث ـ وما زال ـ عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة خصوصا بعد صدور الاتفاقية الدولية لحقوق ذوي الإعاقة 7002، وفرضت مفردات جديدة نفسها على لسان المتحدثين بمجال الإعاقة مثل »المنهج الحقوقي.. الرؤية الاجتماعية« لتحل تدريجياً مكان مفردات عتيقة مثل »العجز، القصور الوظيفي، الخدمات« ويعبر ذلك عن بداية تغيير جوهري بالرؤية تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة، لكن هذا التغيير ما زال بمرحلة جنينية حتى فيما بين الخبراء أنفسهم، وما زال مجال الإعاقة يعاني قدراً هائلاً من التناقضات النظرية على المستويين الوجودي والمعرفي، وتعد هذه التناقضات نتيجة منطقية لمرحلة التحول من النظرية المهيمنة على الإعاقة »النظرية الطبية« إلى نظرية أخرى تتعارض معها جذرياً وإن كانت تتقاطع معها ببعض النقاط وهي »النظرية الاجتماعية« فتلك المرحلة الانتقالية النوعية تتميز بتعايش مؤقت بين أفكار متناقضة.
ومن جهة أخرى شهدت السنوات القليلة الماضية دخول رافد جديد إلى مجال الإعاقة يتمثل بالمنظمات الحقوقية التي اكتسبت بصدور الاتفاقية مرجعية حقوقية دولية كانت تفتقدها، وساهم هذا الرافد الجديد في إثراء الحوار حول حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والرؤية المتقدمة المنطلقة منها، لكن هذا الرافد نفسه ما زال يتلمس خطواته بمجال يتميز بالتنوع من جهة والفوضى المعلوماتية من جهة أخرى، والحقيقة أن حركة الإعاقة الدولية التي ناضلت كثيراً على مستويات مختلفة حتى حصلت على اعتراف دولي قانوني بالنظرية الاجتماعية، قدمت خبرات هائلة للعمل بمجال الإعاقة من المنظور الحقوقي الاجتماعي، فالحركة التي ضمت طيفاً هائلاً من الأطباء وخبراء التأهيل والحقوقيين والناشطين السياسيين، تحركت على ثلاثة مستويات متوازية، المستوى الوجودي »العمل على تغيير المفاهيم الأساسية«، »المستوى المعرفي«، ربط المفاهيم الأساسية بالواقع العملي، »والمستوى التجريبي« محاولة الوصول إلى فهم تجربة الإعاقة من خلال ذوي الإعاقة أنفسهم(1).
ومن خلال هذه الخبرة، تهدف هذه الدراسة للمساهمة في تعميق المعرفة بالنظرية الاجتماعية في علاقتها بالجانب التشريعي على المستوى المعرفي، وذلك بعرض ومناقشة المفاهيم الأساسية للنظرية وتأثيرها على التشريعات المختلفة، وتقتصر الدراسة على التشريعات العربية حيث تشهد المنطقة العربية جهوداً كبيرة لتطوير التشريعات الخاصة بذوي الإعاقة بعد الإدراك المتأخر لتخلف غالبية القوانين العربية وافتقادها لنظرية واضحة تقوم عليها(2). النظريات السائدة بمجال الإعاقة:
تقوم النظريات المختلفة بمجال الإعاقة، على مفاهيم أساسية تدور حول إنتاج الإعاقة »أسبابها« أو تفسيرها »ماهيتها« ويقود التفسير إلى رؤية شاملة تتجسد في سلوكيات واتجاهات مختلفة على المستوى الاجتماعي، وسياسات وتشريعات على المستوى الرسمي، وتهيمن كل نظرية طبقاً لشروط معقدة تعود لمزيج من الثقافة السائدة والظروف الاقتصادية وغيرها من عوامل كثيرة بما فيها المناخ والطقس والأمراض الوبائية، وتظل النظرية مهيمنة حتى درجة مختلفة من التطور حيث تبدأ نظرية جديدة تقوم على رؤية نقدية للنظرية التقليدية، ولا يعني هيمنة نظرية جديدة زوال التقليدية، بل تتواجد النظريات المختلفة جنباً إلى جنب لفترات تاريخية طويلة، فحالياً ومع هيمنة النظرية الطبية ومزاحمة النظرية الاجتماعية لها، ما زالت النظرية الأخلاقية تسود غالبية المجتمعات بالعالم.
أولاً ـ النظرية الأخلاقية
تقوم النظرية الأخلاقية على التفسير الغيبي للإعاقة، وتخلط بين التفسيرات الدينية المختلفة للخير والشر وبين الإعاقة، وتعد امتداداً للتفسيرات المثالية بالحضارات القديمة خاصة الإغريقية والرومانية، حيث رأى فلاسفة تلك الحضارات ومنهم أفلاطون أن الإعاقة شر ناتج عن غضب الإلهة، وبعد ذلك جاء تفسير الكنيسة الغربية بالقرون الوسطى بأن الإعاقة عقاب على الذنوب وأنها تجسيد للشيطان، ليعمق التفسير الغيبي ويحيطه بهالة من القدسية الدينية، وبرغم التطورات النظرية الكبيرة مثل تغير التفسير الكنسي إلى كون الإعاقة تجسيداً لآلام السيد المسيح، وانتشار الدين الإسلامي الذي نص صراحة على المساواة بين الجميع بصرف النظر عن طبيعة الجسد، إلا أن التفسير الغيبي ما زال سائداً بدرجة كبيرة، ويعود ذلك بالأساس للاختلاف الاجتماعي بين الدين وبين الثقافة الدينية، ومع ذلك ساهمت النظرة الدينية القائمة على الشفقة والرحمة بالحد من التمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة، والتحول من السياسة التي تقوم على التخلص منهم إلى سياسة تقوم على تقديم العون لهم ومساعدتهم بوصفهم عاجزين وغير قادرين على تلبية شؤونهم بأنفسهم.
التأثير التشريعي:
تعد التشريعات المختلفة انعكاساً لدرجة تطور المجتمع وتعبيراً عن قيمه الأخلاقية والثقافية، وقد تبنت التشريعات الحديثة التفسيرات المختلفة للإعاقة بالمراحل المختلفة وعبرت عنها بقوانين تتبنى الفلسفة القائمة عليها، فتبنت التشريعات بالمرحلة الأولى حيث هيمنة الرؤية الأخلاقية بمعناها الإيجابي »فلسفة الرعاية« فالقانون يقوم على توفير قدر من الرعاية للأشخاص ذوي الإعاقة ومنحهم بعض الخدمات بهدف تسهيل حياتهم، ونجد تجسيداً واضحاً لتلك الفلسفة بنمط من التشريعات تمثله دول الخليج العربية بالإضافة إلى ليبيا، ويتبنى هذا النمط الرؤية الأخلاقية بوضوح وإن كان يمزج بينها وبين الرؤية الطبية خاصة بمجال التأهيل، وأساس هذا النمط التشريعي هو منح الأشخاص ذوي الإعاقة قدراً كبيراً من الرعاية والخدمات (القانون الليبي، الكويتي والسعودي) ولهذا النمط بعض الإيجابيات كما له سلبيات كثيرة، فمن الناحية الإيجابية تطورت مناهج ومنظمات التأهيل بدرجات ملحوظة وهو ما ساهم تدريجياً في إندماج أعداد محدودة من الأشخاص ذوي الإعاقة في الحياة الاجتماعية، كما تطورت مناهج التعليم الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، ومن الجهة الأخرى ساهمت تلك القوانين في تعميق المفهوم الفردي للإعاقة، وأدت إلى الاستمرار بتقسيمهم على أساس نوع الإصابة ودرجتها، وعزلهم بمراكز خاصة بعيداً عن الحياة الاجتماعية العادية. ومن أمثلة تلك القوانين بمصر قانون الضمان الاجتماعي 03 لسنة 7791، والذي ما زال سارياً.
ثانياً ـ النظرية الطبية
تنطلق النظرية الطبية من الجسد الإنساني، وتقوم على رؤية الجسد وقدراته قياساً على ما يتصور أنه الجسد الكامل السليم، وبالتالي فالإعاقة طبقا لهذه النظرية نتاج الأمراض وتأثيرها على القدرات الجسدية للإنسان وهو ما يوصل إلى تعريف الإعاقة بالقصور الوظيفي للجسد، ودون الخوض بالتاريخ القديم حول نشأة النظرية وتطورها، فمن المؤكد أن انطلاقها وبداية هيمنتها معرفياً على الخبراء والباحثين حدثت بعد الحرب العالمية الثانية والتي وسعت قاعدة الأشخاص ذوي الإعاقة بإعداد كبيرة ممن لم يختبروا واقع الحياة اليومية لهذه الفئة التي تعاني من الإقصاء الاجتماعي والعزل القسري عن تيار الفرص المتاحة على كل مستويات النشاط الإنساني.
وقد أثرت وما زالت النظرية الطبية على النظرة تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة ووضعت شروط التطور وحدوده، حيث فسرت الإعاقة بالربط المباشر مع الإصابة والإعاقة، وهو ربط يبدو منطقياً للغاية بل ومرئياً وملموساً، فكلنا نرى أن الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية مفتقدين للبصر، فمن البديهي أن نعتقد أن مشكلتهم هي عدم القدرة على الرؤية، ونتج عن تلك النظرة، توصيف للإعاقة على أنها مشكلة فردية خاصة بجسد الشخص ذي الإعاقة، وبالتالي سنت القوانين المختلفة على أساس الحد من تأثير الإعاقة الجسدية وتأهيل الشخص للتكيف مع البيئة المحيطة على أنها معطى وليست عنصراً من عناصر الإعاقة.
وبرغم الايجابيات الكثيرة لهذه النظرية والتي تتمثل في التطورات المستمرة على مستويي العلاج والتأهيل إلا أنها أنتجت سلبيات عديدة أهمها، هيمنة رؤية العجز، فالنظرة تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة تقوم على أساس عدم القدرة وليس على أساس القدرة المتاحة، وتعد هذه السلبية من نقاط التقاطع بين النظريتين الطبية والأخلاقية، فكلاهما تتبنى رؤية العجز والقصور، وفرضت النظرية الطبية التقسيم الفئوي الشهير (الحركي السمعي البصري الذهني) كمسلمة منطقية، وهو ما أنتج ثقافة العزل طبقا للخصوصية الجسدية لكل فئة.
التأثير التشريعي:
ساهمت النظرية الطبية بدرجة كبيرة في تطوير المنظور الاجتماعي تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث أثبتت عملياً إمكانية شفاء الكثير من الأمراض والحد من الآثار الجسدية لأمراض أخرى، وهو ما كشف تدريجياً عن قدرات وإمكانيات لدى الأشخاص ذوي الإعاقة لم تكن مرئية، وبدأ ظهور أفراد استفادوا من تقدم العلاج والتأهيل وأثبتوا قدرتهم على المشاركة الاجتماعية، ويتمثل التأثير المباشر للنظرية الطبية تشريعياً في إضافة مفهوم التأهيل إلى مفهوم الرعاية، لتتبنى غالبية التشريعات تدريجياً فلسفة تشريعية تقوم على المزج بين الرعاية والتأهيل.
وفي مرحلة لاحقة وتدريجياً ونتيجة تطور مناهج التأهيل، بدأت جماعات من الأشخاص ذوي الإعاقة تطالب ببعض الحقوق مثل الحق بالعمل، وهو ما أثر تشريعياً في تطوير الكثير من القوانين وتبنيها لبعض الحقوق، ويمثل قانون التأهيل المصري 931 لسنة 5791 نموذجاً لهذه المرحلة من التطور، يتفق في ذلك مع دول شمال إفريقيا باستثناء ليبيا، وهذا النموذج من القوانين يتبني مفاهيم الرؤية الطبية، حيث يتبنى رؤية العجز والقصور الجسدي ويربط بينها وبين الحقوق، وفي نفس الوقت يقترب من النظرية الاجتماعية، فنجده مثلا ينص على الحق بالعمل بوضوح ويخصص نسبة محددة من فرص العمل لذوي الإعاقة »تتراوح بين 2 ـ 7%« وذلك بلا شك ناتج عن تأثير الرؤية الاجتماعية، لكنه من جهة أخرى يضع شروطاً تفترض بداية عدم قدرة الأشخاص ذوي الإعاقة على العمل مثل شرط الحصول على شهادة التأهيل حتى بالنسبة للمتعلمين منهم، وشرط الخضوع للكشف الطبي لإثبات الصلاحية للعمل، ويؤكد ذلك مدى هيمنة رؤية العجز والقصور، فحتى بالنسبة لحق العمل فرضت تلك القوانين العزل، فالقاعدة الأساسية لمثل تلك القوانين، العمل داخل منشآت خاصة تضم الأشخاص ذوي الإعاقة دون غيرهم(3).
ثالثاً ـ النظرية الاجتماعية
قامت النظرية الاجتماعية على نقد النظرية الطبية، حيث رأى الكثير من الخبراء أن النظرية الطبية تتجاهل منتج الإعاقة أو بمعنى آخر تناول الإعاقة بمعزل عن مسبباتها وعلى أساس فردي يفصل بين الشخص وبين المحيط المجتمعي الموجود فيه، وترى النظرية أن الإعاقة إنتاج اجتماعي وليست مشكلة فردية، فالمجتمع هو الذي أنتج الإصابات الجسدية لكنه لم يوجد البيئة المناسبة لأصحاب تلك الإصابات التي تمكنهم من الاندماج بالمجتمع بل وعلى العكس من ذلك وضع المجتمع الحواجز »العوائق« التي تحول بين الأشخاص ذوي الإعاقة وبين الاندماج.
ورسخت النظرية مفاهيم تقوم على رؤية شاملة للإعاقة في علاقتها بالتطور التاريخي للمجتمعات من منظور الأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم. وتقوم النظرية على تفسير ذي شقين للإعاقة، فالإصابة أو الإعاقة الجسدية هي نتاج لتفاعل طويل بين عوامل بيئية عديدة أهمها نمط الإنتاج السائد لكن هذه الإعاقة لا تنتج أثراً إلا عند اصطدامها بالحواجز البيئية والثقافية التي تعيق الشخص عن التعامل مع البيئة المحيطة به، فالإعاقة طبقاً لهذه النظرية: (حالة ظرفية تحدث عند تلاقي الإصابة الجسدية مع حاجز يعيق الشخص المصاب عن الوصول لما يريد) ويمكن ضرب عشرات الأمثلة توضح هذا المفهوم، مثل دخول شخص يستخدم كرسياً متحركاً مبنى ما، فلو وجد سلماً طويلاً عليه صعوده للطابق الذي يريد، هنا تتحقق الإعاقة حيث لن يتمكن هذا الشخص من صعود السلم بالتأكيد، لكن هذا الشخص ذاته لو وجد مصعداً يسهل استخدامه، هنا لن تحدث الإعاقة حيث يمكنه بسهولة الصعود للطابق الذي يريد، ودعونا نتصور مثالاً آخر، لو أن شخصاً من ذوي الإعاقة البصرية أراد أن يدخل إلى شبكة المعلومات لمراسلة جهة ما، فوضع أمام هذا الشخص جهاز حاسوب عادي موصول بشبكة المعلومات فلن يستفيد منه شيئاً لأنه سيعجز بالتأكيد عن استخدام الكمبيوتر العادي وهنا تحدث الإعاقة، لكن هذا الشخص لو وجد الكمبيوتر المجهز لذوي الإعاقة البصرية والمزود بالبرامج الخاصة وبالطبع كانت لديه بعض الخبرة بالكمبيوتر، سيتمكن بسهولة من القيام بالمراسلات التي يريدها ولن تحدث الإعاقة.
فالرؤية الاجتماعية ترى أن الإعاقات الجسدية ليست أكثر من اختلافات طبيعية بين البشر، وأن البيئة المادية يجب أن تتناسب مع كل البشر، فالإعاقة مشكلة اجتماعية بالأساس وليست مشكلة فردية، ومنح ذلك التفسير المنهج الحقوقي زخماً جديدا كان يفتقده حتى سنوات قليلة مضت، فأصحاب المنهج الحقوقي المنادين بمبادىء المساواة بين الجميع ومناهضة كافة أشكال التمييز، كانوا حتى وقت قريب، ينظرون بعين الريبة لقدرة الأشخاص ذوي الإعاقة على المساواة الكاملة، وتعبر الإصدارات الحقوقية السابقة للاتفاقية عن تلك الريبة، حيث تبنت مفاهيم العجز والقصور ولم تشمل الحقوق المختلف عليها مثل الحق بالزواج والأهلية (إعلان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية،.. إعلان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ) لكن صدور الاتفاقية الدولية وتبنيها الكامل للنظرية الاجتماعية منح الحقوقيين مرجعية واضحة وتقنيناً ملموساً للحقوق الكاملة حتى تلك المختلف عليها، والحقيقة أن غالبية منظمات حقوق الإنسان المصرية والعربية تحتاج لبلورة تجربة حية للتعامل مع القضايا المتشعبة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
التأثير التشريعي:
أثرت الرؤية الاجتماعية على التشريعات العربية المختلفة بشكل تدريجي، فغالبية التشريعات العربية الحالية تأثرت بدرجات مختلفة بالرؤية الاجتماعية، ونجد بعض التشريعات الصادرة حديثاً تتبنى الرؤية الاجتماعية بصراحة، ولكن هذا التبني النظري لا يعبر في الواقع عن رؤية اجتماعية عميقة لقضية الإعاقة على المستوى التشريعي، والحقيقة أن تبني بعض التشريعات للرؤية الحقوقية بدأ مغرقا بالشكل إلى حد كبير، فمثلا القانون الأردني 13 لسنة 7002نص على المفاهيم الأساسية للرؤية الاجتماعية نسخاً عن الاتفاقية الدولية، واحتفظ في صلبه بالرؤية الطبية، وهناك تجربة شبيهة مع بعض الاختلافات تمت بمصر من خلال مشروع قانون المجلس القومي للطفولة والأمومة والذي تم إعداده بمشاركة عدد محدود من الخبراء.
والحقيقة أن هذه القوانين والمشروعات تعبر عن عملية التشريع العربية بشكل عام والتي تتعامل مع القانون بوصفه علماً دقيق التخصص يقتصر على نخبة من الخبراء، وليس بوصفه علماً اجتماعياً يمكن لجميع فئات المجتمع المشاركة فيه، كما تعبر تلك القوانين عن الحالة الخاصة لمجال الإعاقة المتسع والمتشعب، والذي يتميز بفوضى معرفية هائلة، ومع ذلك يمكن اعتبار تجربة كل من القانون اللبناني، والقانون الفلسطيني، خطوة هامة على طريق تطوير التشريعات العربية، فهما محاولة جادة للتأكيد على الحقوق الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة من خلال فهم لطبيعة حياتهم داخل المجتمع، فالقانون يتضمن نصوصاً تفصيلية للحقوق، وفرض سلوكيات على المجتمع تحترم تلك الحقوق.
خلاصة
تطرح النظرية الاجتماعية فلسفة متقدمة تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة، وهي فلسفة لا تنكر أن هناك نقاط تماس بينها وبين النظريات الأخرى، لكن هذه الفلسفة التقدمية ما زالت محصورة بين النخبة وبعيدة عن التحول إلى سياسات تطبق واقعياً، والتطبيق العملي هو الحلقة المفقودة بالنسبة للواقع العربي مع تقدير بعض الجهود المتناثرة هنا وهناك، ولأن القانون يمثل أحد أدوات التطوير والتنمية فيجب العمل على إصدار تشريعات تهدف لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من الدمج وإزالة الحواجز من أمامهم، ولكن يجب أن تكون تلك القوانين معبرة عن واقع حقيقي ترغب بتغييره وبالتأكيد يحتاج ذلك إلى دراسات اجتماعية عميقة وليست دراسات قانونية مقارنة فقط، كما يجب التعامل مع تلك القوانين كحالة خاصة تحتاج لأوسع مشاركة اجتماعية ممكنة وطبقاً لشعار الحركة العالمية للإعاقة »لا شيء يخصنا بدوننا« وأعتقد أن أحد أهداف قوانين الأشخاص ذوي الإعاقة يجب أن تكون العمل على إحداث تغييرات ملموسة بالواقع المعاش حتى يمكن إحداث تغيير بالثقافات والاتجاهات السلبية السائدة حتى بين الأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم.
إحالات
(*) المدير التنفيذي لجمعية »حقوقي« لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، منسق التحالف المصري لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة
- مايكل جي أوليفر، الاستجابات الاجتماعية للإعاقة طويلة الأجل.
- دكتور أحمد صالح السيف، حقوق المعاقين والتمييز، دراسة قانونية مقارنة.
- حق الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل، تقرير صادر عن جمعية حقوقي لحقوق ذوي الإعاقة.
جمعية »حقوقي« لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة
منظمة مصرية غير حكومية مشهرة تحت رقم 3390 لسنة 2009م تؤمن بمبادىء حقوق الإنسان، وتناهض جميع إشكال التمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة، من خلال العمل على:
- رصد وتوثيق ومواجهة الانتهاكات ضد الأشخاص ذوي الإعاقة.
- إجراء البحوث والدراسات التي تكشف الجوانب المختلفة في حياة الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم.
- تفعيل دور الإعلام عبر آلياته ومؤسساته المختلفة للعمل على طرح قضايا الإعاقة بشكل إيجابي ومناهضة النماذج السلبية والأنماط التقليدية.
- بناء شراكات حقيقية لدفع منظمات المجتمع المدني لتبني حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
- تدريب الأشخاص ذوي الإعاقة لإشراكهم في قيادة المنظمات المعنية بهم.
- تقديم الدعم الفني والقانوني لذوي الإعاقة لتأسيس المنظمات والمؤسسات التي تعنى بالأشخاص ذوي الإعاقة.
- إعداد كوادر منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال الإعاقة لتبني المقاربة الحقوقية لتأهيل ذوي الإعاقة.