لابد لأحدنا أن سبق له و شاهد طفلاً معاقاً يستعين على مشيته بعكازته التي أصبحت رفيقة له قبل الأوان،
لقد ذبلت إبتسامة هذا الصغير وتعكر صفو وجهه، وفي مقابل هذه الصورة ترتسم في المخيلة لوحة أخرى لطفل غير معاق علت ضحكاته يركض ويقفز ويلعب ويسبح، يعيش طفولته بسعادة، فما الفرق بين الصورتين؟؟، إنها نقطتان من لقاح شلل الأطفال.
يفوق عدد الأمراض الوراثية الستة آلاف داء، وهي تحدث إصابات وإعاقات مختلفة، لذلك، فإن نظرتنا لتلك الأمراض يجب أن تكطون كنظرتنا لغيرها، فالبلاء الوراثي رغم أن له كينونة خاصة إلا أنه يشبه باقي الأمراض من حيث وجود آلية سببية وطرق للوقاية منه ووسائل تساعدنا في الحد من خطره وكذلك تدبيره.
درهم وقاية خير من قنطار علاج
ينطبق ذلك أيضاً على الأمراض الوراثية، وبموضوعية أقول: إن الحد من حالات الزواج بين الأقارب ربما يكون حجر الزاوية في هذا المضمار، فزواج الأقارب يزيد من احتمالات تلك الأمراض بشكل غير مقبول، كما أن الإقلال من حالات هذا الزواج سيؤدي لإبعاد شبح العديد من الأمراض أو على الأقل الحد من نسبة حدوثها، وهذه النتائج الحميدة ستظهر على المدى البعيد إن شاء الله.
إن القيام بالإستشارة الوراثية قبل الزواج وتنظيم البطاقة الصحية للمتزوجين يعتبر عملاً طيباً، وكذلك فإن وسائل التشخيص المبكر الحديثة قد ساعدتنا كثيراً في كشف الأمراض وبالتالي تقديم العلاج في الوقت المناسب لمنع تفاقم المرض وترقي مصائبه، وكذلك أصبحت تعلمنا عما يمكن أن يتطور إليه المرض وبالتالي إتخاذ الإحتياطات المناسبة.
إن هذه الوسائل قادرة أحياناً على كشف حالة حملة المرض دون الإصابة به، وعلى هذا يقوم مبدأ تخفيف الإصابات بالحد من زواج الأشخاص الحملة للمرض من بعضهم.
إنها مسؤولية الجميع
الوقاية من الأمراض الوراثية همّ مشترك يجب أن يتقاسمه الفرد والأسرة والمجتمع والدولة، وكثيرة هي البلدان التي جعلت من بعض الأمراض الوراثية قضية وطنية واستطاعت حل العديد من المشاكل الناجمة عن تلك الأمراض، فسردينيا أعلنت أن نسبة مرض انحلال الدم من نوع البيتاتلاسيميا قد انخفضت لديها إلى العشر، أما الولايات المتحدة فإنها فخورة بانخفاض حالات داء تاي ساكس إلى العشر أيضاً.
إن الأمر بحاجة لدراسات مستفيضة لتحديد الأخطار المرضية المحدقة ومن ثم مناقشة سبل تلافيها والوقاية منها أو من تطوراتها حيث حدوثها لا سمح الله.
تداووا عباد الله
المرض قدر ومهما تفنّنا في سبل الوقاية فإنه قد يظهر، وعندئذٍ نستدعي الطب وتقنياته الحديثة عله يزودنا بالحل، إن العلاج بالتأكيد ليس واحداً لكل الأمراض الوراثية، بل يختلف بتنوع هذه الأمراض التي تعد بالآلاف، كما أن التدبير يختلف باختلاف المريض رغم تشابه المرض فلكل مريض حالته الخاصة وظروفه الصحية والإجتماعية والثقافية والأسرية التي تختلف عن غيره، والعلاج إن كان ممكناً فعلينا البدء به باكراً ، فكثير من هذه الأمراض مترقٍ تزداد حدته مع الأيام وعلينا أن نفتك به قبل أن ينال منا، ويجب منذ البداية أن نضع خطة علاجية متكاملة تعدل وتكيف حسب تطور الحالة المرضية.
العلاج
والآن نأتي لسرد علاجات يطول شرحها سنمر عليها مرور من يبغي الذكرى التي تزرع الأمل:
-
الحمية:
هناك الحمية الخاصة المناسبة وهي علاج لأمراض خطيرة كالأمراض الإستقلابية، إن هذه الحميات عبارة عن برامج غذائية متكاملة خاصة ببعض الأمراض وتتعلق هذه البرامج بنوعية الغذاء وكميته وكذلك نظام إعطاء الوجبات.
-
الدواء:
قد ينفع الدواء في بعض الأمراض التي تصيب أعضاء معينة أو تؤدي لاضطراب في مادة ما في الجسم، وكذلك يلزم الدواء النوعي وبسرعة عند تعرض ضعاف المناعة للإنتانات، إن الأدوية العصبية ومضادات الإختلاج كثيراً ما نحتاجها، وهناك أدوية تكافح أعراض المرض ليس إلا ولكنها تقدم الكثير من الراحة للمريض.
-
هل يصل الأمر لدرجة الإسعاف؟
نعم، فقد يراجع المريض بحالة إسعافية في بعض الأمراض الوراثية ويتطلب علاجه إعطاء السوائل عبر الوريد وإصلاح اضطرابات الأملاح والشوارد في الدم وإعطاء أدوية معينة، وقد يتطلب الأمر تبديل الدم أو إجراء الرحض (التحال) البريطواني.
-
نقل الدم:
قد يصبح ذلك ضرورة، كما في حالات أمراض انحلال الدم الشائعة.
-
للجراحة دورها:
وذلك في إصلاح ما يمكن إصلاحه من تشوهات ناجمة عن مرض ما.
-
زراعة الأعضاء.. حل أحيانا:
إن الزروع وقد كثرت الآن من زرع لنقي العظم إلى زرع الكبد إلى زرع القلب والرئة والكلية وغيرها قد أضحت علاجاً للكثير من هذه الأمراض.
-
المعالجة الفيزيائية:
يجب ألا ننسى دورها في تحسين الحالة وإعادة تأهيل المصاب.
-
الأجهزة الحديثة والوسائل التعويضية:
إن الأجهزة الإلكترونية وغيرها والتي تتطور كل يوم وتساعد في وظائف الأعضاء قد تلزمنا أيضاً.
-
الهندسة الجزيئية:
لقد قدمت هذه الهندسة خدمات جليلة، فبواسطتها تم تصنيع الأنسولين وكذلك هرمون النمو الضروريين في داء السكري الشبابي والقزامة النخامية على التوالي.
-
الطب في تقدم مستمر
إن الأبحاث العلمية الحديثة تتجه لطرق يتم بواسطتها إدخال مورثات سليمة لخلايا عليلة ومن ثم إرجاع هذه الخلايا لصاحبها، ومن الأمثلة عليها إخراج طلائع كريات الدم الحمر المريضة من النقي ومن ثم إدخال المورثة السليمة لها وبعد ذلك إعادتها لنقي (نخاع) العظم، ولكن يجب القول أنه بالإمكانات التقنية الحالية لا زالت هذه الطرق محفوفة بالمخاطر التي قد تعرض الإنسان للخطر وقد تتأذى الخلية التي ندخل لها المورثة السليمة وقد تموت وقد تفقد هذه المورثة عند تكاثر وإنقسام تلك الخلية، كما أنه قد تؤدي المورثة لتوليد مورثات طافرة أو مولدة للأمراض الخبيثة (السرطانات)، إن التقنيات التي بين أيدينا رغم رصدها لمكان الكثير من المورثات وتركيبها إلا أنها لم تمكنا بعد من ضبط المكان الصبغي الدقيق لهذه المورثة أو تلك وبما أن هذه الأخطار موجودة بالنسبة للإنسان فالقضية بالتأكيد أكبر وأخطر عندما نحاول تطبيقها على الجنين في بطن أمه.
قد يكون العلاج صعباً
حقاً، لابد من القول أن هناك أمراضاً وراثية أعيت من يداويها، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وسلاحنا على الدوام هو الصبر على كل مكروه والتسليم بقضاء الله سبحانه، وأن نحمد الله في كل لحظة على نعمه التي أبقاها لنا والتي لا تعد ولا تحصى.
في الختام النصيحة
إن العوائل التي قد يظهر ما يقلقها من وفيات أجنة وأمراض مزمنة متشابهة لابد لها من الدراسة الوراثية، وهذه الأسر يجب أن يكون لها سجلها الطبي في عيادات خاصة بذلك حيث أن الإتجاهات العصرية هي إيجاد مراكز متخصصة بالأمراض الوراثية وتؤدي خدمات متكاملة من التشخيص إلى العلاج إلى إعطاء طرق الوقاية والإستشارات الوراثية ودراسة القضية من أبعادها المختلفة الصحية والإجتماعية وغير ذلك، وذلك في المراحل منذ ما قبل الزواج وحتى ظهور البراعم ومن ثم تتم متابعة من تلزمه المتابعة.
إن ديننا الحنيف يحثنا على الوقاية كما أنه يحضنا على العلاج ويأمرنا بالتفكير والبحث المستمر وإن عجزت وسائل الحضارة عن تقديم الحل فإن الإيمان يعطينا ما يجعل النفس راضية رغم آلام الجسد.