لاتزال الأخطاء الطبية تشكل هاجسا لدى الجهات الصحية في مختلف دول العالم، التي تسعى لخفض نسبتها بشتى الوسائل الطبية الممكنة سواء بوضع توصيات وعقوبات صارمة أو من خلال الاعتماد على الأجهزة الطبية الحديثة والمتطورة، ولكن يزداد الأمر خطورة في حالة تعرض مواطن من ذوي الإعاقة إلى خطأ طبي يتسبب في تفاقم إعاقته وبتر جزء إضافي من ساقه المبتورة في الأصل بداخل احد المستشفيات الخاصة في الكويت، وذلك نتيجة لنسيان الأطباء والمشرفين على العملية خيطا في جسده، نتج عنه التهابات شديدة، طرحته في غرفة العزل بالمستشفى لمدة استغرقت 3 شهور. «الأنباء» التقت عددا من ذوي الاحتياجات الخاصة والناشطين في ذلك المجال للتعرف على تجاربهم مع الأخطاء الطبية، ومدى تأثيرها على زيادة شدة الإعاقة وتدهور حالتهم، والذين أكدوا على ضرورة إيجاد حلول لتلك الأخطاء، من خلال منع الإهمال والغش التجاري في العمليات الطبية،
وإليكم التفاصيل:
في البداية، أرجعت الناشطة في مجال الإعاقة أفراح العازمي «السبب في انتشار ظاهرة الأخطاء الطبية إلى الإهمال وعدم الخبرة الكافية، والتشخيص الخاطئ من قبل الأطباء والممرضين، بالإضافة إلى نقص الكوادر الطبية في بعض التخصصات والمجالات الطبية مما ينتج عنه المزيد من الأخطاء، فضلا عن نقص الإمكانيات والأجهزة الطبية الحديثة والمتطورة والتي قد تساهم بشكل كبير في تقليص نسبة تلك الأخطاء»، معربة عن استغرابها من «عدم وجود قانون رادع يحد من تلك المشكلات الطبية في الكويت»، متحدثة عن «صعوبة إثبات الحالات التي عانت من تلك الظاهرة نتيجة تكتم الوزارة على الأطباء وتسفيرهم أو إعادتهم إلى بلادهم دون حساب، إلى جانب قيام بعض الأشخاص بانتحال صفة الطبيب لاستغلال المرضى دون وجه حق وهو ما ينتج عنه زيادة وارتفاع في نسبة تلك الأخطاء».
تعطيل قانون الأخطاء الطبية
كما تحفظت على ادعاء البعض بوجود هامش مسموح لتلك الأخطاء، مؤكدة على «ضرورة وضع خطة ومسار قانوني لحماية أطراف العملية العلاجية سواء من الأطباء والممرضين أو المرضى، في ظل غياب وعدم وجود جهة مختصة ومعنية بالنظر إلى حوادث الأخطاء الطبية»، مدللة على ذلك «بتعطيل قانون الأخطاء الطبية، على الرغم من تفعيله في معظم دول العالم بهدف حماية مختلف الأطراف»، مشددة على «ضرورة تطوير عملية التأمين الصحي في ظل الخدمات الضعيفة التي تقدمها المستشفيات الحكومية وغياب الاهتمام بالنظافة والتعقيم بدرجة تكفي المرضى وتحميهم من الأمراض المختلفة».
قانون رادع
وأضافت العازمي أن «وزارة الصحة هي الملوم والمسؤول الأول عن انتشار تلك الظاهرة، وذلك لتحفظها بشأن بعض الأخطاء الطبية وإهمالهم لبعض الحالات»، لافتة إلى أن «الحل في يد كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية وذلك من خلال وضع قانون يحاسب كل من يتعدى على المريض، مثلما وضعوا قانونا خاصا بحماية الموظف أو الطبيب أثناء تأدية عمله».
أما فيما يتعلق بالعقوبات الرادعة التي لا بد أن تفرض على الطبيب في تلك الحالات، فأشارت إلى أنه «من المفترض أن يتم التدرج في العقوبات وفقا لطبيعة الخطأ المرتكب، ليتراوح بين الإيقاف المؤقت أو الدائم عن العمل، وصولا إلى تسريحه وسحب شهادة مزاولة المهنة».
مضاعفات خطيرة
من جانبه، تطرق تركي العجمي إلى تجربته مع الأخطاء الطبية بعد تعرضه لحادث في سن الـ 15، أدى إلى بتر ساقه اليسرى، بعد أن تم نقله إلى أحد المستشفيات الحكومية، لتبدأ رحلته مع الأخطاء الطبية في مختلف المستشفيات الحكومية ومن ثم الخاصة، لافتا إلى أنه «تم نقله إلى أحد المستشفيات في ألمانيا لتلقي العلاج بطريقة صحيحة وسليمة، حيث تم تركيب طرف صناعي مؤقت لحين قيامه بالمراجعة بعد عام لبتر جزء آخر من الساق».
وأضاف قائلا: «بعد عودتي إلى الكويت بعام قمت بالمراجعة المطلوبة في احد المستشفيات الخاصة في الكويت، والذين بدورهم أكدوا أن العلاج متوافر في الكويت، على أن يتم تركيب الطرف الصناعي بعد العملية في ألمانيا»، مشيرا إلى أن «النتيجة كانت جلوسي في المستشفى لمدة 3 شهور في إحدى غرف العزل وذلك بسبب خطأ طبي شديد الإهمال، وهو نسيان خيط داخل جسدي أثناء العملية مما سبب لي التهابات خطيرة»، مبينا أنه «بعد 7 شهور من تاريخ العملية أصابتني التهابات جديدة في العظم أدت إلى حدوث «غرغرينة»، ليصدر قرار بعلاجي في ألمانيا مرة أخرى، ويتم إخباري بأن الأخطاء والإهمال الطبي سيؤديان إلى بتر الساق حتى الفخذ، لأوافق على إجراء العملية وتركيب طرف صناعي في ألمانيا»، مشيرا إلى أن تلك الأخطاء أدت إلى تفاقم إعاقته، وإصابته باكتئاب نفسي، عوضا عن إصابته بالبرص في اليد والوجه، ولازالت المحاولات مستمرة لعلاجي في الكويت والمملكة العربية السعودية.
المريض صفقة للبعض
بدوره، توجه حسن البلوشي بسؤال للجهات المسؤولة والمعنية بالصحة في الكويت حول مدى علمهم بما يدور في المكاتب الصحية وغياب الآليات الواضحة لحماية المرضى من الأخطاء الطبية والغش التجاري والاحتيال الطبي والإحساس بمعاناة ذوي الإعاقة، مشيرا إلى «غياب الوسائل والسبل اللازمة لتوفير تلك الحماية للمواطنين داخل الكويت وخارجها»، لافتا إلى «ضرورة معالجة تلك المشكلات حتى لا يكون المريض كصفقة للبعض يسهل استغلاله من خلالها».
كما تطرق البلوشي أيضا إلى معاناته مع الأخطاء الطبية بعد تعرضه لحادث «دراجة نارية» وبتر إحدى ساقيه بالكامل في أقل من 24 ساعة، وذلك لحدوث تعفن وعدم وصول الدم إلى الساق، وعند سفره إلى بريطانيا حدثت له مضاعفات أخرى نتيجة أخطاء طبية وعدم الاهتمام بحالته، مشيرا إلى أنه اكتشف بعد سفره إلى ألمانيا لمتابعة العلاج، ضرورة بتر جزء آخر من ساقه المبتورة لزيادة التعفن، دون عملية تجميل، لرفض اللجان الطبية متابعة العلاج في الخارج كونه تعدى المدة العلاجية المتاحة له وهي 3 شهور.
«حقوق الإنسان»: تشكيل لجنة صحية لرصد التجاوزات الطبية
كشفت الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان في تصريح خاص لـ «الأنباء» عن أن «الجمعية بصدد تشكيل لجنة صحية معنية بمتابعة كافة الحقوق الصحية للمواطنين والمقيمين، وذلك بهدف رصد الأخطاء الطبية والتجاوزات التي يتعرض لها المواطن في الهيئات والجهات الصحية خلال الآونة الأخيرة»، مؤكدة أن «الجمعية حريصة كل الحرص على متابعة ذلك الملف باعتباره أحد الحقوق الأساسية التي لا بد من أن يحظى بها المواطنون بمختلف شرائحهم».
من جانبه، قال رئيس الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان خالد العجمي إن «اللجنة تهدف إلى متابعة ورصد التجاوزات أو ما يسمى بالأخطاء الطبية في المستشفيات في حالة وجودها»، لافتا إلى أن «تلك اللجنة تأتي في إطار حرص الجمعية على تطبيق كافة المعايير الصحية التي توصي بها المنظمات الدولية والعالمية فيما يتعلق بمهنة الطب، التي تعتبر من أسمى المهن وأكثرها أهمية في حياة المجتمعات».
وأضاف أنه «ومن خلال تلك اللجنة ستسعى الجمعية إلى إقامة العديد من المحاضرات والندوات والمبادرات التي من شأنها توعية المجتمع بحقوقهم الصحية والعمل على تحقيق خفض ملموس في حالات الأخطاء الطبية وعواقبها الوخيمة على المرضى من المواطنين والمقيمين».
كما أكد على «ضرورة التعاون المشترك مع كل الجهات الحكومية والخاصة المعنية بالصحة في الكويت بهدف معالجة الأسباب التي قد ينتج عنها تلك الأخطاء، ومحاولة وضع المزيد من الحلول لتلافيها، وذلك حرصا على صحة المواطنين والسعي للحصول على المزيد من الخدمات الصحية ذات الجودة العالية والخالية من الأخطاء».
«العفو الدولية»: ضرورة وجود هيئة مستقلة محايدة تراقب الأوضاع في وزارة الصحة
أشار عضو منظمة العفو الدولية وعضو جمعية الهلال الأحمر الكويتي مشاري السند إلى «انتشار ظاهرة الأخطاء الطبية، والتي أصبحت هاجسا مقلقا للمريض وذويه بعد تزايد معدلاتها في الآونة الأخيرة، مما نتج عنه فقدان الثقة في الأطباء والمستشفيات، بما يوجب علينا فتح ملف الأخطاء الطبية والتأمين على الأطباء، وآلية التبليغ عن الخطأ الطبي وحقوق المرضى وسلامتهم».
كما أيد السند الأصوات المنادية «بأهمية وضع آليات للحد من هذه الأخطاء»، مشددا على «ضرورة إيجاد الحلول التي من شأنها الحد من هذه الأخطاء في مستشفياتنا ومرافقنا الصحية ومنها إعداد مشروع لسلامة المرضى، واستحداث آليات للتبليغ عن الخطأ الطبي بكل شفافية، فضلا عن وجود هيئة مستقلة محايدة تراقب وتشرف على الأوضاع في وزارة الصحة».
وأضاف أن «قانون التأمين على الأطباء ضد أخطاء المهنة مازال حبيس أدراج الوزارة، منذ إقراره في عام 1989»، مشيرا إلى «فشل وزارة الصحة في تطبيقه حتى الآن لأسباب غير معروفة، على الرغم من دعوة مجلس الوزراء لجعل هذا القانون إجباريا على الأطباء».
تعويضات مادية لا يوجد لها سقف تأميني
عبدالرحمن خالد
قال خبراء تأمين ان مشكلة الأخطاء الطبية الناجمة عن الأطباء والتي تتسبب في اضرار للمرضى لا يمكن تحديدها ويجب اثباتها بالدليل عند رفع دعوى قضائية حتى يتسنى لشركات التأمين تعويض الحالة المرضية المتضررة من الخطأ الطبي.
وذكروا في تصريحات لـ «الأنباء» انه لم يتم تحديد سقف معين للتعويض الذي سيحصل عليه المريض في حال حدث خطأ طبي. وشددوا على ضرورة وجود أجهزة تأمينية تراقب تلك الأخطاء حتى يتم اتهام الجهة التي تسببت في ذلك الخطأ سواء كان خطأ بشريا او من عطل في الجهاز الطبي الذي يحدد حالة المريض او رعاية المستشفى له. وفيما يلي التفاصيل:
في البداية، ذكر أستاذ التأمين في كلية الدراسات التجارية بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي د. فهد بن عيد ان هناك عداء شديدا في مشكلة الأخطاء الطبية بين الأطباء وشركات التأمين، مبينا ان تلك الشركات تدفع تعويضات مادية للمتضررين عند حدوث خطأ طبي، لافتا الى انه كلما زادت الأخطاء الطبية فإن شركات التأمين ترفع من حجم الاقساط على الأطباء او المستشفيات، مما يسبب استياء لهؤلاء الأطباء من هذا الوضع.
وذكر ان اقساط التأمين ترتفع وتنخفض حسب حجم الأخطاء التي تتم.
وأشار الى انه لا توجد أجهزة رقابة احصائية لهذه المشكلة في الكويت، لافتا الى انه من الصعب ان تتم الاشارة بأصابع الاتهام الى أحد معين، موضحا ان هناك بعض الأجهزة الطبية في بعض الأحيان تحتاج الى صيانة او لديها عطل فني مما يجعل الأطباء يتبعون النتائج الصادرة عن هذه الأجهزة فلا يتم تحديد من هو المخطئ، وذلك يصعب مهمة الكشف عن المتورط في الضرر الذي اصاب المريض.
واقترح بن عيد ان يكون دور شركات التأمين انشاء وحدات رقابية صحية لأداء المستشفيات والأطباء والكوادر الطبية الأخرى والأجهزة الطبية، والتي بدورها ستكشف من هو المتسبب الحقيقي في الضرر او الخطأ الطبي.
وبدوره، قال الرئيس التنفيذي لشركة تآزر للتأمين عبدالرزاق الوهيب ان وثيقة التأمين تحمي الطبيب في المقام الأول وتحمي الأخطاء المهنية التي يتعرض لها الأطباء خلال العمليات الجراحية والاضرار التي تحدث، مبينا ان الحكومة تلزم الطبيب بأن يكون لديه تأمين على الأخطاء التي يتسبب فيها.
وأضاف الوهيب انه من حق المريض الذي تضرر من حدوث خطأ طبي معه رفع دعوى قضائية ضد الجهة التي تسببت في الاضرار الطبية سواء كانت المستشفى او الطبيب، لافتا الى انه اذا اثبت المريض الخطأ الطبي، فإن شركة التأمين المؤمنة على الطبيب او المستشفى تلزم بدفع تعويضات مادية للمريض.
وأوضح ان وثيقة التأمين لا تكلف شركات التأمين مبالغ باهظة، فهي تكون على شكل نسب بين شركات التأمين والمستشفيات، لافتا الى انه لا يوجد سقف معين للتعويض الذي سيحصل عليه المريض. من جهته، ذكر أمين عام الاتحاد الكويتي للتأمين عادل الرميح ان الاتحاد يتفاوض في الوقت الحالي «هاتفية» مع وزارة الصحة لوضع قوانين معينة للأخطاء التي يتسبب الأطباء فيها للمرضى ووضع رقابة معينة على ذلك، حتى تتضح الصورة بالنسبة لدور شركات التأمين في تلك الأخطاء.
وبين الرميح انه لا توجد فعليا احصائية تبين الأخطاء الصادرة عن الأطباء او التعويضات المدفوعة للمرضى المتضررين مقابل تلك الأخطاء، مشددا على ضرورة ان يثبت المرضى المتضررون من العمليات غير الناجحة او الأخطاء الطبية في حال تم رفع دعوى قضائية.
ولفت الى ان تلك الأخطاء تنقسم الى قسمين، الاول وهو الخطأ الناجم عن المستشفى والثاني الخطأ البشري.
|
|
|
المصدر : كريم طارق \ جريدة الانباء