أن يولد الإنسان وهو يعاني إعاقة ما، فهذا ابتلاء من الله سبحانه وتعالى، ليس لهذا الإنسان فحسب، بل لكل من حوله، سواء أكانوا أفراد الأسرة أم كل من يتعامل معه في الحياة، ويحتك به في منشط من المناشط، فهو يتعامل مع الآخرين لينهل من علوم الحياة، وعليهم أن ييسروا له كل السبل التي تخفف عنه العبء وتحقق مطالبه، وتساعده على السير قدماً في طريقه، وفي هذا كله المحدد الرئيسي لما سيكون عليه مستقبله، فإما أن يركن إلى الهدوء والراحة والكسل مكتفياً بإحصاء الأيام والسنين، وإما أن يتعب ويكدح من أجل الوصول إلى أهدافه وتحقيق ذاته وترك بصمة له في الحياة.
وهذا ما يتضح من خلال ما نجحت في تحقيقه مها نصار الشريعان.
سلّط فريق الإعاقة والتحدي الضوء على مها الشريعان قائلاً: ولدت مها في 1969/7/8 بمنطقة جليب السيوخ، فداعب الفرح جفون الاهل، وارتسمت على شفاههم بسمة واسعة ولهجت ألسنتهم بحمد الله وشكره.. غير ان الفرحة لم تكتمل، فقد كان قدر الله قد سبق وحكمه قد وقع، وولدت مها مصابة بشلل دماغي نصفي. «الحمد لله على كل حال».. جملة رددها لسان الوالد نصار مطلق الشريعان إثر تلقيه النبأ بإعاقة ابنته، فنزل البلاء على قلبة برداً وسلاماً، ورضي بقضاء الله تعالى وقدره، ولذلك فقد عوضه الله تعالى بإنجازات ابنته ونجاحاتها.. ورب ضارة نافعة.
وقد كان ترتيب مها الثانية بين إخوتها الاشقاء الثلاثة فلها اخت كبرى واخ أصغر.
وتطرق فريق الاعاقة والتحدي في كتابه عن المعاقين الذين صنعوا الابداع، إلى صفات الشريعان ومنها انها هادئة، حنونة الى حد كبير، وصاحبة ابتسامة رقيقة، وهي قوية الارادة تسعى دائماً الى تحقيق ما تصبو اليه رغم انها خجولة جداً.
ظروف الإعاقة
بعد ان اكتشفت الاسرة اعاقة مها منذ ولادتها اشرف عليها اختصاصيون حتى بلغت السادسة من عمرها، ألحقتها بمدرسة الرجاء للبنات على ان تتلقى علاجها في المستشفيات الحكومية من خلال العلاج الطبيعي، وتوفير الاجهزة الطبية التعويضية التي تساعدها على المشي والتخفيف من الآلام الناتجة عن الوضع الخطأ للعمود الفقري والقدم. وكانت مرحلة صعبة حقاً، ولا تزال آثارها محفورة في ذاكرة مها حتى الآن، فكثيرا ما تسترجع هذه اللحظات الصعبة المؤلمة لها ولمن حولها، وتحمد الله على انه اعانها على ممارسة حياتها رغم ما قاسته من آلام، فالألم لم يتوقف عند تحمل التعامل مع تلك الاجهزة التعويضية والاعتماد عليها بشكل او بآخر، بل كان لابد من إجراء بعض العمليات الجراحية على مراحل متعددة في الحوض والفخذ والقدم والساقين، لتسهيل عملية السير والحركة لديها، والمؤلم حقاً انها تعرضت لبعض الاخطاء الطبية التي سببت لها الكثير من الآلام وقابلتها مها بالصبر على البلاء وقوة التحمل.
دور الأسرة
لقد كان لأسرة مها نصار الدور الأكبر بعد عون الله عز وجل في التخفيف عنها ورفع معنوياتها، ومد يد العون لها بكل ما تستطيع، اعطتها من وقتها وجهدها وعنايتها، وطافت بها على الاطباء ودعمتها وشجعتها طوال مشوارها التعليمي والرياضي والصحي، فكانت تأخذ بيدها لتحقيق اهدافها وممارسة هواياتها، واشباع رغباتها في التحصيل، وكأنها تجسد لهم مثالا حيا على مقولة «لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس».
وكم تشعر مها بالاحترام والتقدير لدور كل من حولها، خصوصاً والديها، لانهما كانا خير عون لها على تخطي هذه الاعاقة.
رحلة التعليم
عندما بلغت مها الشريعان السادسة من عمرها لم تمنعها الاعاقة من ان تلتحق بالمدرسة، شأنها شأن من حولها من البنين والبنات، وبالفعل التحقت بمدرسة الرجاء للبنات، وحصلت على الشهادة الابتدائية والمتوسطة ثم انهت المرحلة الثانوية بالقسم العلمي والتحقت بالمعهد التجاري.
وحسبنا ان نتخيل ما عانته من آلام اثناء دراستها بالمعهد التجاري، حيث ان بعض قاعات الدراسة كانت بعيدة تتطلب منها بذل الكثير من الجهد، مما دفع بعض الاساتذة الى مساعدتها بكل ما في وسعهم، ولم تنس مها فضل من ساندوها واعانوها ووقفوا الى جوارها حتى تحصل على شهادتها، وتشكر مها الشريعان الاستاذة الفاضلة والمربية الكريمة والقدوة الحسنة لمياء العبدالكريم أستاذة الاقتصاد بالمعهد التي قدمت لمها المذكرات الخاصة بمحاضراتها، كي تتابع معها الشرح وتذاكر منها في ما بعد، عندما اكتشفت الصعوبة التي تواجهها مها في الكتابة وتدوين المحاضرات، بسبب الإعاقة التي تؤثر في يدها وتجعلها بطيئة في الكتابة.
لم تكن هذه هي المشكلة الوحيدة التي قابلت مها في المعهد التجاري، بل كانت هناك مشكلات أخرى كوجود بعض قاعات المحاضرات في الأدوار العلوية، وصعود هذه الأدوار يمثل صعوبة ومشقة لمها ولمن يساعدها على ذلك أيضاً، وكان من رحمة الله بها أن هيأ لها من ساعدها في نقل المحاضرات إلى القاعات في الأدوار السفلية، حتى نجحت وتفوقت بفضل الله تعالى وحصلت على دبلوم المعهد التجاري للحاسب العالي عام 1995.
مسيرة كفاح
بعد أن أنهت مها رحلتها العلمية وتخرجت في المعهد عُينت بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عام 1995، وتنقلت بين أكثر من مكان بها، ثم استقر بها المقام في مكان تحبه وتتوق إلى خدمة رواده والمنتمين إليه، فاختارت العمل مبرمجة إدخال بيانات في المجلس الأعلى لشؤون المعاقين.
إنجازات وظيفية ورياضية
لم تكتف مها بعملها موظفة رغم حبها عملها، بل أرادت أن تكون لها بصمات بإنجازات تحسب لها، وتكون نبراساً في الوقت ذاته لمثيلاتها، ولم يطل بها التفكير، فقد اختارت مجالاً طرقه الكثيرون من ذوي الاحتياجات الخاصة، وسجلوا فيه أرقاماً قياسية ألا وهو المجال الرياضي.
وبدأت مها نصار مشوارها مع الإنجازات الرياضية منذ عام 1997، حين التحقت بنادي الكويت للمعاقين، ومنذ ذلك الحين حققت العديد من البطولات وحصلت على العديد من الميداليات، إذ كانت اول بطولة تحصل عليها في دفع الجلة عام 1999 في بطولة العاب القوى الانكليزية، وبعدها توالت المشاركات في المحافل الدولية الرياضية، وقد حققت مها العديد من الانجازات ومنها:
– كانت صاحبة الرقم القياسي العالمي في دفع الجلة فئة F32 وذهبية بطولة العالم بنيوزيلندا عام 2003.
– فازت بجائزة الماسة من بنك برقان عام 2003.
– حصلت على ميداليتين برونزيتين في اوليمبياد أثينا عام 2004.
– فازت بجائزة الابداع السنوية بالإمارات عام 2005.
– تم تكريمها من قبل الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة لتحطيمها الرقم القياسي في دفع الجلة.
– فازت بثلاث ميداليات ذهبية في اول بطولة خليجية للفتيات بالشارقة عام 2005.
– حصلت على ميدالية ذهبية في بطولة العالم لدفع الجلة في الولايات المتحدة الاميركية عام 2005.
– تم ترشيحها ضمن افضل عشرة رياضيين كويتيين عام 2005.
– فازت بالميدالية الذهبية في بطولة الخليج لألعاب القوى للمعاقين عام 2006.
– فازت بميدالية ذهبية في دفع الجلة في البطولة التونسية الدولية المفتوحة في تونس في 2007/6.
– فازت بميدالية فضية في دفع الجلة في بطولة بريطانيا المفتوحة لالعاب.