الصرع هو اضطراب دماغي ناجم عن فرط نشاط غير طبيعي لخلايا الدماغ، مما يسبب اطلاقها شحنات كهربائية تصل الى الجسم فتسبب نوبة اعراض مثل التشنج العضلي وحركات لاإرادية وغياب عن الوعي وغياب الانتباه وارتجاف العضلات، وقد يرافقها أحيانا تخيلات وتهيؤات. وأوضح د. عبدالعزيز اشكناني، استشاري امراض الجهاز العصبي في مستشفى دار الشفاء، قائلا «الصرع ليس مرضا معديا او نوعا واحدا فقط. فهو ينقسم الى عدة انواع لذا يسمى بـ«أمراض الصرع». واكثرها شيوعا هو «الصرع المجهول السبب» لأن أسبابه غير معروفة. اما الصرع المعروف السبب فيسمى «الصرع الثانوي»، وغالبا ما يكون نتيجة للإصابة بالتهاب السحايا او تشوهات خلقية في الدماغ او أضرار دماغية أو جلطات وغيرها.
ويمكن تقسيم انواع الصرع وفق تصنيفات متعددة، مثل: جزء الجسم الذي يصاب بنوبات الصرع فهل هو لكامل الجسم أم لجزء منه فقط؟، ونوعية الاعراض فهل يسبب تقلص العضلات او حركات لا ارادية او مجرد غياب عن الوعي؟. كما تختلف نوبات الصرع من حيث تواترها (نوبة تشنج في السنة الى عدة مرات) وفترة استمرار كل نوبة (من عدة دقائق الى ساعات) ونوعية الاعراض».
الفرق بين صرع الصغار والكبار
حول الفرق بين مرض الصرع في الصغار والكبار قال د. عبدالعزيز «الفرق بين الصرع الذي يصيب الاطفال منذ الولادة والذي يصيب البالغين فجأة يكمن في السبب وراءه. فغالبا ما يكون سبب اصابة الاطفال بالصرع هو وجود عيوب خلقية او حدوث نقص الاوكسجين (نقص تروية الدماغ) اثناء الولادة، وقد تظهر الاصابة خلال سنوات الحياة الاولى الى قبل سن المراهقة. أما الصرع في البالغين فغالبا ما يكون سببه الاصابة بجلطة دماغية او ضربات الرأس او أورام الدماغ. بل وقد يكون التشنج هو العرض الوحيد الدال على اصابة الشخص بجلطة دماغية».
ليس كل تشنج دلالة على الصرع
لا يعني حدوث نوبة تشنج واحدة أن الشخص مصاب بالصرع، حيث يصاب %10 من الناس حول العالم بنوبة واحدة فقط ثم لا تتكرر بعدها طوال حياتهم. وقد يتشنج مريض السكري اثر مروره بنوبة هبوط السكر لكن ذلك لا يؤدي الى اصابته بمرض الصرع. وفسر د. عبدالعزيز قائلا «الصرع عبارة عن حدوث التشنج من دون سبب مرضي، فلا يكون نتيجة لهبوط سكر الدم أو ارتفاع في درجة الحرارة او التهاب في السحايا او اختلال هرموني او نقص في املاح الدم مثلا. ويشترط تشخيص الاصابة بالصرع ان يصاب الشخص بنوبتي تشنج أو اكثر ويكون الفارق بينهما لا يقل عن يوم كامل. كما لا يشترط ان يكون لهما سبب مباشر. اما حدوث عدة تشنجات في يوم واحد نتيجة لسبب ما مثل ارتفاع في درجة الحرارة فذلك لا يدل على الاصابة بالصرع».
أدوات التشخيص
– التاريخ المرضي واعراض نوبات الصرع.
– فحوصات مبدئية للتأكد من عدم وجود سبب للصرع مثل تحاليل الدم والتصوير بالأشعة وفحص درجة الحرارة.
– تخطيط الدماغ الكهربائي لتحديد وجود اي اعتلال في منطقة دماغية وزيادة نشاطها الكهربائي. ويساهم هذا الفحص في تحديد البؤرة النشطة في الدماغ ونوع الصرع.
العلاج
– العلاج الدوائي: الخطوة الاولى في العلاج هي وصف عقاقير تعمل على تقليل استثارة ونشاط الخلايا العصبية. وعلاج الصرع بالدواء الصحيح والجرعة المناسبة يعد من المهمات المعقدة. وغالبا ما يبدأ العلاج بجرعة قليلة من دواء محدد ثم تزداد جرعته بصورة تدريجية إلى ان يتمكن من ايقاف النوبات. لكن هناك حالات تحتاج الى نوعين من الادوية حتى يمكن التحكم وايقاف نوبات التشنج.
– حلول غذائية: اتباع نظام غذائي خال تماما من الكربوهيدرات يسمى بالنظام الكيتوني (مشابه لحمية أتكنز). الهدف منه إيصال الجسم الى مرحلة انتاج اجسام كيتونية حتى يتغذى الدماغ عليها. وبينت الابحاث ان اتباع هذا النظام الغذائي مفيد جدا لإيقاف التشنجات. بيد ان التقيد بهذه الحمية الصارمة امر صعب ويتطلب مراقبة دقيقة لتغذية المصاب، لأن تناول اي كمية من الكربوهيدرات سيؤثر سلبا في المرض.
– التدخلات الجراحية: للحالات التي لا تستجيب للعلاج الدوائي فقد يقترح عليها الخضوع لعملية جراحية في حال تحديد بؤرة دماغية واضحة للتشنجات. ويعتمد ذلك على نتيجة فحص تخطيط الدماغ الذي يظهر فرط نشاط منطقة محددة فيه. وللتأكد من مصدر الصرع، يخضع المصاب لفحص يقيم نشاط دماغه على مدة 24 ساعة في وحدة مراقبة الصرع (موجودة في مستشفى ابن سينا). كما يقوم كادر طبي بتقييم حالة المريض النفسية والذهنية ومخاطر استئصال بؤرة التشنج وما يترتب على ذلك من تأثير في القدرات الذهنية مثل الذاكرة والكلام والذكاء. وإذا اتفق الاطباء على أمانها وفائدتها، يقوم الجراح بإزالة البؤرة المعتلة من الدماغ. وبينت الابحاث والخبرة ان نسبة شفاء (اي توقف نوبات الصرع) للفئة المناسبة بعد استئصال البؤرة تصل الى %80 من الحالات.
– جهاز استثارة العصب: للفئة التي لا تستجيب للعقاقير ولا يمكن تحديد بؤرة محددة للصرع فيقترح عليها زرع جهاز يسمى «جهاز استثارة العصب العاشر». وهو مشابه لبطارية القلب، حيث يزرع جهاز البطارية تحت جلد الصدر ثم تمد اسلاكه الكهربائية تحت جلد الرقبة حتى تلف على العصب العاشر (العصب الحائر). وتقوم البطارية ببعث نبضات كهربائية، وفق برنامج يحدده المعالج، ويتم تعديله على مدى اسابيع واشهر بعد العملية ويهدف الى منع وتقليل نوبات التشنج.
◗ علاج جديد
بين الدكتور وجود عدة علاجات جديدة للصرع لا تزال قيد البحث، مثل جهاز بطارية يحتوي على جهاز تخطيط صغير. وهذه البطارية تزرع في الصدر وتمتد اسلاكها لتصل الى منطقة الدماغ المعتلة مباشرة (بؤرة الصرع) حتى تبث اشارات كهربائية عند بدء نوبة فرط النشاط وتسبب ايقاف التشنج. وهي مفيدة للمرضى الذين لديهم بؤرة محددة للصرع لكن لا يمكن استئصالها نظرا الى خطورة العملية او وجودها في مكان صعب.
نسبة نجاح الدواء
اشار الدكتور الى صعوبة وحساسية تحديد خطة علاج الصرع. وقال «نسبة نجاح استجابة مريض الصرع لأول دواء يقترحه المعالج لا تتعدى %50 فقط. وترتفع هذه النسبة مع تجربة الدواء الثاني ثم الثالث. وغالبا ما تتمكن العقاقير من السيطرة على نوبات الصرع بمعدل %75 لذا، يبقى مصاب واحد من كل اربعة مصابين يعاني تكرار نوبات التشنج رغم تناوله للعقاقير. ويقترح على هذه الفئة التدخل الجراحي او زرع الاجهزة العصبية».
الشفاء من الصرع
من الوارد ان يشفى بعض الاطفال المصابين بالصرع مع تقدمهم في العمر. وشرح د. عبدالعزيز قائلا «ان استمر المريض في تناول الدواء لمدة 2 – 3 سنوات على الاقل من دون اصابة بنوبة صرع واحدة ويكون تخطيط دماغه سليما ويتمتع بصحة جيدة، سيقوم الطبيب بتقليل جرعات الدواء تدريجيا وحتى يصل الى مرحلة إيقافه، ان تأكد من عدم حدوث نوبة صرع. وهذا يدل على شفاء المريض من نوبة الصرع. لكن هناك انواعا من الصرع تكون مزمنة ويحتاج المصاب بها ان يتناول الدواء طوال العمر حتى يتحكم بنوبات الصرع».
المصدر : جريدة القبس