يقول سبنسر إن الحيوانات تتكيف مع البيئة من حولها بغرائزها، أما الإنسان فإنه يتكيف مع البيئة بالذكاء ويرى أن الإنسان يتكيف مع بيئته المعقدة ودائمة التغيير من خلال الذكاء. (سليمان الخضيري، 1990).
إذن، الإنسان يتكيف مع بيئته ويتعامل مع من حوله ويحكم على الأمور ويميزها بذكائه، ويكتسب عادات جديدة وسلوكيات بشكل أسرع بذكائه، ولذلك تجد أن ذوي الذكاء المرتفع يكتسبون العادات ويتعلمون المهارات بشكل أسرع. إذن الذكاء شيء مهم في حياة الإنسان وإذا شئنا إعطاءه القيمة الحقيقة فنقول إنه شيء مهم لكي يحيا الإنسان بمقومات تساعده على التفاعل بكفاءة مع بيئته.
كلمة ذكاء Intelligence جاءت من الكلمة اللاتينية Intelligentia والتي أضافها الفيلسوف الروماني شيشرون.
وقد مرت دراسة الذكاء الانساني بتطورات في قياسه ومعرفة ماهيته وكيف نفرق بين الناس في الذكاء تبعا لمقاييس تبدأ بدرجات ولها متوسطات ومتى نقول إن هذا منخفض الذكاء أو معاق عقلياً وإن هذا متوسط الذكاء وهذا مرتفع الذكاء، وقد بدأت الحركة القياسية للقدرات العقلية وخصوصا الذكاء من فرانسيس جالتون وستانفورد بينيه في القرن التاسع عشر الذي أسس أول مقياس باسمه في عام 1905 يعتبر إلى الآن أشهر المقاييس لقياس نسب الذكاء وتحديد من خلال النسب منخفض ومرتفع ومتوسط الذكاء.
وقد مر هذا المقياس بمراحل عديدة وتقنين إلى أن وصل إلى النسخة الحالية التي تسمى النسخة الحالية من مقياس ستانفورد بينيه وهى النسخة التي قننها الدكتور صفوت فرج أما كلمة ستانفورد التي أضيفت إلى اسم المقياس فهي أضيفت للمقياس بعد إضافة بينيه ومن ثم تقنينه في جامعة ستانفورد وظل بهذا الاسم إلى يومنا هذا.
وأيضاً تطور القياس العقلي مروراً بــ «غودارد» و«يركز» و«تيرمان» وقد اهتم الأخير بالعلاقة بين الوظائف التي يشغلها الناس وقدراتهم العقلية ولفت أنظار البحث العلمي آنذاك إلى أن كل مهنة تتطلب قدرات عقلية تناسبها.
وعلى هذا الأساس بدأ تيرمان بوضع نسب الذكاء الضرورية للنجاح في المهن المختلفة.(محمد طه، 2006).
وقد وضع غيرهم من العلماء بصمة في تطور القياس النفسي للقدرات العقلية، وساعد هذا التطور في القياس العقلي إلى الوصول لمقاييس مضبوطة لمعرفة الإعاقة العقلية أو ضعف الذكاء ولأن الإعاقة العقلية أنواع ومنها النوع البسيط الذي قد يصعب تمييزه بسهولة فقد كانت مقاييس الذكاء أداة هامة للتعرف على كل هذه الأنواع إضافة إلى التقسيمات نفسها التي تمت فيما بعد بناء على درجات الذكاء على هذه المقاييس والتي سيرد ذكرها فيما بعد.
ولو أردنا الحديث عن الإعاقة العقلية فعلينا أن نعرف أولاً ما هو الذكاء لنصل تدريجياً إلى الإعاقة العقلية التي لا يمكن معرفة ماهيتها بدون معرفة ما هو الذكاء:
عرف شتيرن Stern الذكاء بأنه القدرة العامة على التكيف العقلي مع المشاكل ومواقف الحياة الجديدة.
وعرف كلفن Colvin الذكاء بأنه القدرة على التعلم.
وعرفه كهلر Kohler بأنه القدرة على الاستبصار، أي القدرة على الإدراك (أو الفهم) الفجائي بعد محاولات فاشلة تطول أو تقصر.
فيما عرفه وكسلر بأنه القدرة الكلية لدى الفرد على التصرف الهادف، والتفكير المنطقي، والتعامل المجدي مع البيئة .
قد تلاحظ أن التعريفات الآنفة إما ذكرت أن الذكاء هو قدرة الإنسان على التكيف والتعامل مع البيئة التي يعيش فيها وما يواجهه من مشكلات أو مواقف عادية تتطلب تصرفاً ما، أو أنه قدرة على التعلم واكتساب الخبرة من المواقف التي يمر بها الفرد وتتطلب أن يتعلم كيف ينظف نفسه ويعتني بها،.. كيف يأكل ويشرب ويعامل من حوله.
إذن كيف هو حال من ضعف ذكاؤه أو قل بكثير عن المتوسط أو السائد بين الناس! بالتأكيد سوف تتأثر حياته تأثراً شديداً وسوف تصبح الحياة شديدة التعقيد بالنسبة له،.. مسألة الأكل تتطلب مجهودا ذهنياً أكبر من العادي وتصل إلى أن تصبح مسائل في غاية البساطة مثل الأكل أو الشرب أو الذهاب إلى الحمام من أصعب المشاكل وأكثرها تعقيدا في حياة هذا الشخص ويتحول معها سلوك معتاد كارتداء الملابس إلى مشكلة حقيقية تواجه هذا الشخص.. ما الذي يجب أن يرتديه هل يرتدي فستاناً أم يرتدي بزة وما الفرق بينهما! هل يرتدي البنطال فوق الجلباب! وما الذي يحدث لو لم يرتد ملابس أصلاً!!
نعم، إنه يرى الناس يرتدون ملابسهم لكنه لا يدرك لماذا يلبسونها أو أنه لا يدرك أو يستطيع أن يفهم كيف يفعلون هذا الشيء الصعب.
لقد قصدت أن أذكر أبسط الأشياء وكيف تصبح معقدة عند من لديه إعاقة عقلية شديدة وتأخر عن أقرانه في المستوى العقلي المناسب لعمره، حيث تجد مثلاً طفلاً عمره عشر سنوات ولكن مستوى ذكائه يعادل ذكاء طفل عمره ست سنوات أو قد تجد مراهقاً من ذوي الإعاقة العقلية عمره تسع عشرة سنة ولكن عمره العقلي يعادل عمر طفل في الثانية عشره من عمره.
ولكن ما هو تعريف الإعاقة العقلية لكي نعرف أبعادها ولا نخلط بينها وبين غيرها من الأمراض ونحدد طرق التعامل معه وبعد التعريفات سنتناول طرق إكساب السلوك أو بمعنى أخص إكساب مهارات اجتماعية لذوى الإعاقة العقلية وتعديل السلوكيات ليس هذا فقط بل إحلال سلوكيات أخرى ايجابية محلها وسنذكر أهم التعريفات وهي كالآتي:
عرفت منظمة الصحة العالمية الإعاقة العقلية بأنها حالة من توقف أو عدم اكتمال نمو العقل الذي يتصف على وجه الخصوص بقصور في مستوى المهارات التي تظهر أثناء مراحل النمو والتي تسهم في المستوى العام للذكاء أي المهارات المعرفية واللغوية والحركية والاجتماعية وقد تحدث الإعاقة العقلية مع أو بدون اضطراب نفسي أو جسمي آخر, ولكن الأفراد المعاقين عقلياً قد يصابون بكل أنواع الاضطرابات النفسية, بل إن معدل انتشار الإضطرابات النفسية الأخرى بين المعاقين عقلياً يبلغ على الأقل من ثلاثة إلى أربعة إضعافه بين عموم السكان، وبالإضافة إلى ذلك فإن الأفراد المعاقين عقلياً يتعرضون بدرجة أكبر لمخاطر الإستغلال والإعتداء الجنسي والجسمي ويكون السلوك التكيفي Adaptive لديهم مختلا دائما, ولكن في البيئات الإجتماعية التي تكفل الوقاية والتي يتوفر فيها الدعم لهم, قد لا يكون هذا الإختلال ظاهراً مطلقاً وخصوصاً لدى الأشخاص من ذوي الإعاقة العقلية البسيطة.
(تقرير منظمة الصحة العالمية، 1999 صفحة 238).
وما يلفت النظر في هذا التعريف أن منظمة الصحة العالمية أعطت بداخل تعريف الإعاقة العقلية وشدتها الأمل في التعامل الفعال مع أصحابها وفتح الطريق للتعامل الصحيح مع الإعاقة العقلية وأن الشخص المعاق عقلياً يمكن أن يتقبله المجتمع ويساعده في توفير فرص التأهيل والتعامل العلمي الصحيح مع سلوكياته وإكسابه المهارات التي يحتاجها وفهم ذلك يعتبر خطوة هامة للوصول بالشخص المعاق عقلياً إلى أن يكون شخصاً منتجاً وليس عالة على المجتمع ولا حق له في الحياة.
أما الجمعية الأمريكية للطب النفسي فقد عرفت الإعاقة العقلية بأنها اضطراب يتميز بانخفاض ملحوظ في القدرة العقلية العامة (على معدل الذكاء يتراوح معدل ذكائهم من 70 فأقل) ويظهر قبل الثامنة عشرة ويصاحب ذلك صعوبات أو عجز في وظائف التكيف ويقسم إلى إعاقة عقلية بسيطة ومتوسطة وشديدة أو عميقة وشديدة جداً.