مع بدء الشهر الرابع من العام الجاري، لايزال ما يقرب من 107 آلاف مواطن ومواطنة من المتقاعدين ينتظرون بفارغ الصبر تنفيذ مشروع التأمين الصحي للمتقاعدين، والذي طال انتظاره وكثُرت التصريحات الصادرة من مسؤولي وزارة الصحة عن قرب تنفيذه منذ ما يقارب عاما ونيف، فلا يبدو على المدى القريب وجود أي بوادر للبدء في تفعيله على أرض الواقع، وتدشين عمليات المراجعة على المراكز الطبية المعتمدة بحسب نص القانون، لضمان انهاء معاناة المواطنين المشمولين بمواده، وذلك رغم الانتهاء من عملية الترسية على احدى الشركات، قبل مدة ليست بقصيرة.
المشروع كلّف خزينة وزارة الصحة ما يقرب من 100 مليون دينار، وحتى الآن لم تتضح معالمه بشكل مفصل ودقيق من خلال كيفية تطبيقه وموعد تدشينه الرسمي، والمراكز والمستشفيات التي يجب على المواطن المتقاعد ان يتردد عليها، كما ان هناك أكثر من تساؤل حول جدوى انفاق مثل هذا المبلغ على مشروع غير مكتمل الملامح، وقد يواجه صعوبات كبيرة فور البدء بتنفيذه، بينها التخصصات الطبية التي من المفترض ان تشمل المرضى الذين يحق لهم تلقي العلاج وفق القانون، اضافة الى توفير أقرب المواعيد الممنوحة للمراجعين، قياسا بأوضاعهم الصحية وتقدمهم بالسن، فضلا عن افتقاره لتغطية علاجات الأمراض والتخصصات النادرة، بحيث هناك مواطنون يعانون من أمراض مزمنة قد يكون علاجها غير متوافر في القطاع الخاص، او المراكز المشمولة بتغطية المشروع.
الأمراض المستعصية
وبحسب وثيقة التأمين التي يتكفل بها المشروع، فإنها لاتغطي النفقات الطبية عن الأمراض المستعصية، كالسرطان وغسل الكلى، وضعف السمع والبصر، ونقص المناعة، وزراعة الأعضاء، فضلا عن زراعة الأسنان والأطقم، وتقويم الاسنان وفقدان السمع، وجراحات الدماغ والقلب والاوعية الدموية، حيث إن اغلب المتقاعدين يعانون من تلك الامراض وغيرها، وهو ما قد يؤدي الى لجوئهم لمراكز ومستشفيات خاصة او حتى طلب العلاج بالخارج، لضمان تلقي العلاج الأنسب والمتوافر هناك، وعدم الاعتماد على مشروع التأمين الصحي للمتقاعدين، الذين قد تكون الحاجة اليه محدودة.
كما أن أعداد المواطنين الذين تتم احالتهم الى التقاعد في تزايد سنويا، وهو الأمر الذي يدعو الى اعادة صياغة الاسماء المشمولة بالمشروع، واضافة مواطنين جدد كل عام.
ومن الملاحظ على مواد قانون المشروع، فإن المادة السادسة منه نصت على أنه لا يجوز للمنشأة الصحية التابعة للقطاع الطبي الأهلي تقديم الخدمات الصحية وفقاً لأحكام القانون، إلا بترخيص وبعد استيفاء الشروط والأوضاع التي تضعها وزارة الصحة، ومن هنا قد تواجه المشروع ثمة مشاكل تتعلق بإصرار متلقي الخدمة على مراجعة مركز او مستشفى خاص معين «غير مشمول بالمشروع»، نظرا لوجود ملف له منذ سنين، ومعرفة الطواقم الطبية والهيئات التمريضية بالامراض التي يعانيها المواطن المتقاعد وحالته الصحية، وبالتالي صعوبة نقل الملف الى مركز آخر تفرضه الوزارة من خلال نص هذه المادة تحديداً.
كما أن المادة السابعة منه تنص على ضرورة أن يلتزم مقدمو الخدمات الصحية بتقديم الخدمات الصحية للمؤمن عليهم وفقاً للمعايير المهنية والأخلاقية المقررة، وطبقاً للأساليب الطبية المتعارف عليها وفق أحدث وسائل العلاج الحديثة، اضافة الى قيام مقدمي الخدمات الصحية بتحصيل قيمة العلاج من الجهات المنفذة، بحيث يُحظر تحصيل أي مبالغ من المؤمن عليهم مقابل الخدمات التي تشملها وثيقة التأمين الصحي.
وهنا نطرح اكثر من تساؤل حول احتمالية تعثر عمليات دفع المبالغ من الجهة المنفذة للمشروع الى المراكز الصحية المقدمة للخدمة، وبالتالي صعوبة استقبالها للمواطنين في حال عدم الالتزام بدفع المبالغ المستحقة لها، وعرقلة سير المشروع.
مراكز تخصصية
لعل رصد وزارة الصحة لـ 100 مليون دينار على مشروع قد يواجه صعوبات كبيرة وانتقادات حادة فور تنفيذه، لاسيما مع استمرار كثرة التصريحات عن قرب تدشينه دون اي مواعيد دقيقة، قد لا يكون قرارا صائباً، حيث كان من الأجدر إنشاء مراكز صحية تخصصية في مواقع متفرقة بالبلاد، على ان تكون تابعة إداريا للوزارة، وبإشراف مباشر منها، بحيث تتعهد بتوفير الطواقم الطبية والهيئات التمريضية على مستوى عالٍ فيها، دون الحاجة الى صرف هذا المبلغ، مع عدم ضمان تحقيق الأهداف المرجوة منه، او ما يطمح اليه المواطن المتقاعد.
فالمساحات والمواقع متوافرة شمال وجنوب البلاد، لتخصيص أماكن لهذه المراكز التي قد يتم توفيرها لمرضى القلب والسكري والضغط والكوليسترول، وأمراض الأسنان والكلى والجهاز الهضمي والتنفسي والمسالك البولية، وغيرها من الامراض التي يعانيها عادة كبار السن، وذلك بعد التنسيق مع جهات حكومية اخرى، كبلدية الكويت، ومن هنا تضمن وزارة الصحة الاشراف المباشر والدوري على هذه المراكز، وتزويدها بما يلزم، اضافة الى القضاء على اي سلبيات قد تظهر فوراً، فضلا عن امكانية شمولها، لكي تستقبل شرائح اخرى غير المتقاعدين، كذوي الاحتياجات الخاصة، وهو الأمر الذي يخفف ايضا الضغط على المستشفيات العامة ومراكز الرعاية الصحية في البلاد.
المصدر : عبد الرزاق المحسن \ جريدة القبس