تعتبر تكنولوجيا زراعة القوقعة من أحدث ما توصل إليه العلم لأولئك الذين لديهم فقدان سمعي تام أو شبه تام في الأذنين، والتي تقف المعينات السمعية ـ على الرغم من تقدمها ـ عاجزة عن تعويض فقدانهم السمعي. ونظرا لعدم توفر بقايا سمعية لدى هؤلاء قام الباحثون باكتشاف وسيلة بديلة وهي حث العصب السمعي عن طريق قطب يزرع داخل الأذن الداخلية، وفي هذه الحالة يتم استقبال الصوت بواسطة مكبر للصوت صغير يوضع خارج الأذن، ثم يحول الصوت ليتم معالجته تكنولوجيا بهدف تبسيطه بحيث يسهل على الأذن إدراكه.
وقد قام الباحثون بتجربة عملية زراعة القوقعة الإلكترونية على المصابين بفقدان سمعي مكتسب بعد تعلم اللغة إثر حادث أو مرض، حيث كان لأولئك ذاكرة سمعية للأصوات. وكانت الخطوة التالية هي إجراء عملية زراعة القوقعة على الأطفال الصغار، وتعتبر هذه الخطوة أصعب من حيث التأهيل السمعي واللغوي اللازم بعد إجراء العملية.
أما بالنسبة للتطورات المتوقعة في هذا المجال فهي تكمن في معالجة الصوت بصورة أفضل وكذلك في تصغير حجم الجهاز بحيث يسهل على جميع الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية باختلاف أعمارهم استخدامه والاستفادة من مزاياه (سليمان، 1994).
تاريخ ظهور زراعة القوقعة:
كانت البداية الفعلية المكتوبة حول زراعة القـوقعة عام (1957) في فرنسا على يد (Djourno & Eyries) ، أما المحاولات الأولى فقد بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية عام (1961) حيث تم زراعة جهاز ذي قطب واحد لدى مريض كما قام بزراعة عدة أجهزة أخرى في نفس السنة، أدت إلى تحسن السمع لديه إلا أنه لم يستطع فهم الكلام. لكن خلال عدة أسابيع تم تحسين الأجهزة بواسطة السليكون، وقد شجعت هذه النتائج على جعل أحد المهندسين ينفق عدة سنوات لتصميم كل من الأقطاب الخارجية والأقطاب المزروعة.
وفي عام (1964) تمت محاولة في ساتانفورد لتحسين أجسام الخلايا في العقد العصبية بزرع مجموعة من ستة أقطاب في المركز الرئيسي للحرقفة حيث استطاع المرضى أن يميزوا إشارات الكلام إلا أنهم لم يفهموا الكلام. وترتب على ذلك عدم الاهتمام بنتائج هذه الأبحاث إلا بقدر ضئيل جداً خاصة بعد أن عقد المؤتمر الجراحي لزراعة القوقعة عام (1965) والذي كان مثيراً للجدل من خلال السلبيات الناتجة عن استخدام هذه الطريقة. إلا أن هذا الجدل حمل العديد من الأطباء والباحثين على تجريب هذه الطريقة واختبارها وهذا يظهر في عدد الدراسات والأبحاث التي أجروها فيما بعد ضمن ثلاثة أجيال:
حيث ظهر الجيل الأول في عام (1969) حين قام (House) بسلسلة من الاختبارات لزراعة القوقعة استخدم معها أنظمة قطبية مكونة من (5) أقطاب، إلا أنه لم يلاحظ أي تحسن في القدرة على تمييز الكلام لدى المرضى المقارنة بنظام القطب الواحد.
ونتيجة لتضارب نتائج الأبحاث حول زراعة القوقعة بقي المهنيون حذرين في استخدام هذه الطريقة خاصة مع غياب المقالات والأبحاث المنشورة في المجالات المتخصصة. إلا أنه في نهاية عام (1978) بدأ الاهتمام من أجهزة الإعلام مما أدى إلى تقديم عدة طلبات لتمويل الأبحاث حول زراعة القوقعة من قبل المركز الوطني الصحي. وقد تم نشر نتائج الأبحاث والتي أكدت: أن بعض المرضى قد تحسنت قدرتهم على فهم الكلام، كما زادت قدرة البعض على فهم أصوات البيئة، فضلاً عن أن زراعة القوقعة قد سـاعدت المرضى على التحكم بأصواتهم.
أما الجيل الثاني فقد بدأ مع بداية الثمانينات من خلال زراعة الأقطاب المتعددة وقد حدث ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية وفي استراليا وباريس، حيث أجريت العديد من الدراسات والتي أثبتت فعالية زراعة الأقطاب المتعددة في فهم الكلام وفي زيادة نمو الكلمات للجمل.
في حين أخذ الجيل الثالث اتجاه تطوير الأجهزة المستخدمة مع زراعة القوقعة، حيث قام المعهد القومي للصحة عام (1985) بتطوير معالج جديد يساعد زارعي القوقعة على فهم الكلام والحديث. كما أجريت تطورات أخرى في العام (1986 ـ 1987) من قبل مجموعة من الشركات، التي أثبتت أن المرضى الذين استخدموا هذه الأجهزة المطورة قد حصلوا على علامات كاملة في اختبارات فهم الجمل، كما حصلوا على درجات في السمع تقارب السمع الطبيعي بعد أن أجريت عليهم اختبارات السمع (Dorman, 2001).
المستفيدون من زراعة القوقعة:
عادة ما نجد أن الأفراد الذين لديهم صمم شديد إلى شديد جداً ممن يتراوح فقدانهم السمعي من (50 ديسبل) فما فوق، من الذين لا يستطيعون الاستفادة من المضخمات المألوفة هم المرشحون لزراعة القوقعة. حيث أن الصمم الشديد جداً ينتج عن فقدان وظيفة الخلايا الشعرية في القوقعة، والتي تؤثر على توليد النبضات العصبية والنشاط الكهربائي في العصب السمعي (الزريقات، 2003.)
تصنيف زراعة القوقعة:
ويشير جيرجر (Jerger) إلى أن زراعة القوقعة تصنف ضمن مجموعتين:
-
زراعة القوقعة للكبار:
الذين ولدوا صما أو أصيبوا بالفقدان السمعي بعد الولادة ويمكن أن يستفيدوا من زراعة القوقعة خصوصا كمساعدة لقراءة الشفاه (الزريقات، 2003).
فقد أثبتت الدراسات التي أجريت بهدف معرفة أثر زراعة القوقعة على الكبار الذين ولدوا صماً أن هناك شكوكأً في مدى فهمهم للأصوات بعد عملية زراعة القوقعة وذلك لعدة أسباب أهمها: أن الفرد قد لا يكون لديه ذاكرة حول أحرف العلة وكيف تبدو، كما أن الجهاز السمعي قد يكون مدمراً نتيجة لحرمان الفرد من السمع لفترة طويلة، وهذا يؤشر إلى أن النظام السمعي لن يتجاوب مع الصوت، لأن حجم خلايا الجسم في مركز السمع والجهاز العصبي تكون قد تقلصت، هذا بالإضافة إلى أن عملية التحفيز التي تحدث خلال مرحلة الطفولة بغرض تشكيل الروابط العصبية لن تنمو وتتطور بشكل طبيعي في غياب عملية التحفيز ولذا يتوقع أن تكون استجابتهم غير طبيعية.
ولذا تشير معظم الدراسات أن الكبار الذين كانوا صماً منذ الولادة قد سجلوا استجابات قليلة جداً من الفهم للكلام بواسطة الزراعة. في حين أشارت القليل من الدراسات أن عدداً قليلاً من الأفراد قد حققوا تقدما في فهم الكلام في مستوى عال. مع أن العديد من الأفراد الذين لم يحصلوا على فهم للكلام يلبسون أجهزتهم يومياً ومرتاحون بها، وذلك بسبب:
أ - أن الجهاز يمكنهم من السمع.
-
ب
- أن الجهاز يساعد على سماع الكلام.
-
ج
- أن الجهاز يمكنهم من تمييز بعض الأصوات مثل رنين الهاتف.
-
د
- أن زراعة القوقعة تمكنهم من تنظيم إنتاج الكلام بشكل جيد مما يؤدي إلى تحسين نوعية الصوت.
-
أما فيما يتعلق بالدراسات التي بحثت في زراعة القوقعة للكبار الذين أصيبوا بفقدان سمعي مكتسب ففد أثبتت الدراسات أنهم يستفيدون من زراعة القوقعة بشكل أكبر وذلك بسبب معرفتهم بالأصوات وسماعهم لها من قبل، ولذا نجدهم قادرين على سماع وتمييز الأصوات وفهم الكلام العادي، وسماع الأصوات البيئية.
إلا أن بعضهم أشار إلى أنهم قد يجدون بعض الصعوبات في سماع الأصوات ضمن المجموعات الكبيرة أو المسافات البعيدة ذات الحواجز (كالأبواب)، كما أنهم يجدون صعوبة في فهم كلام بعض الأطفال في مراحل عمرية معينة، أو في الحالات التي يقف فيها المتحدث في مكان لا يقابل فيه زارع القوقعة (Dorman, 2001).
-
زراعة القوقعة للأطفال الصغار:
الذين لديهم فقدان سمعي شديد جداً، ولا يستفيدون من السماعات الطبية الاعتيادية، ويمكن أن يستفيدوا من زراعة القوقعة (الزريقات، 2003).
وفي هذا الصدد أشارت الدراسات أن الأطفال الذين أجروا عملية زراعة القوقعة من مستخدمي لغة الإشارة والذين كانت لديهم صعوبة في فهم الكلام أن مهارات التواصل لديهم قد تحسنت بشكل ملحوظ.
وهذا ما أكده كل من (Kuwin & Stewart, 2000) في الدراسة التي أجرياها على أطفال لديهم إعاقة سمعية شديدة، وأضافا أنه يمكن ملاحظة التحسن الملحوظ في مهارات التواصل والسمع الكلام لزارعي القوقعة من خلال متابعتهم لفترات طويلة، خاصة وأن لغة الطفل تتحسن دوماً مع تقدمه في العمر، فقد أثبتت الدراسات أنه كلما كان عمر الطفل صغيرا أثناء أجراء عملية زراعة القوقعة كان ذلك أفضل، وهذا ما أشارت إليه دراسة من أن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات هم أكثر استفادة من زراعة القوقعة إذا ما قورنوا بغيرهم (Bertschy, Tyler, Kelsay, Gontaz & Woodwoh, 1997).
مكونات زراعة القوقعة:
- ميكروفون يلتقط الإشارات.
- سلك صغير يستقبل الإشارات من الميكروفون.
- معالج للإشارات يستقبل الإشارات المحولة عبر السلك.
- بطارية تقوم بشحن المعالج وتقوم بجعل الإشارات مناسبة الإحساس من قبل الجهاز العصبي.
- محول الذبذبات الإشعاعية الذي يستقبل الإشارات المعالجة من قبل السلك.
- المستقبل المزروع تحت الجلد فوق أو خلف الأذن، والذي يستقبل الإشارات التي يرسلها المحول عبر الجلد.
- مجموعة من الأسلاك الرفيعة التي تستقبل الإشارات وتنقلها إلى
- القطب الكهربائي المزروع في الأذن الداخلية أو القوقعة (McCormick & Sheppard, 1994).
آلية زراعة القوقعة:
زراعة القوقعة مصممة لإثارة العصب السمعي مباشرة. حيث تزرع أقطاب كهربائية في القوقعة. القطب الكهربائي الذي يكون ملحقاً أو مربوطاً مع دورة كهربائية مزروعة في العظم الصدغي. الإشارات الصوتية تستقبل بواسطة ميكروفون ملحق أو مربوط مع مضخم بالغ التعقيد. المضخم عندئذ يرسل إشارات إلى القطب بواسطة الدورة المزروعة. وعندما يستقبل القطب الكهربائي الإشارة فإنه يزود بإشارات كهربائية للقوقعة، وبالتالي إثارة العصب السمعي (الزريقات، 2003).
خطوات زراعة القوقعة:
تمر زراعة القوقعة بثلاث خطوات هي: ما قبل العملية الجراحية، وفترة الجراحة والنقاهة، وفترة ما بعد الجراحة أو ما تعرف بفترة إعادة التأهيل. وسنتناول كل منها بشيء من التفصيل فيما يلي:
-
فترة ما قبل الجراحة:
أ - إجراء اختبارات سمعية وطبية متتابعة قبل إجراء الجراحة لتقييم مدى استفادتهم من عملية الزراعة.
-
ب
- إجراء تقييم نفسي للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية وآبائهم للتأكد من معرفتهم بخطوات العملية وما قد يترتب عليها من آثار.
-
ج
- تحديد نقاط القوة والضعف التي يمكن أن تساعد أو تعيق التكيف قبل عملية الزراعة.
-
د
- تطوير خطة سلوكية لإعادة التأهيل السمعي.
-
هـ
- تحديد المشكلات السلوكية التي لدى الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية الذين سيخضعون للعملية كالشعور بالإحباط.
-
و
- إجراء مقابلات مع المرضى يتم من خلالها عرض كافة المعلومات الضرورية عن عملية الزراعة، وكيفية حدوثها وما يسبقها ويعقبها، وما هي مزاياها وسلبياتها المحتملة.
-
فترة الجراحة والنقاهة:
عادة ما تتطلب فترة النقاهة الصبر والتكيف من المرضى نتيجة لما يشعرونه من الإحباط والخوف والتوقع، لذا هم يدركون أن الأسابيع الأولى هي الفترة الأصعب. مما يحتم على الفريق الطبي القائم عليهم تقديم برنامج مكثف يتضمن نوعاً من التدريب والمعالجة النفسية، وذلك بسبب مشاعر الخوف والقلق التي يشعرونها من نتائج العملية الجراحية، هذا بالإضافة إلى قلقهم على مظهرهم الخارجي فيما يتعلق بشعرهم ووضعية رأسهم إثر العملية الجراحية.
-
فترة إعادة التأهيل:
وتتم فترة إعادة التأهيل بعد (3 ـ 5) أسابيع من إجراء العملية، وفيها يتم تفصيل الأجهزة التي تساعد المرضى على تلقي بعض الإشارات غير الطبيعية التي تنقل لهم بواسطة الجهاز، بحيث يتم تدريبهم على المهارة الأولى من خلال جمع النماذج الصوتية الكهربائية مع النماذج التي كانوا يسمعونها والتي تكون ذات معنى لهم. ولذا يفضل الإسراع في ارتدائهم للجهاز واستخدامهم له، لأن ذلك يساعدهم على سرعة التعلم وتحسين مهارات الكلام والتواصل مع الآخرين خلال هذه الفترة (Heinberg & Hays, 2000).
العوامل المؤثرة في نجاح زراعة القوقعة
أجمع العديد من العلماء أن هناك عدداً من العوامل التي قد تؤثر على نجاح زراعة القوقعة للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية من حيث الاستفادة، وقد حصروا تلك العوامل بالآتي:
- العمر الذي أصيب فيه الشخص بالفقدان السمعي.
- المستوى التعليمي والأداء الأكاديمي للشخص.
- مدى تأثير البيئة المنزلية على الشخص، من حيث القبول والتقبل.
- الأسلوب أو الطريقة التي يستخدمها الشخص قبل إجراء العملية الجراحية.
- كثافة برنامج التدريب وإعادة التأهيل السمعي الذي يتلقاه بعد إجراء عملية زراعة القوقعة (Bertschy etal., 1997).
الاتجاهات حول زراعة القوقعة:
تضاربت آراء العلماء والأطباء حول زراعة القوقعة بين مؤيدين ومعارضين، فظهر هناك اتجاهان متعاكسان حول هذه القضية، هما:
- الاتجاه الأول: ويؤيد فيه الباحثين والأطباء عملية زراعة القوقعة لأنها من وجهة نظرهم تساعد على تدريب وتعليم وتربية الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية كأحد أفراد المجتمع، فهي بهذه الطريقة تسمح بدمجهم في ظل الحياة الطبيعية العادية التي لطالما حرموا منها، على أساس أنها من تحسن من قدرتهم على اكتساب واستخدام اللغة العادية، فضلاً على ما سوف تتركه عليهم من آثار إيجابية في النواحي الاجتماعية والنفسية والأكاديمية.
- أما الاتجاه الثاني: فهو يعارض عملية زراعة القوقعة لأن الباحثين يرون أنها تحرم الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية من ثقافة الصم التي أعتادوها وأصبحوا جزءاً منها، كما أن هذه العلمية لن تكفل لهم طريقة عادية للسمع الكافي الذي يمكنهم من أن يصبحوا جزءاً من عالم السامعين، وإن حدث ذلك إلا أنهم سيواجهون مشاكل شاقة في فهم وإدراك الحديث المتداول أمامهم لفترات طويلة نسبياً على أحسن الظروف (Bertschy et al., 1997).
والمتأمل لهذين الاتجاهين يجد أن لكل منهما مزايا وعيوب، قد تجعل لكل وجهة نظر منطقية إلى حد بعيد إن أغفلنا وجهة النظر الأخرى. فالسؤال الذي قد يطرح نفسه علينا الآن إلى أي مدى قد تكون عملية زراعة القوقعة مفيدة للأطفال؟
ولنجيب على هذا التساؤل قد نحتاج لعرض نتائج مجموعة من الدراسات التي بحثت في هذا الموضوع من زوايا متعددة. حيث تعددت الدراسات التي بحثت في زراعة القوقعة من حيث العمر الزمني فكان منها ما أجري على الأطفال قبل سن (5) سنوات، ومنها ما أجري على الأطفال بعد هذا السن وذلك لبحث أثر زراعة القوقعة على إدراك وفهم الكلام، وسنعرض في الأسطر التالية نتائج بعض الدراسات في ذلك.
فقد قام ما ياموتو (Miyamoto, 1993) بإجراء دراسة مقارنة حول أثر زراعة القوقعة على مجموعة من الأطفال الذين لديهم إعاقة سمعية منذ الولادة بلغ عددهم (11) طفلاً، ومجموعة من الأطفال الذين لديهم إعاقة سمعية بعد الولادة والبالغ عددهم (81) طفلاً، وقد تراوحت أعمار الأطفال في المجموعتين ما بين (سنة و 4) سنوات، إلا أن نتائج دراسته لم توضح وجود أي فروق بين المجموعتين في أداء وفهم الكلام.
إلا أن هذه النتيجة لا تتفق في إحدى زواياها مع ما توصل إليه والتزمان (Waltzman, 1994) من خلال الدراسة التي أجراها على (41) طفلاً أصماً يبلغون الثالثة من عمرهم، من زارعي القوقعة والذين قد تلقوا تدريباً شفوياً مكثفاً مع إعادة التأهيل، حيث قام بتتبعهم خلال حقبة زمنية استمرت العامين، والتي على آثرها توصل إلى أن هؤلاء الأطفال قد حققوا مستويات عالية جداً في أداء وفهم الكلام.
وهذا ما تؤكده دراسة دوميكو ولابفير (Domico & Lupfer, 1994) التي أشارت إلى تحسن أداء وفهم الكلام الأطفال الذين قاموا بزراعة القوقعة قبل سن (5) سنوات، كما أشارا إلى أن التحسن في أدائهم وفهمهم الكلام مرتبط بالعمر الذي حدث فيه الفقدان السمعي والعمر عند زراعة القوقعة.
إلا أن نتائج هذه الدراسات قد خالفت نتائج بعض الدراسات الأخرى كالدراسة التي أجراها فيرنون وبول (Vernon & Poole, 1996) على (80) طفل ممن أجريت لهم عملية زراعة القوقعة بعد سن الخامسة والذين لم يظهروا أي تحسن بعد أجراء العملية في أداء وفهم الكلام.
فبعد هذا العرض الموجز عن نتائج بعض الدراسات يمكننا القول إنه قد يكون من الصعب علينا الحكم على أثر زراعة القوقعة بناء على العمر الذي يتم فيه إجراء العملية الجراحية. فقد أشارت أحد الدراسات أن الأطفال الذين أجريت لهم زراعة القوقعة والذين كانوا يعانون من صعوبة في فهم الكلام وكانوا يستخدمون لغة الإشارة قبل الزراعة قد تحسنت لديهم مهارات التواصل بشكل ملحوظ.
إلا أن الدراسة التي أجراها كلاوين وستيوارت (Kluwin & Stewart, 2000) على مجموعة من طلبة المرحلة الابتدائية من زارعي القوقعة، أشارت إلى عدم وجود تحسن ملحوظ في قدراتهم الكلامية بعد ملاحظتهم لمدة زمنية بلغت (6) أشهر. ومع هذا فقد توصلت الدراسة إلى أنه يمكننا الحكم على نجاح وأثر زراعة القوقعة من خلال متابعة تحسن مهارات الكلام والتواصل مع تقدم الزمن، خاصة وأن لغة الطفل تتحسن وتنمو دوماً مع تقدم العمر إذا ما تم توفير التدريب المكثف.
هكذا نجد أن هناك تفاوتاً في نتائج الدراسات في إثبات مدى فاعلية عملية زراعة القوقعة للاشخاص ذوي الإعاقة السمعية، وقد يرجع ذلك التفاوت لعدة أسباب منها عينة البحث، وعدم ثبات متغيرات البحث، أو طول فترة المتابعة، أو بعض العوامل النفسية والاجتماعية للأطفال، أو خبراتهم المعرفية… إلخ، وعوامل أخرى كثيرة لا تجعلنا نجزم بنتائجها، خاصة أن المهارات اللغوية والتواصلية هي من أكثر المهارات تداخلاً مع القدرات المختلفة.
الخاتمة:
بعد العرض السابق قد نتوصل إلى حقيقة أن الحرمان من حاسة السمع قد يصبح أمراً سهلاً إذا ما توفرت للشخص الأدوات والأجهزة الخاصة بتكنولوجيا السمع، والتي تساعده على العيش بشكل طبيعي وعادي من خلال اختيار الأجهزة والأدوات المناسبة له من حيث درجة فقدانه السمعي وعمره الزمني.
ونظراً لتعدد الوسائل التقنية والتكنولوجية التي من شأنها أن تساعد أبناءنا ذوي الإعاقة السمعية فإنه من السهل علينا الآن أن نقوم بتكييف المناهج التربوية وأساليب التدريس والوسائل التعليمية بما يتناسب مع وضعهم الجديد الذي يسمح لهم بإدراك المثيرات الصوتية، والمعلومات المقدمة بشكل أفضل من خلال التقنيات السمعية الحديثة التي يزودون بها.
وهنا علينا كإختصاصيين الإلمام بهذه الوسائل والتقنيات، وأهميتها وكيفية استخدامها، لأن ذلك يساعدنا على تحديد أفضلها لأي طفل من الأطفال بناء ما يتمتع به من بقايا سمعية، وما تقتضيه متطلبات حياته اليومية.