كان بيل دوبوك يعمل في شركة توظيف عام 2008، ويحاول أن ينتقل إلى عالم كتابة السيناريو. كان يكتب السيناريوهات في وقت متأخر من الليل، حين طرح عليه مارك ويليامز فكرة صعبة عن فيلم تشويق يتمحور حول عالم المال ويكون بطله محاسباً قضائياً سريع الكلام. لم يقتنع دوبوك بالفكرة سريعاً ولم يتشجّع على ابتكار السيناريو في المرحلة الأولى. لكن بعد التفكير ملياً بالموضوع، خطرت على باله فكرة حماسية: ماذا لو كان ذلك المحاسب مصاباً بالتوحد؟
«لطالما كنت أهتم بطريقة عمل العقل. رحتُ أتساءل: ماذا لو تمكّنتُ من بناء قصة فيها ألغاز متداخلة؟ ماذا يحصل في عقل ذلك الفرد المصاب بالتوحد؟ كيف يحلل المعلومات ويتواصل مع العالم من حوله؟»، قال بيل دوبوك.
بعد ثماني سنوات، أصبح سيناريو دوبوك اليوم ركيزة لواحدٍ من الأفلام غير المألوفة في التاريخ الحديث بالنسبة إلى شركات الإنتاج التي تكره المجازفة في هوليوود: إنه فيلم تشويق وحركة تدور أحداثه في عالم المال من بطولة محاسب قانوني معتمد مصاب بالتوحد ويتمتع بقدرات رياضية بمستوى العلماء ولديه مهارات قاتلة بقدر جايسون بورن.
في فيلم The Accountant (المحاسب) الذي أنتجته شركة »وارنر بروس«، يؤدي بن أفليك دور كريستيان وولف، محاسب في بلدة صغيرة مصاب بالتوحد ويعمل سراً لصالح منظمات إجرامية. حين يتعامل مع عميل مرموق جديد، يبدأ عملاء من وزارة الخزانة بالتقرب إليه فيجرّون المحاسب الذي يبرع في التعامل مع الأرقام أكثر من الناس إلى لعبة القط والفأر تزامناً مع ارتفاع حصيلة القتلى.
يشمل فيلم The Accountant مشاهد حركة وأحداثاً مشوّقة في القطاع المالي ودراما عائلية وقصة حب، وتتمحوّر هذه الجوانب كلها حول اضطراب عقلي نادراً ما تركّز عليه أفلام هوليوود. عموماً، لا يناسب الفيلم أياً من معايير هوليوود النموذجية ولهذا السبب تحديداً انجذب أفليك إلى المشروع.
قال الممثل الذي أنهى حديثاً تصوير فيلم الأبطال الخارقين عالي الميزانية Justice League (اتحاد العدالة) في لندن حيث يؤدي مجدداً دور »باتمان«: »لا يشكّل هذا الفيلم نسخة من Die Hard (موت قاسٍ). لن يحصل البطل على الفتاة التي يحبها في النهاية. اعتبرتُ العمل فريداً من نوعه ومفاجئاً، وبدا لي أجمل من أن يكون حقيقياً«.
سهولة التسويق
في عالمٍ سينمائي يعتبره كثيرون بعيداً عن الواقع، يتحدث أفليك عن سهولة تسويق الفيلم الذي أخرجه غافين أوكونر (اشتهر بالفيلم الدرامي عن الفنون القتالية Warrior (المحارب) في عام 2011) نظراً إلى تميّزه.
قال غريغ سيلفرمان، رئيس قسم التطوير الإبداعي والإنتاج العالمي في شركة »وارنر بروس بيكتشرز« مازحاً: »أثبتت بحوثنا في السوق أن الجمهور يتوق إلى مشاهدة أفلام عن المحاسبين«.
أوضح دوبوك الذي ورد السيناريو الخاص به على »اللائحة السوداء« لأفضل سيناريوهات لم تنتجها هوليوود في عام 2011: »إذا كنت تكتب سيناريو عن طريقة عمل شركات الإنتاج، يسهل أن تتخيل شخصاً يقول لك: »هل تستطيع ألا تجعله متوحداً بل متحفظاً بعض الشيء؟«، وهل تريد أن تتحدث عن مجال المحاسبة فعلاً؟ لا يبدو الموضوع جاذباً جداً. هل يمكن أن نغيّر مجال العمل؟«.
لكن يقول أوكونر إن شركة الإنتاج لم تتجنّب يوماً العناصر غير التقليدية أو التحوّلات السردية الغريبة وغير المتوقعة في الفيلم: »لم يحاولوا مطلقاً أن يتلاعبوا بالنص أو يغيروا ملامحه«.
دور البطولة
لطالما قدّمت هوليوود شخصيات تحمل إعاقات جسدية وعقلية متنوعة كأبطال في الأفلام. لكن باستثناء بعض الأفلام البارزة مثل Rain Man (رجل المطر) في عام 1988 وفيلم التشويق والحركة Mercury Rising (ظهور الزئبق) في عام 1998 وفيلم الكوميديا الرومانسية Adam في عام 2009، نادراً ما أدت الشخصيات المتوحّدة (مقابل شخصيات غريبة بكل بساطة أو مضطربة اجتماعياً) أدوار البطولة وشكّلت محور الأفلام الرائجة.
قال أوكونر الذي وافق على إخراج الفيلم بعد فشل المفاوضات مع ميل غيبسون لإخراج العمل وويل سميث لأداء دور البطولة: »شاهدنا شخصيات لديها درجة بسيطة من التوحد ولكنها لم تظهر في هذا النوع من الأفلام أو في هذا النوع من الحبكات«.
قام دوبوك ببحوث موسّعة عن التوحد حين كان يكتب السيناريو وقد استكمل أفليك وأوكونر البحث عبر مقابلة عدد من الخبراء والأشخاص النشطاء في عالم التوحد حرصاً على تجسيد حالة وولف بدقة وواقعية.
قال أفليك: »كنت أحمل أفكاراً ساذجة بشأن التوحد. لا أعرف أي مصاب به عن قرب. لكني اكتشفتُ طيفاً واسعاً من شخصيات مختلفة ومتنوعة بقدر الناس الآخرين. وعلمت أنه لا يعني أن يقوم الشخص بمجموعة محددة من السلوكيات. كانت التجربة مدهشة ومؤثرة لأن الناس أرادوا أن يقدموا المساعدة بصدق لسرد قصة بطلها متوحّد«.
إشادة وانتقاد
تعترف آنا كيندريك التي تشارك في بطولة الفيلم بدور محاسِبة مبتدئة تصادق وولف بأنها شعرت بالقلق في البداية بشأن قدرة الفيلم على تجسيد التوحّد بطريقة دقيقة وصادقة: »ابن صديقتي مصاب بالتوحد لذا شعرتُ بقلق شديد قبل إخبارها بأنني سأشارك في فيلم عن هذا الموضوع وقد أخطئ في فهم الحالة. لكنها قالت لي: »سأخبرك أمراً قاله لي شخص حين شُخّص المرض لدى ابني: حين تقابلين طفلاً متوحداً، يعني ذلك أنك قابلتِ طفلاً واحداً. لا يمكن أن تتوقعي منه سلوكيات محددة. كل شخص مختلف عن غيره«.
في عالم التوحد، قوبل تجسيد المرض في عمل ترفيهي بالإشادة والانتقاد في آن واعتبر البعض أن هوليوود تجسّد أي اضطراب معقد ومتنوع على شكل قوة خارقة وغريبة في معظم الأحيان. لكن يقول أوكونر وأفليك إن التعليقات التي تلقّياها حتى الآن كانت إيجابية في مجملها.
يتابع أوكونر: »عرضنا الفيلم أمام بعض المسؤولين من منظمة Autism Speaks (التوحد يتحدث) وبعض المنظمات والمؤسسات الأخرى المرتبطة بالتوحد. أردنا أن ننجح في الاختبار أمامهم ونتأكد من مصداقية العمل، وتلقّينا ردوداً مدهشة منهم. إنه وضع إيجابي جداً. لكن لا مفر من أن يعارضنا البعض. هكذا هو الوضع على مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت اليوم«.
المصدر:جريدة الجريدة
بقلم: جوش روتنبيرغ