كلما زاد التوجه نحو دمج الطلبة ذوي الإعاقة وخاصة ذوي الإعاقات المتوسطة والشديدة ضمن المدارس العادية، واجه المعلم تحديات تدور في مجملها حول كيفية تطوير المناهج لتتناسب مع أفراد هذه الفئة، وعليه أصبح من المتطلبات الأساسية للمعلم أن يقوم باستخدام المناهج المناسبة التي تساعد هؤلاء التلاميذ على التعلم ضمن الفصول العداية وايجاد نوع من التفاعل بينهم وبين أقرانهم.
ومع هذا التوجه العام للدمج برزت الحاجة إلى توفير إجراءات تعليمية معينة تستخدم لتعليم هؤلاء التلاميذ بحيث تساعد في تقليل اعتمادهم على الآخرين، وتوفر لهم حداً أدنى من الاستفادة من الخدمات المقدمة داخل المجتمع.
وتعتبر عملية فهم خصائص التلاميذ ذوي الإعاقات المتوسطة والشديدة من الأمور المهمة التي تساعد على فهم احتياجاتهم الخاصة، حيث أكد الباحثون أن هؤلاء التلاميذ يعانون من قصور حاد في قدراتهم الذهنية واللفظية والمعرفية والسلوكية والاجتماعية بحيث يكونون بحاجة لمساعدة الآخرين، وقصوراً مركزياً في الذاكرة والتصنيف والاستدلال والتقييم وصعوبة في الأداء التنفيذي، وكلما زادت حدة الإعاقة العقلية لديهم زادت الصعوبة في التواصل والتعلم أو المشاركة الاجتماعية، وأشارت إحدى الدراسات أن حوالي 60% من الأفراد ذوي الشلل الدماغي هم من ذوي الإعاقة العقلية، كذلك فإن نسبة مئوية بارزة من ذوي الإعاقة الذهنية يعانون من حالات صرعية، كذلك هم معرضون أكثر للاضطرابات السلوكية.
المبادىء التعليمية لتدريس ذوي الإعاقات المتوسطة والشديدة
المهارات الأكاديمية الوظيفية
ضبط المثير
يعرف ضبط المثير بأنه الأداء المتوقع للسلوك، عندما توجد مثيرات بيئية معينة واختفاء هذا السلوك عند عدم وجود تلك المثيرات، وبشكل عام ينشأ ضبط المثير من خلال تعزيز التلميذ بتشجيعه على القيام بأداء السلوك المستهدف في حال وجود حافز أو مثير لأداء المهمة، وايقاف التعزيز في حال حدوث السلوك مع عدم وجود المثير أو الحافز، وتحدث عملية التعلم هنا عندما يدرك الفرد أن هناك ارتباطاً بين المثيرات والسلوكيات والتي يكون نتاجها التعزيز الايجابي، لأن المثيرات أو المعززات تظهر مع ظهور السلوكيات المرغوبة أو المطلوبة من التلميذ.
المثير وتلقين الاستجابة
إن التلقينات هي عبارة عن المثيرات التي تعطى قبل وأثناء أداء السلوك والتي تسهم في إظهاره، ومن ثم يتم تعزيز التلميذ، وتكمن أهمية التلقين في حث التلميذ على أداء السلوك حتى يتسنى تعزيزه، وهناك نوعان من التلقينات:
- التلقين الضابط: وهو عبارة عن سلوكيات المعلم التي تضمن أن يقوم التلميذ بأداء الاستجابة الصحيحة عندما يطلب منه القيام بسلوك تلقين أقل توجيهاً يضبط باستمرار استجابة التلميذ.
- التلقين غير الضابط: وهو عبارة عن سلوكيات المعلم التي تزيد من احتمالية استجابة التلميذ، ولكن لا تضمن حدوث الاستجابة السليمة. فالطفل الذي لا يلمس مفتاح الكهرباء عندما يلقن لفظياً هو عبارة عن تلقين غير ضابط، أما عندما يلمس المفتاح عندما يعطى تلقيناً بدنياً جزئياً فيعتبر ذلك تلقيناً ضابطاً.
انتقال ضبط المثير
إن الاستجابات وتلقينات المثير عبارة عن مثيرات سابقة، ويتوجب استخدامها فقط في مرحلة الاكتساب والحصول على التوجيهات التعليمية، وما دام قد حصل السلوك المرغوب فإنه يتوجب إزالة الاستجابات وتلقينات المثير، حتى يتم انتقال ضبط المثير إلى المثير الطبيعي لذلك يتم استخدام الاخفاء.
وهناك أربعة إجراءات لتحويل ضبط المثير من تلقينات الاستجابة إلى المثيرات الطبيعية وهي:
-
إجراء المساعدة المتناقصة تدريجياً:
كما يطلق على هذا الاجراء بالمساعدة من الأكثر إلى الأقل، وتعني تقليل المساعدة التي تقدم للتلميذ وصولاً إلى أقل مساعدة ممكنة، فقد يستخدم المعلم أسلوب المساعدة البدنية سواء كانت جزئية أو كلية لمساعدة التلميذ على أداء مهارة أو سلوك معين، هذه المساعدة لابد أن تتقلص تدريجياً في محاولة لإتاحة الفرصة للتلميذ لأداء المهارة بشكل مستقل.
-
إجراء المساعدة المتزايدة تدريجياً
ويطلق على هذا الإجراء بالمساعدة من الأقل للأكثر، أو زيادة المساعدة، وهو الاجراء الذي يتم من خلال تقديم أقل قدر من المساعدة حيث تكون البداية بالتلقين اللفظي، ومن ثم الانتقال إلى أساليب المساعدة الأكثر في حالة التأكد من عدم جدوى التلقين اللفظي، ويتم في هذه المرحلة استخدام أسلوب النمذجة قبل الانتقال إلى المساعدة البدنية الجزئية والكلية في حالة عدم استجابة التلميذ، وهو يشبه الاستخدام المعاكس لطريقة المساعدة المتناقصة.
-
التوجيه المتدرج
وهو عبارة عن إجراء اخفائي (التضاؤل التدريجي) يستخدم بشكل متكرر في تعليم وتوجيه الأفراد ذوي الإعاقة المتوسطة والشديدة، ويقوم خلاله المعلم أولاً بالتلقين الضابط وهو التلقين الذي يضمن الاستجابة الصحيحة، وبعد ذلك يتجه تدريجياً لإزالة التلقين، ويشتمل التوجيه المتدرج على المساعدة البدنية الجزئية أو الكلية، وضمن هذا الاجراء على المعلم اتخاذ القرارات لحظة بلحظة حول نوع ومقدار التلقين البدني لمعرفة إن كان يلزم أو لا يلزم تقديم أي نوع من أنواع التلقين حسب استجابة التلميذ، لذلك يقوم المعلم بشكل فوري بتقديم التلقين نوعاً وكثافة عندما يرى لزوم ذلك لضمان الحصول على الاستجابة الصحيحة، ومن ثم يستبعد في الوقت نفسه التلقينات عندما يبدأ التلميذ في الأداء الصحيح، وقد استخدم هذا الإجراء في تعليم مهارات استخدام دورة المياه وغسل اليدين.
-
التأخير الزمني
وهو عبارة عن إرجاء زمن الاستجابة، وفيه يحول ضبط المثير من خلال التأخير المنظم للتلقين بعد تقديم المثير الطبيعي، ويستخدم المتغيرات في الفترة الزمنية ما بين عرض المثير الطبيعي وإعطاء الاستجابة من قبل المعلم، وتتصف إجراءات التأخير الزمني بتقديم مبكر للمثير يتلوه تلقين المدرس للاستجابة، بحيث تكون هناك فترة تأخير بين عرض المهمة والتلقين الضابط من قبل المدرس.وللتأخير الزمني نوعان:
1 - التأخير الزمني الثابت والذي يلتزم فيه المعلم بمهمة زمنية محددة ما بين تعليمات المهمة والتلقين الضابط المقدم من المعلم وتقدر هذه المهلة بأربع أو خمس ثوان.
-
2
- التأخير الزمني المتزايد والذي يعتمد على الزيادة التدريجية في المدة الزمنية ما بين تعليمات المهمة وتقديم التلقين الضابط، وتستمر هذه الزيادة في الثواني حتى يصل التلميذ إلى زمن معين يكون محدداً سلفاً وإلى المحك أو المعيار المطلوب (نسبة الأداء أو عدد المحاولات الصحيحة).
-
ونلاحظ أن هذه الاستراتيجيات أو الاجراءات تقوم على أساس تلقين الاستجابة لكي يتم تحويل ونقل ضبط المثير من الوسائل المثيرة إلى المثير الموجه أو المستهدف، وأن كل هذه الاستراتيجيات تعتمد على تقديم أسلوب تعليمي يختلف عن الآخر وإن كان هناك تشابه في أساليب التدريس.
لقد أثبتت الدراسات أن المهارات الأكاديمية الوظيفية من المهارات التي يستطيع متوسطو وشديدو الإعاقة تعلمها، إلا أنها لا يمكن أن تصبح فاعلة ومؤثرة ما لم تكن قائمة على أسس وطرق تعليمية مناسبة، الأمر الذي يضع على عاتق معلم الصف أهمية قدرته على اختيار الاجراءات التعليمية التي تحد من الأخطاء وبمدة زمنية أقل، هذه الاجراءات ـ كما أسلفنا ـ تكون قادرة على تحويل ضبط المثير من تلقينات الاستجابة إلى المثيرات الطبيعية.
ملخص المادة
يواجه معلم التلاميذ ذوي الاعاقات المتوسطة والشديدة صعوبات كثيرة عند وضع الخطة التعليمية لكون هؤلاء التلاميذ لديهم أكثر من إعاقة، ومع ذلك فإن مهمة تعليم هذه الفئة غير مستحيلة، وإن كانت صعبة وتحتاج إلى فهم واضح ودقيق لخصائص الطفل، كما تحتاج إلى وجود استراتيجيات تعليمية ملائمة تساعد على ايصال المعلومة بشكل صحيح، بحيث يستطيع الطفل تعلم واكتساب وتعميم المعلومة.
(*) عن بحث منشور للدكتور بندر بن ناصر العتيبي،
مركز بحوث كلية التربية، جامعة الملك سعود.