0 تعليق
724 المشاهدات

«ذوي الامتيازات الخاصة»! بقلم: د. زينب الحساوي



تحية وتقديرا لوالدة سمية أبعثها عبر جريدة «الأنباء» صوت ذوي الاحتياجات الخاصة في الكويت.

سمية وصفت نفسها بذوي الامتيازات الخاصة، وذلك عبر رسالة خصتني بها وأنشرها لعلها تكون حافزا لمن استسلم لإعاقته.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد أفضل خلق الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

بداية أعرفكم بنفسي:

٭ اسمي سمية

٭ من ذوي الامتيازات الخاصة

٭ مصابة بمرض الصلب المشقوق

٭ طالبة في الجامعة

هنا يحتار قلمي ماذا عساه أن يكتب كلمات مدادها حبر دمي كلمات ملؤها شكر وعرفان كلمات يعجز عنها اللسان ولو وضع على حجر لنطق!

نعم لأنها أمي تلك الإنسانة الشامخة على رأسي، أمي ما أعظمها من كلمة وما أفخمه من اسم.

هي من أرست قواعد أفكاري ورسمت خارطة مستقبلي.

هي من علمتني أن مع بزوغ كل فجر تتجدد نسمات الأمل، علمتني أن غاية الحياة ليست المعرفة فقط بل العمل بجد وكفاح.

علمتني أنني خلقت للنجاح وليس للفشل.

كيف لا أفتخر بها كأم وأنا كوكب صغير في فضائها؟!

نهلت في كل يوم معها أعظم الدروس وأهمها الصبر.

لقد انحنت وقت تعبها وحملتني وأطالت الجلوس لتغذيتي وراقبت الوقت لتناولني دوائي.

كيف لا وهي تخرج في أي وقت لإتمام مواعيدي تحمل في صدرها الزفرات بكل عناء.

تشرح للطبيب مدى ألمي بغصاتها ووجعها.

وهي تحملني بدعواتها وهي تردد نعم هذه (ابنتي) بدون حرج أو خجل ما أعظمك وما أجملك من أم!

أكتب وملامح الخجل تتصفح وجهي!

كيف أرد لأمي كل هذا..؟

والله ثم والله هذه هي أمي نعم شموخ لحياتي.

قصائد الدنيا لا توفيك حقك ووصفك.

ها أنا تعلمت أبجدية الحروف بفضلك.

وتوشحت الصمود لأجلك مهما تبدلت الظروف أخط لك كلمات من حبر دمي.

شكرا أمي فكل مرحلة في حياتي تنطق باسمك.

ومع مراحل حياتي العلاجية فأنا مصابة بمرض منذ ولادتي يسمى مرض الصلب المشقوق، وهو تشوه خلقي نادر يحدث نتيجة عدم انغلاق جزء من الحبل الشوكي والعمود الفقري، وأدى ذلك إلى تلف في بعض الأعصاب وخروج جزء منها وأثر على عدم قدرتي على المشي أو الحركة في الجزء السفلي، مع تضخم في حجم الرأس وضعف في العضلات، وهذا عطّل الحركة لدي وأخّر بعض المهارات الطبيعية، كأن أنقلب على جنبي أو أتحرك كبقية الأطفال ومع هذه الظروف كانت أمي هي الدواء!

يكفي تألمها الخفي عندما تراني بهذا الوضع المؤلم، فأمي صاحبة القلب الحنون والعقل المنير والهدف السامي جزاها الله خير الجزاء كانت لي كل الحواس.

كنت أتحرك بنظراتها وكلماتها ولمساتها وتحفيزها لي.

لتكون لي خير عون بعد الله لم أشعر بإعاقتي تلك وهي بجانبي.

كان لها الدور الكبير في ذلك.

بدأت معي تعلمني كيف أتحرك وأنقلب واتنقل من مكان إلى مكان وأتغلب على أي ظرف يواجهني.

حتى أوصلتني كيف أتعامل مع صديقي الكرسي المتحرك وعززت ثقتي بنفسي في جميع مراحلي الدراسية.

ورغم ذلك لم أسأل نفسي يوما لماذا أنا هكذا؟!

حتى أسرتي لم تشعرني بذلك!

وعندما تعلمت على الكرسي المتحرك التحقت بالدراسة.

وهنا كانت الطامة الكبرى لي.

بدأت أواجه المجتمع الخارجي.

وبدأت الأسئلة تتهافت على مسامعي.

ما بك؟ متى تسيرين على أقدامك؟

ومتى حصل لك ذلك؟

وكأن المجتمع يعريني من الأمان الذي زرعته أمي بداخلي وأحسست كيف كانت أمي تعيش بغصات مؤلمة جدا حتى لا تشعرني بذلك وحتى تزرع الثقة بداخلي، عرفت كيف أمي كانت عمودي الفقري الذي لم احس يوما انه ينقصني عرفت كيف إن الجنة تحت أقدام الأمهات وعرفت وعرفت! ماذا عساني أن قول كل شيء كان يقول أمي هي كل شيء!

طبعا المواجهة والاختلاط مع المجتمع الخارجي جعلا لدي انتكاسة حقيقة لم أشعر بها يوما، بعدها انقطعت عن الدراسة وجلست أواجه آلامي بين أفراد أسرتي مع أن نظرات أمي ودعمها وكلماتها المحفزة لم تنقطع يوما، لا أعلم ما المدة التي جلست فيها منقطعة عن الدراسة ولا أريد أن أحسبها لكي لا أشعر بنقصي ومدى انعزالي عن المجتمع، لكن رغم ذلك مازالت تشد بيدي ابنتي حاربي وتفوقي على نفسك وعلى هذا الكرسي بل المجتمع بأسره، لا تدعي تلك العاصفة تهدم ذلك الشموخ والثقة التي زرعتها بداخلك، واقترحت علي أن ألتحق بمركز التأهيل الشامل وأطور نفسي وفعلا جربت ودخلت بعض الدورات لأخرج نفسي من تلك المعمعة وتلك الانتكاسة التي تكدست بداخلي، والإفلات من ظروفي التي تؤلمني، ولكي أركب سفينة الأمان وأعود من جديد ولكن هذه المرة مع أناس يحملون نفس ظروفي لأخرج بتدريج من صراعي الداخلي.

بعدها التحقت بجمعية الأطفال المعاقين وكان عمري آنذاك 17 سنة وكان هذا منعطفا جميلا في حياتي الذي مسح كل آلامي لأن دوري أصبح توعويا للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وزرع الثقة لديهم تلك التي افتقدتها يوما.

وبدأت أفكر في إكمال دراستي وفعلا سجلت والتحقت بالمدرسة ونجحت وتفوقت والحمد لله، كل هذا طبعا بفضل الله ثم أمي وزرعها الثقة بداخلي من جديد.

ولم يتوقف طموح أمي عند الثانوية فحسب بل بدأت تشجعني من جديد أن أكمل دراستي وألتحق بالجامعة، رغم انني كنت أرى ذلك مستحيلا علي ولكن بمساعدة أمي ومقولتها سيري أنت في خط النهاية لا تقفي، لا تجعلي لطموحك حداً فأنت مثل غيرك.

وفعلا قدمت على الجامعة مع تخوف من الفشل ولكن الحمد لله كان كل شيء يسير بفضل الله ثم دعواتها بيسر وسهولة، مع اني في البداية منحت تخصصا ليس من ميولي وبعد السنة التحضيرية طلبت التحويل لقسم الدراسات الاجتماعية قسم (اجتماع).

أحببت هذا القسم وكان أمنيتي منذ الصغر لأشارك المجتمع معاناته وأبث فيه رسائل القوة والتفاؤل والثقة.

شكرا ربي ولك الحمد..

رغم أن أمي لم تتعلم إلا اليسير إلا أنها استطاعت أن تجعل من نبتتها العطشى أجمل زهرة تحمل أجمل الألوان ومع الزمن سوف يستنشق عبيرها كل من حولها.

فشكرا أمي على كل لحظة من عمرك منحتيني إياها وعفوا على كل ألم وعلى كل دمعها وعلى كل حزن!

الآن فقط جاء دوري لأقدم لك ثمار ما زرعتيه لي.

الآن فقط أقول بأعلى صوت: أمي هي حركتي في الحياة.

بل هي الحياة بذاتها وأشكر ربي بأن جعل أما مثلك أمي!

بارك الله فيك ورزقك القوة والعزيمة والعمل المأجور إن شاء الله من رب الأجر بلا عدد.

اللهم اجعل ما أصابني وأصابكم من ابتلاء سببا في دخولنا الجنة. بلا حساب ولا سابقة عذاب.

شكرا لله ثم لكم ولكل من قدم لي يد العون.

شكرا يا سمية وأبارك لك انتصارك على الإعاقة.

zalhasawi@hotmail.com

drzainbalhasawi@

بقلم: زينب الحساوي

كتـاب الأمـل

+
سمر العتيبي
2018/12/09 3775 0
راما محمد ابراهيم المعيوف
2017/12/29 4151 0
خالد العرافة
2017/07/05 4691 0