ابتلاء من الله أصابهم دون سابق إنذار وبلا أسباب، اللهم لا اعتراض، تقبلوا برضاء إرادة الله وتحملوا معاناة أن تكون فلذة كبدهم التي يرجونها من الدنيا معاقا بسبب مرض عقلي أو سلوكي يتطلب علاجه سنوات طويلة.
القبس تحدثت إلى أولياء أمور أطفال التوحد وغيرهم ممن يعانون اضطرابات عقلية وسلوكية باعتبارها أصعب الإعاقات، كشفوا لنا معاناتهم التي استمرت وستستمر لسنوات طويلة من العلاج المكلف، يستصرخون المسؤولين اخفاق جهات الدولة الذي دفعهم ليقعوا فريسة للمراكز العلاجية الخاصة التي استنزفت أموالهم وآمالهم في الشفاء الذي بيد انه سراب صعب المنال، حبهم لأبنائهم سهل عمليات النصب عليهم من قبل هذه المراكز التي باعتهم الوهم، هذا وذاك زاد عليه نظرة المجتمع السلبية نحو ذوي الاعاقات ما صعب عليهم العيش والاندماج في المجتمع كغيرهم من الاسوياء.
عدد من المختصين والمشرفين على هذه الحالات أوضحوا لـ القبس حقائق الأمور وطرق العلاج الصحيح، والمطلوب من جهات الدولة المعنية للتخفيف من آلام هذه الأسر، ليندمج أبناؤهم في المجتمع كغيرهم من الأسوياء.
بداية قالت ام عبدالله وهي ام لثلاث أبناء أكبرهم بالغ من العمر 6 سنوات يعاني ما يسمى بـ«أطياف توحد» انها لم تعرف حتى الآن سبب المرض الذي اجمع الأطباء انه ليس وراثيا ولا بسبب خطأ طبي مرجعين ذلك إلى العوامل البيئة دون تحديدها، مشيرة إلى أن طفلها كان طفلا طبيعيا يلفظ لسانه بعض الكلمات بالعربية والإنجليزية حتى عمر سنتين ونصف السنة حين بدا عليه التغير وانقطع عن التواصل وعدم القدرة على الكلام.
رحلة الألم
منذ ذلك الوقت بدأت ووالده رحلة أليمة مع العلاج صادفا خلالها العديد من المعوقات والقصور من قبل أجهزة الدولة المعنية ما اضطرهما إلى اللجوء للمراكز الخاصة التي تعرضا فيها ــ والكلام مازال على لسان ام عبدالله ــ لعمليات نصب بعد ان دفعا مبالغ طائلة من دون فائدة، مشيرة إلى ان طبيبة في احد المراكز العلاجية غشتها على حد قولها، حيث كانت توكل مهامها العلاجية إلى عماله فلبينية غير متخصصة، مؤكدة إنها اكتشفت خلال رحلة علاج ابنها ان العديد من المراكز غير مرخص ويقوم عليها أطباء غير مؤهلين.
رقابة الدولة
وتساءلت أم عبدالله في مرارة أين رقابة الدولة على هذه المراكز التي تقدم خدمات علاجية ودورات وكورسات وهمية مقابل مبالغ طائلة مستغلين حبنا لابنائنا ومحاولة التخفيف عنهم حتى لو كلفنا ذلك آخر فلس نملكه، مؤكدة انه لولا تقصير الدولة لما وجد هذا الكم من المراكز الخاصة التي تقدم ما لا تقدمه الدولة.
وحول المراكز المتخصصة التابعة للدول أو جمعيات النفع العام قالت ام عبدالله انها محدودة الخدمات مزدحمة بالمرضى ولا مجال فيها لقبول حالات جديدة الا بعد فترات طويلة من الانتظار، كما ان بعضها يستقبل حالات من البالغين فقط.
مبالغ باهظة
وأشارت إلى وجود بعض المراكز الخاصة القليلة المعترف بها التي تقوم على تأهيل الأطفال المعاقين قبيل التحاقهم بالتعليم الأكاديمي والسلوكي، إلا إنها تضع شروطاً تعجيزية وتطلب مبالغ كبيرة تصل إلى 1600 دينار في الشهر الواحد، مشيرة إلى أن الدولة لا تدعم تكاليف الالتحاق بهذه المراكز إلا بعض الفئات كأبناء الوزراء وأبناء العاملين في شركات النفط وبعض القطاعات القليلة في الدولة دون غيرها، حتى أضحى في بلدنا من لا يملك المال لا يملك العلاج.
وبينت ان اغلب مدارس الاحتياجات الخاصة المدعومة من الدولة أداؤها ضعيف لا يرقى لمستوى هذه المراكز، حيث تخصص فقط جلستين للنطق أسبوعيا لا تتعدى مدة الواحدة منها ربع الساعة، مشيرة إلى ان ابنها وبعد عام كامل من التحاقه بالمدرسة لم يتمكن من نطق حرف واحد بعكس أقرانه الملتحقين بالمراكز الخاصة، مطالبة بتطوير هذه المدارس التي تتقاضى آلاف الدنانير من الدولة مقابل خدماتها المتواضعة.
أطباء يفتون
أما ام عيسى فيعاني ابنها إعاقة شديدة منذ الولادة منعته من النطق ومضغ الطعام والتحكم في الإخراج، عدا انه يفهم الأوامر والكلام الموجه إليه.
وقالت كسابقتها انها استشارت عدداً من الأطباء إلا ان كلا منهم حسبما قالت «يفتى» بتشخيص مختلف عن الآخر، وحتى الآن لا تعرف تحديدا ما حالة ابنها، متسائلة في استغراب «إذا كانوا لا يعرفون تشخيص المرض فكيف سيعالجونه؟»، مشيرة إلى انه من الممكن ان يكون العلاج بسيطاً ومتوافرا إذا شخص المرض بطريقة صحيحة.
وتطرقت إلى معاناتها في المؤسسات الحكومية المختصة بالمعاقين لاسيما مركز الطب التطوري، مشيرة إلى انها تضطر إلى الانتظار من 4 إلى 6 أشهر ليحصل ابنها على كورس علاج مدته شهر «مرتين أسبوعياً لمدة ربع ساعة»، مؤكدة ان الفترات المتباعدة بين الجلسات والكورسات تجعلها عديمة الفائدة كون مريض التوحد بحاجة إلى متابعة يومية.
وذكرت ان ابنها لن يحرز أي تقدم حتى الآن ومازال يعاني من مضغ الطعام ويرتدي الحفاظات، مرجعة الأمر إلى قصور المراكز العلاجية الحكومية مقارنة بالمراكز الخاصة التي لا قبل لها بمصاريفها.
وذكرت انها اضطرت إلى اللجوء للعيادات الخاصة رغم ارتفاع تكاليفها، حيث تبلغ قيمة الكشف فقط 250 دينارا مما جعلها عاجزة عن المتابعة والعلاج بعد اول زيارة، مستغربة ارتفاع تكاليف أطباء الاحتياجات الخاصة التي تصل لدرجة الاستغلال بعيدا عن رقابة الدولة.
وبينت ان راتب الإعاقة الذي تتقاضاه من هيئة المعاقين شهريا لا يغطي تكاليف الكشف والجلسات والحفاظات، والأدوية التي تصل شهريا إلى 300 دينار ما بين فيتامينات وطعام خاص بالحمية.
ومن جهة أخرى بينت ان عطلة المدارس الطويلة خلال فترة الصيف تضطر أولياء الأمور إلى اللجوء للنوادي الصيفية الخاصة بذوي الاحتياجات والتي لا تتعدى كونها عمليه تجارية تهدف الى كسب المال، ولا تزيد أنشطتها عن الألعاب والرحلات والسباحة من دون أي مواد تعليمية او سلوكية، مشيرة في الوقت نفسه إلى ان الجلسات المتخصصة في النطق والسلوك تبدأ تكلفتها من 250 دينارا شهريا.
وطالبت ام عيسى بمراكز مختصة بحالات التوحد تستقبل الأطفال يوميا لاسيما خلال فترة الصيف في غياب المدرسة حتى لا يفقد الطفل المهارات التي اكتسبها من المدرسة خلال وجوده بالمنزل.
وحول نظرة المجتمع لذوي الاحتياجات الخاصة قالت انها ترى في نظرة المجتمع عبارة «مسكين» «الله يعين أهله» وغيرها، وهذا ما لا احبه، فلابد ان يتعلم الناس التعامل مع المعاق بطريقة سوية باعتباره مثل غيره من الأصحاء، وانا شخصيا تجنبت زيارة الأهل مؤخرا لما قد يسببه ابني من إزعاج قد لا يتقبلونه، لذلك أفضل الخروج مع ابني إلى الأماكن العامة والمفتوحة.
غبن شديد
اما ام حسين فقد فاجأتنا بعدم قدرة الأطباء في البلاد على تشخيص دقيق لحالة ابنها التي شخصها البعض «طيف توحد»، وآخرون تأخر نمو الذهني رغم بلوغه 6 سنوات، وعبرت عن استيائها بسبب القصور في بعض أجهزة الدولة، لا سيما مركز الطب التطوري، لافتة إلى إنها في أول زيارة لتقييم اللجنة انتظرت عدة ساعات ولم تكلف اللجنة نفسها عناء الكشف او إجراء اختبار لابنها واكتفت باعتماد تقرير سابق لأحد أطباء القطاع الخاص المعروفين.
وأكدت انها منذ هذه التجربة لم تلجأ إلى أي مركز او جهة حكومية بعد ان فقدت الثقة فيها جميعا، مشيرة إلى انها أخذت أول موعد لجلسة علاجية وانتظرت الاتصال لتحديد موعد منذ 3 سنوات.
وقالت ان هذا القصور اضطرها إلى اخذ قروض من البنك لدفع تكاليف الكورسات العلاجية لابنها في العيادات الخاصة التي يكلف الكورس الواحد فيها حوالي 2600 دينار، إلا انها لم تستطع المتابعة حتى النهاية لارتفاع التكاليف.
واكدت ان غياب خدمات الدولة اضطرها إلى صرف أضعاف راتب الإعاقة الذي تتقاضاه ، مطالبة بمراكز حكومية متخصصة لرعاية هذه الحالات على مدى اليوم ، مؤكدة ان هذه الفئة اذا وجدت الرعاية الصحيحة يمكن شفاءها لتصبح أفرادا منتجة في المجتمع كما أثبتت التجربة.
أدوية التوحد
العلاجات المعتمدة من قبل الهيئات العالمية والهيئات المختصة بالتوحد حسب الهيئة العامة للغذاء والدواء بالمملكة العربية السعودية:
1 ــــ العلاجات التي توصف من قبل الطبيب المعالج لأعراض الاضطرابات المصاحبة للتوحد كالقلق والاكتئاب وفرط الحركة والسلوك العدواني وإيذاء النفس والصرع واضطرابات النوم وهي:
• مضادات الاكتئاب
• مضادات الذهان
• المنشطات
• مضادات أصرع
2 ــــ لم تثبت فاعلية ومأمونية التداوي باستخدام بروتوكول دان ، وسحب السموم، والحمية الغذائية، وطرد الفطريات، والعلاجات العشبية، والسكريتين، وفيتامين بـ 6 واوميغا3.
تحذير طبي
حذرت هيئة الغذاء والدواء الأميركية من المنتجات التي يدعي منتجوها علاجا او شفاء مرض التوحد، حيث ان بعضها يحمل مخاطر صحية كبيرة وتشمل:
• العلاج بإزالة المعادن الثقيلة التي يزعم البعض انها تطهر الجسم من المواد الكيماوية السامة والمعادن الثقيلة عن طريق الارتباط وإزالتها من الجسم.
• العلاج بالأكسجين.
• جوز الهند والمكملات الغذائية من البكتيريا الحية أو الخمائر.
• المحلول المعدني.
• منتج استحمام كلاي لإزالة السموم.
دمج وتوعية
نوهت مدرسة الاحتياجات الخاصة امل فهيم بأهمية توعية الأطفال الأسوياء بالتعامل مع ذوي الاحتياجات وقبولهم، وكذلك توفير الوظائف المناسبة لهم، وتعامل الأسرة معهم كإخوانهم الأسوياء وعدم تعمد تركهم في المنزل خجلا من اصطحابهم في الخارج.