أثبتت الحمية الغذائية الخالية من الكازين والجلوتين Casein and Gluten Free Diet فعاليتها في مساعدة الأطفال من ذوي التوحد ، وذلك لأن عدم تحمل ذوي التوحد لمادة الكازيين (الجبنين) والجلوتين (الغروين) هي إحدى النظريات التي تفسر التوحد وهي مرتبطة بنظريات أخرى ذات علاقة مؤثرة، خاصة ما يحدث في اضطرابات داخل المعدة والدماغ لدى الشخص من ذي التوحد، وهذه النظريات هي:
- نظرية زيادة الأفيون المخدر لدى الأشخاص ذوي التوحد Opioid Excess
- نظرية منفذية أو تسريب الأمعاء Intestinal Permeability
- نظرية عملية الكبرتة Free Sulphate
وهناك العديد من الدراسات التي توضح ترابط هذه النظريات بالتوحد، فنظرية زيادة الأفيون المخدر لدى الأشخاص ذوي التوحد هي إحدى النظريات المعقدة التي وضعها البروفيسور جاك بانكسيب Jack Panksepp من جامعة جرين بولينج عام 1979م.
- الكازيين (الجبنين Casein) هو البروتين الأساسي في الحليب ويوجد أيضاً في مشتقات الحليب.
- الجلوتين (الغروين) هو مادة لزجة تتكون أثناء عجن الحنطة وتوجد في الشوفان والشعير والجاودار (Bran & Barley, Oat, Wheat) أو بمعنى آخر، هو البروتين الموجود في الحنطة ومشتقاتها.
بالنسبة للأطفال ذوي التوحد، فإنهم لا يقومون بهضم هذه البروتينات في عملية الاستقلابات، ولذلك تكون هذه البروتينات مضرة لهم. وقد أضاف إليها كل من الدكتور ريتشيلد عام 1981 والدكتور بول شاتوك Paul Shattock مدير وحدة أبحاث التوحد بجامعة سندرلاند في بريطانيا عام 1991 م.
وتنص هذه النظرية أن لدى الأشخاص ذوي التوحد زيادة في مادة الأفيون المخدر Excess Opioid دون استخدام الأفيون! ولإيضاح ذلك هناك ثلاث مستقبلات تتعامل مع المخدر في المخ وهي (دلتا وميو وكابا) فإذا زاد المخدر عند الطفل تنتج عنه تصرفات لا تحمد عقباها، وسنتطرق له لاحقاً.
إذن، كيف تحدث زيادة الأفيون عند الأشخاص ذوي التوحد؟ وما هو مصدرها؟ وكيف يزيد المخدر عندما يصل إلى المخ؟ وما هي نتائج هذه الزيادة؟
لقد أجريت دراسات خاصة بتحليل عينات بول 5000 حالة توحد، ووجد أن هناك مركبات مورفينية أو شبه أفيونية مخدرة لدى أكثر من 80% من الأشخاص ذوي التوحد! فما هي هذه المواد المخدرة؟ هذه المواد هي:
- كازومورفين Casomorphin
- جليوتومورفين Gluetumorphin
ومصدر هذه المواد شبه الأفيونية هو:
- الحليب، حيث يكون بيبتايد يسمى الكازومورفين Casomorphin
- الحنطة والشعير والشوفان والجاودار Barley, Bren, Oat, Wheat حيث يكون بيبتايد يسمى الجليوتومورفين.
وهذه المواد عبارة عن بروتينات نتجت عن عدم هضم الكازيين والجلوتين بطريقة فعالة لدى الأشخاص ذوي التوحد وبالتالي أصبحت ذات مفعول أفيوني مخدر، وقد وجدت في قراءات تحاليل بول الأشخاص ذوي التوحد، كما وجدت هذه المركبات في الدم، ويفسر ذلك نظرية منفذية أو تسريب الأمعاء Intestinal Permeability أو إصابة الأشخاص ذوي التوحد بمتلازمة الأمعاء المسربة Leaky Gut Syndrome وهو ما أجمع عليه الباحثون والعلماء.. العالم الين فريدمان Alen Fredman من شركة جونسون أند جونسون أكد وجود هذه المواد الشبه مورفينية أو ذات الطابع الأفيوني، وأضاف بأن هناك مركبين آخرين وجدا في قراءات تحاليل بول الأطفال الأشخاص ذوي التوحد هما:
- ديلتورفين (موجودة فقط تحت الجلد في ضفدع السهم السام فى أمريكا الجنوبية).
- ديرمورفين (موجودة فقط تحت الجلد في ضفدع السهم السام في أمريكا الجنوبية).
هاتان المادتان المورفينيتان تفوق قوتهما الهيروين والمورفين المخدر بـ 2000 مرة! وحيث أن جميع هذه المواد الشبة مورفينية قد تسربت عن طريق الأمعاء المرشحة Leaky Gut والتي ربما كانت السبب وراء تسريب هذه الأمعاء هو قصور أو عجز في الأنزيمات والذي بدوره يضعف الطبقة المبطنة لجدار المعدة، وهذا يفسر نظرية عملية الكبرتة لدى الأشخاص ذوي التوحد، فتدخل هذه المركبات الأفيونية المخدرة إلى المخ وتخترق الحاجز الدموي الدماغي وتتعامل مع مستقبلات المخ فيصاب الشخص من ذوي التوحد بالأفيون المخدر، وهذا أيضاً يفسر نظرية زيادة الأفيون لدى الأشخاص ذوي التوحد حيث أن هذه المواد المخدرة إما أنها تسبب التوحد أو تزيد من أعراض التوحد، وعند مقارنة هذا الوضع مع من يتعاطى المخدرات أو يعتاد على التعاطي أي يصبح مدمناً نلاحظ عليه المظاهر التالية:
- عدم الشعور بالألم.
- فرط الحركة أو الخمول.
- السلوكيات الشاذة.
- عدم التركيز أو شرود الذهن.
- الكلام بطريقة غير سوية مع اختلال في نبرات الصوت.
- الروتين النمطي والسلوك المتكرر.
- الانطواء على الذات.
- اضطراب في عادات النوم.
ومعظم هذه المظاهر تنطبق على الأشخاص ذوي التوحد وتكون واضحة في التوحد التقليدي Classic Autism والأشخاص ذوي التوحد من ذوي الكفاءة الأقل (Low Functioning)، ولذلك يجب على أسرة الشخص من ذوي التوحد أو من يقومون برعايته مراعاة التغذية التي تعتمد على المواد المشار إليها وتجنب إطعام أبنائهم وبناتهم ذوي التوحد هذه البروتينات الضارة.
وربما يتساءل الأهل وتتساءل الأسرة بأن هناك أشخاصاً من ذوي التوحد يأكلون هذه البروتينات ولم تسبب لهم أي ردود أفعال reactions أو لم تزد في أعراض التوحد لديهم؟ إن الرد على ذلك يشير بأن هناك أشخاصاً من ذوي التوحد لم يؤثر عليهم البيبتايد الأفيوني Opioid Peptides لأن تسريب الأمعاء (Intestinal Permeability) لهذه المواد لديهم قليل جداً وبالتالي الكمية التي توجد في الدم من الكازومورفين والجليوتومورفين لا أهمية لها ولا تأثير لها على المخ.
إذن، كيف تتم الرعاية الأسرية؟ وما هي الخطوات التي يجب أن تتبعها؟ وهل هناك فترة حرجة Critical Period للطفل التوحدي؟ وما هي مظاهر التحسن لدى الطفل من ذوي التوحد؟
إن ما يجب عمله من قبل الأسرة هو:
- تحليل بول للمصاب بالتوحد (اختياري Urine Peptides Test)
- إعلام من يتعامل مع الشخص ذي التوحد سواء في المنزل أو المدرسة و / أو كل فرد يتعامل معه، بأنه سيخضع لحمية خالية من الكازيين والجلوتين وشرح ما ذكر أعلاه لهم.
- مراقبة وتدوين سلوكيات الشخص ذي التوحد قبل بدء الحمية وأثناءها.
وقد يتساءل الآباء والأمهات: هل يتم البدء بهذه الطريقة مرة واحدة أو على مراحل؟
الواقع أن البداية تتم عن طرق إزالة الحليب ومشتقاته من الطعام الخاص بالطفل ذي التوحد فإذا لوحظ التحسن لا تقدم الحنطة والشعير والشوفان والجاودار في غذائه.
ويتساءل بعض أولياء الأمور: هل سيستمر ابني مدى حياته على الحمية؟
نعم، ويجب أن تكون الحمية صارمة جداً دون تهاون بدواعي الشفقة والرحمة على الطفل، حيث ستكون هناك أثار سلبية في حالة الإخلال بالحمية..
- وتعتبر المرحلة الحرجة Critical Period من 14 إلى 21 يوماً من بداية الحمية، حيث تشير تجارب أولياء الأمور إلى حدوث نكسة لأبنائهم من ذوي التوحد تتلخص بما يلي:
- التعلق والعاطفة المتزايدة.
- البكاء والأنين.
- الخمول والكسل.
- ازدياد مرات التبول والتبرز.
- الألم والتألم.
ويرجع الباحثون حدوث هذه النكسة إلى انقطاع مادة البيبتايد الأفيوني (Opioid Peptides) عن الجسم، وتعتبر هذه العلامات ايجابية للغاية، ولذلك يجب الاستمرار في الحمية.
ولإيضاح ذلك فإن الكازيين يمكن إزالته من الجسم خلال أسبوعين، بينما إزالة الجلوتين تحتاج فترة تتراوح ما بين خمسة إلى سبعة أشهر قبل أن يتم التخلص منها نهائياً في الجسم، وعوداً إلى النكسة نجد أنها علامة جيدة، وحيثما تم ذكر ذلك سابقاً فإن إبعاد هذه المواد المخدرة، يعتبر بمثابة العلاج لإنسان (مدمن)، ذلك أن الشخص من ذوي التوحد عندما يكون قريباً جداً من والديه أو ممن يقومون برعايته يبحث عن الكازيين والجلوتين اللذين تم ابعادهما عنه لتحسين حالته، فإنه في حالة الإخلال أيضاً بالحمية، ستكون هناك ردود فعل عكسية مرحلية تنتهي ما بين 12 ـ 36 ساعة، حسب الكمية التي تناولها الطفل من الجلوتين أو الكازيين إذا تم التعرف على مصدرها وضبط الحمية من جديد، وتتلخص ردود الأفعال في:
- النشاط المفرط Hyperactivity
- السلوك العدواني
- سلوك الهلوسة
- أحياناً الطفح الجلدي
- اضطرابات في حركة المعدة
لهذا، من الأهمية بمكان أن تكون الحمية صارمة للغاية.
أما بالنسبة لعلامات التحسن التي ستطرأ على الشخص ذي التوحد، فهي كالتالي:
- ازدياد معدلات التركيز والانتباه
- يصبح أكثر هدوءاً واستقراراً
- انخفاض معدل السلوك العدواني وسلوك إيذاء الذات
- تحسن في عادات النوم
- تحسن في الاتصالات الشفهية وغير الشفهية
- تحسن في التناسق الجسدي
- تحسن في عادات الطعام (أي أن التوحدي سيتناول أطعمة جديدة لم يتناولها من قبل).
هذا، ومن المعروف أنه لا توجد ضمانات بحدوث النتائج المتوقعة لكل طفل من ذوي التوحد يطبق الحمية، لذلك، فإن الهدف المنشود هو إعطاء أولياء الأمور الأمل في علاج أطفالهم من ذوي التوحد عن طريق التدخل العلاجي بالحمية الخالية من الكازيين والجلوتين.
لهذا، يجب على أولياء الأمور الاستعانة بأخصائيي التغذية المعتمدين قبل تغيير طعام أبنائهم من ذوي التوحد، وذلك لعمل قوائم طعام تتناسب والحاجة الغذائية للفرد في اليوم الواحد.
المراجع
- نظريات التوحد لغير المختصين Lewis Mehl-Madorna
- التوحد كاضطراب أيضي Paul Shattock & D. Savery اصدارات وحدة أبحاث التوحد بجامعة سندرلاند ـ بريطانيا.
- الخطوات العملية لتطبيق الحمية الغذائية الخالية من الكازيين والجلوتين للتوحد والاضطرابات المصاحبة Paul Shattock & D. Savery اصدارات وحدة أبحاث التوحد بجامعة سندرلاند ـ بريطانيا.