داخل معمل تابع للمدرسة العلائية للمكفوفين في بيت جالا غرب مدينة بيت لحم يطوع محمود أبو حسن (62 عاما) الخيزران ويثنيه بالشكل الملائم رغم كف بصره ليصنع منه قطع الأثاث المختلفة من سلال ومقاعد وأسرة أطفال.
حكاية أبو حسن بدأت بعد فقدانه حاسة البصر وثلاثة من أصابع يده اليسرى وهو في العاشرة من عمره أثناء عبثه بجسم معدني متفجر من مخلفات الاحتلال الإسرائيلي في محيط منزله.
يقطن أبو حسن اليوم هو وعائلته المكونة من (12 فردا) في قرية قطنه شمال القدس، ويعمل مدرساً لمهنة صناعة الخيزران في المدرسة العلائية لرعاية المكفوفين.
لم يكتف أبو حسن بإتقانه هذه الحرفية الفنية بل تخطى ذلك بإعادة تأهيل معمل المدرسة ليصبح قادراً على تدريب الطلبة المكفوفين لامتهان هذه الحرفة.
بإصرار وعزيمة يدرب أبو حسن طلبته على تشكيل خشب الخيزران وتصنيع مكانس التنظيف بطريقة سلسة تناسب ذوي الإعاقة البصرية.
يتحسس أبو حسن قطعة من خشب الخيزران ويضعها بالماء وهو يقول لـ وطن للأنباء “درست المرحلة الإبتدائية والثانوية في المدرسة العلائية للمكفوفين ومن ثم انتقلت لمشغل الاتحاد اللوثري في القدس وحصلت على درجة الدبلوم في صناعة الخيرزان”.
وأوضح أنه خدم قرابة (25 عاما) في الاتحاد اللوثري قبل أن يُعينَ معلما في المدرسة العلائية للمكفوفين التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، تولى بعدها إدارة قسم التعليم المهني في المدرسة.
وبين أنه يُعلم الطلبة هذا الفن القديم الذي استحدثه الصينيون قبل آلاف السنين، بأسلوب أكاديمي ومهني بسيط يمكنهم من احتراف صناعة الخيزران والقش اليدوي.
ولفت إلى أن عملية الإنتاج تبدأ بتقطيع أعواد الخيزران ومن ثم تأتي مرحلة ثنيها بالشكل الملائم للعمل، باستخدام المياه وأداة معدنية لتشكيل الأعواد.
يبدو مشهد أبو حسن وهو يصنع قطع الخيزران غريباً لكن الأغرب أن تراه يعمل ويدرب طلبته على استخدام الآلات الثقيلة في المنجرة الحديثة التي تمكن من تأسيسها خلال الأعوام الماضية.
وفي سياق ذلك قال “عندما اقترحت على إدارة المدرسة تطوير المشغل وشراء آلات حديثة ومتطورة تعجب زملائي من الاقتراح وقالوا كيف لك أن تتعامل مع هذه الماكينات الخطرة دون أن تراها، لكني أثبت لهم مقدرتي وكفاءتي على العمل وتمكنت من إدارة القسم الجديد ونقل خبرتي للطلبة”.
ويضيف ” أتقنت مهنتي واستطعت التعامل مع الآلات والماكينات بدقة وتفاني دون أن أتعرض لأي نوع من الإصابة طوال الأعوام الماضية”.
لم يقتصر مفهوم تحدي الإعاقة في قاموسه على الإصرار والعزيمة لتحقيق النجاح، فالمشوار الذى بدأه منذ سنوات أصبح يُخرج أجيالاً قادرة على المنافسة والإنتاج في السوق المحلية.
ومن الجدير ذكره أن المدرسة العلائية لرعاية المكفوفين تأسست عام 1940 في الخليل وتتبع وزارة الشؤون الإجتماعية وتقدم للمكفوفين الخبرات التعليمية والمهنية لمساعدتهم على تجاوز الإعاقة والاندماج في المجتمع.
[url]http://www.youtube.com/watch?v=XNs3hDqypgg[/url]