تشاك هال هو مؤسس شركة 3D Systems الواقعة في «روك هيل»، كارولاينا الجنوبية في الولايات المتحدة الأميركية، والرئيس التنفيذي لقسم التكنولوجيا فيها. قدّم طلباً لنيل براءة اختراع عن عملية الطباعة الحجرية الفراغيّة في عام 1986. في أنحاء العالم، يستعمل آلاف الناس الذين فقدوا أطرافهم بدائل مصمّمة خصوصاً لهم. داخل غرف الجراحات، يستعمل الجراحون نسخاً ثلاثية الأبعاد من أجسام المرضى لتوجيه الجراحات. سُرّ تشاك هال بهذه التطورات لأنه اخترع التكنولوجيا التي سمحت بحصولها. وقال في هذا الشأن: «كنتُ أكثر شخصٍ فوجئ وانبهر بالتقدم الذي حققته الطباعة ثلاثية الأبعاد في مجال الرعاية الصحية. من المدهش أن نشعر بأننا ساهمنا في إنقاذ حياة الناس وتحسينها بهذه الطريقة الجذرية».
قبل 30 سنة كانت فكرة الطباعة ثلاثية الأبعاد غير واردة، فبدا تصنيع الأطراف الاصطناعية، أو حتى القطع البلاستيكية، أمراً صعباً. أوضح مؤسس شركة 3D Systems تشاك هال: «كان كل مهندس يدرك مدى صعوبة المهمّة. كنا نصمّم قطعة ونضع مخططات نقدمها إلى المصمم ثم نحتاج إلى ميكانيكي. وفي النهاية، يجب أن نلجأ إلى قوالب الحقن».
يتابع: «إذا لم تكن العملية صحيحة، يجب أن نكررها كلها مجدداً. كان المصنّعون يتوقون إلى تحسين الطريقة المستعملة: لم يجد أحد أي حل لهذه المشكلة وهذا هو الهدف من الطباعة ثلاثية الأبعاد. كانت الفكرة تقضي بكل بساطة بتصميم نماذج من قطع البلاستيك. قد لا تبدو فكرة مبتكرة جداً مقارنةً بالتقدم المميز الذي حققته الطباعة ثلاثية الأبعاد».
ينمّ كلام هال عن تواضعٍ مبالغ فيه: في عام 1983، خطرت له الفكرة في لحظة إلهام خاطفة. في ذلك الوقت، كان يعمل لدى شركة أميركية صغيرة تستعمل أشعة فوق بنفسجية عالية الكثافة لجعل البلاستيك السائل صلباً أو لمعالجته. شمل أحد منتجاتها غطاءً للمائدة. قال هال: «في مرحلة معينة، خطر لي أننا نعالج قطعاً بلاستيكية رقيقة جداً. فكرتُ بإيجاد طريقة لجمع تلك الأغطية وابتكار قطع نموذجية».
إذا تمكّن من إيجاد تلك الطريقة، كان ليُخفّض مدة الإنتاج من أشهر إلى أيام: «قصدتُ رئيس الشركة بكل حماسة وأخبرتُه بضرورة العمل على هذا المشروع». لكنه لم يقتنع كثيراً بالفكرة. رغم حماسة هال، تردد رب عمله في المجازفة بموارده القيّمة لأجل مستقبلٍ مرتبط بطبقات البلاستيك. لكن أصرّ هال على فكرته: «كنت واثقاً من أنني أستطيع اكتشاف الطريقة المنشودة». في النهاية سمح له رئيسه باستعمال مختبر فارغ في الجهة الخلفية من المبنى. لكنه لم يستطع استعماله خلال دوام الشركة فاضطر إلى العمل على تطوير فكرته في فترات المساء وخلال عطلة نهاية الأسبوع.
من دون براءة اختراع ودعم، انتهى حلم هال. لكنه يستطيع اليوم طرح أفكار فلسفية عن الموضوع: «استناداً إلى معطيات تاريخ التكنولوجيا، حين يخترع أي شخص ابتكاراً معيناً، يمكن أن نتأكد من أنّ شخصاً آخر في العالم يقترب من تحقيق الهدف نفسه».
لكن المرتبة الأولى ليست مرادفة للفوز بالضرورة. تبيّن أن أرباب عمل لوميهوتيه كانوا أكثر خوفاً من المجازفة. تخلّت شركة General Electric عن طلب براءة الاختراع لأنها لم تتوقع نجاح المشروع، ثم كانت الموافقة على طلب هال فقرر التحرك وحده. في عام 1986، أنشأ شركته الخاصة 3D Systems. قال في هذا المجال: «حين تحاول إطلاق مشروع جديد، لا يقتنع به إلا عدد قليل من الناس. لكني شخص إيجابي جداً. سمعتُ جميع المعارضين ولم يؤثر بي رأيهم».
بدأ هال باستعمال المحركات الموجودة في طابعات الرسوم الهندسية، أي الآلات التي ترسم أشياءً مثل خطط البناء، وبرمج حركتها على حاسوب بدائي باستعمال لغة البيسيك (BASIC). كان العمل شاقاً: «كان يجب أن نتصوّر الفكرة في عقلنا ونبرمجها، خطاً تلو الآخر، لتصميم الأشكال التي نريدها».
لتصنيع الأغراض بحد ذاتها، ركّز هال على شعاعَين فوق بنفسجيَّين فوق وعاء من البلاستيك السائل، واستعمل محرّكَين لتوجيه الضوء على السطح كله وجعل القطعة البلاستيكية صلبة ومسطّحة الشكل. ثم قام المحرك الثالث بتخفيض القطعة الصلبة وتغطيسها في البلاستيك السائل مجدداً استعداداً لإضافة طبقة أخرى.
في البداية، وجد هال صعوبة في جعل الطبقات تلتصق والأشكال تتماسك، فحصل على كمية كبيرة من الخردة. لكنه ثابر على مر الليالي، فتحسّنت الأشكال تدريجاً إلى أن حصل أخيراً على ابتكار من تصميمه، مع أنه يبقى إنجازاً متواضعاً مقارنةً بما تستطيع الطابعات ثلاثية الأبعاد فعله اليوم.
قال هال: «كانت أول قطعة صنعتُها على شكل كوب صغير، لكنها كانت كافية. أصبحت الفكرة جاهزة للتطوير. قدّمنا طلباً لنيل براءة اختراع وكان المحامي الذي نتعامل معه متحمّساً جداً. ظنّ أننا إزاء إنجاز حقيقي. كذلك تحمّس عدد من المهندسين في الشركة». عاد هال بعد فترة إلى مكتب رب عمله لطرح فكرته المطوّرة، فقد حان الوقت كي تسوّق الشركة الطباعة الحجرية الفراغيّة.
لكن لم تنجح خطّته. كان المضي قدماً في هذا المشروع ليتطلب استثماراً كبيراً في الوقت والموارد، واعتبر رب عمله أن المشروع لا يستحق المجازفة.
كان قراره صائباً على الأرجح ولو لأسباب خاطئة. لكن لم يعرف أي منهما في تلك الفترة أن شخصاً آخر حقق الهدف المنشود قبلهما. قبل ثلاثة أسابيع، قدّم فريق من شركةGeneral Electric الفرنسية، بقيادة آلان لوميهوتيه، طلباً لنيل براءة اختراع مرتبطة بالعملية نفسها.
كانت شركات تصنيع السيارات أول جهة اقتنعت بإمكانات المشروع علماً أن المصنّعين كانوا متأخرين حينها عن خصومهم اليابانيين: «شعروا بحماسة شديدة تجاه ما يمكن أن تفعله التكنولوجيا في شركاتهم، لذا بدأنا نُصنّع المعدات بعد فترة قصيرة ودرّبناههم على طريقة استعمالها وتركيبها».
منذ ذلك الحين، تطورت الطباعة ثلاثية الأبعاد وازدهرت. تعددت الطرائق المبتكرة وسمحت الماسحات ثلاثية الأبعاد بإعادة ابتكار غرض كامل بالدقة نفسها.
كذلك يجري العمل على تطوير تطبيقات تسمح بمسح الأغراض بالهاتف الذكي وبطباعة نسخة منها. لم تعد هذه الطريقة تنطبق على البلاستيك فحسب، بل أصبحت التكنولوجيا تتماشى مع أنواع المواد كافة، حتى الشوكولاتة. في السنة الماضية، استعملت شركة الاستكشاف الخاصة SpaceX الطباعة ثلاثية الأبعاد لتصنيع محرك للصواريخ. لكن ربما تتعلّق أهم مادة على الأرجح بالخلايا البشرية. يمكن أن نطبع اليوم بدائل عن الأوعية الدموية والبشرة وأنسجة القلب، وتخضع الأعضاء المطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد لأولى التجارب العيادية. من الواضح أن هذه الابتكارات تختلف كثيراً عن الكوب الصغير الذي طبعه هال منذ 33 سنة!
المصدر : جريدة الجريدة