هزم الإعاقة بقدرات فائقة وتخطى كل الصعاب ليتحول من مجرد شخص معاق إلى بطل عالمي صاحب إنجازات ومثال مشرف لدولة قطر وقدوة للأصحاء قبل ذوي الإعاقات بعد أن حقق العديد من النجاحات الرياضية المحلية والدولية.. تخرج ضمن فوج الدفعة الأولى لمركز الشفلح وانخرط بنجاح في سوق العمل، ليبدأ مسيرة جديدة من التميز والصمود.. إنه البطل خليفة الدوسري البالغ من العمر 22 عاماً والذي اكتشفت والدته إعاقته بالشلل الدماغي بعد ولادته وخضع لعملية جراحية خطيرة وهو لم يتعد عمره أسبوعاً واحداً، تكللت بالنجاح.. لم تستسلم أسرته وتابعت مراحل علاجه المختلفة حتى انضم إلى مركز الشفلح في 2003، فانكشفت مواهبه ومهاراته الكامنة.
عُرف عن خليفة الالتزام والأخلاق العالية وشغفه الكبير بالرياضة بكل أنواعها، ومنذ التحاقه بالشفلح وهو ضمن فرق المركز الرياضية، وساهم دعم الأهل وتعاونهم مع المركز في تميزه، وذلك لقناعتهم بأهمية البرامج الرياضية من الناحية البدنية والصحية وكذلك من الناحية الاجتماعية والنفسية.. لم تقتصر قصة نجاح خليفة على الإنجازات والنجاحات الباهرة التي حصل عليها في المجال الرياضي، بل تميز في تقديم إهداء خاص للوطن في الاحتفال باليوم الوطني 2013، من خلال اختياره من ضمن 16 شخصية قطرية منجزة ومؤثرة في الدولة وضعت على عاتقها حب الوطن والعمل لأجله.
نجا من الموت بإعجوبة.. والدة خليفة :
أحشاؤه ظلت خارج بطنه 3 أشهر
قام ببطولة فيلم الشرطي بسوق واقف
قالت والدة خليفة الدوسري إن ابنها ولد وهو في الشهر الثامن دون أن يكمل فترة الحمل “تسعة أشهر” وكان بصحة جيدة، وبعد أسبوع من ولادته تدهورت صحته وهو داخل الحضانة وتم إبلاغها بأن حالته خطيرة وأنه لن يعيش.. مشيرة إلى أنه دخل إلى غرفة العمليات وبعد أربع ساعات من الانتظار خرج الدكتور ببشارة نجاح العملية. وقالت إن أحشاءه كانت خارج بطنه وكان يأخذ العلاج لمدة ثلاثة أشهر، وظلت متابعة له بعد خروجه من المستشفى، في حرص شديد على مواعيد العلاج وتناول الدواء.
وأضافت أنه بعد أن أكمل سنتين اكتشفت أنه لا يستطيع المشي إلا على أطرافه الأمامية فأخذته للعلاج الطبيعي وعلاج الأعصاب لتكتشف بعدها أنّ لديه ضموراً بسيطاً في الدماغ “شلل دماغي” أثر في نقص الأكسجين وبدأ العلاج له وكان طفلاً نشيطاً وحركياً، وظل يتابع العلاج إلى أن وصل السادسة من العمر والتحق بروضة عادية وكان لا يستطيع نطق بعض الحروف أو الإمساك بالقلم وأكمل عامه في الروضة بصعوبة وشارك في الإجازة الصيفية في النادي العلمي القطري واستمر لمدة سنة، وكانت مشاركته مع المجتمع وعالم الأسوياء قفزة له بروح طفل محبوب يقدم ويشارك في كل الحرف كما يشاركونه إخوته.
وقالت: في اتصالي مع صديقة لي د.نوال حداد وهي أول من ذكر لي مركز الشفلح لذوي الاحتياجات الخاصة، وكأي أم قلقة على مستقبل ابنها كنت أبحث عما يناسب ابني من خدمات الرعاية الصحية والعلاج الطبي والتدريبات والتواصل مع الخارج والخدمات التعليمية والتأهيل المهني، فمن حقه أن يتعلم ويحصل على التعليم والرعاية. وشرحت لهم نوع الإعاقة “شلل دماغي بسيط”، ودخل خليفة الشفلح في السابعة من عمره وكان طالباً محبوباً ومتعاوناً للعلاج وللتعلم، مراحل العلاج كانت متتابعة طوال سنوات وجوده في المركز وكان علاجاً طبيعياً فقط، أما العلاج الثاني فهو من أجمل أنواع الرعاية الصحية والخدمات التعليمية والتأهيل في مركز الشفلح، وكانت أول مشاركة له هي دخوله في مجال الموسيقى ومسرح الشفلح، وكان بطلاً في مسرحية أبطال الشفلح ودوره في المسرحية هو الطالب المشاغب، ولم تكن هناك أي صعوبات عليه بالقوة والإرادة لعمل الأفضل دوماً يحب أن يكون الأفضل وتفوق في كل عمل يدخل فيه.
في عمر العاشرة أصبح لديه انحراف في عينه اليمنى وأجريت له عملية الانحراف وتم عمل نظارة طبية ولم يقلل ذلك من عزيمته فكان متحمساً لتقديم الأفضل، وفي الثالثة عشرة من عمره أراد مركز الشفلح تحقيق أمنية من أمنياته بأن يكون شرطياً وتم تصوير فيلم تحقيق حلم خليفة بكونه شرطياً في سوق واقف.
وأضافت والدة خليفة أن مركز الشفلح كان يحرص على إخضاعه للتمرينات اليومية كل يوم في المركز، وممارسة الرياضة الأسبوعية في السيتي سنتر على السكيت، ما جعله يحب أول رياضة في حياته، وهي رياضة التزلج على الجليد والرولي سكيت وكانت أول بطولة له في الألعاب الشتوية أجريت في ولاية أيداهو الأمريكية ٢٠٠٩، وأحرز ميداليتين برونزيتين وفي ٢٠١٠ اشترك في برامج الصديق الأمثل Best Buddies وكان سعيداً جداً بصديقه الجديد الطالب سعد السويدي من المدرسة الإعدادية، وكانا أفضل صديقين للبرنامج الناجح سافر خلاله لأمريكا يمثل البرنامج منظمة Best Buddies قطر وبعدها شارك في بطولات عالمية، والآن خليفة بطل العالم لثلاث رياضات الجري والتزلج على الجليد والرولي سكيت، والرياضة هي جزء هام في حياته وأصبح لديه حلم في تحقيق الأفضل وتطوير نفسه لرفع اسم قطر عالياً.
المدرب بمركز الشفلح.. علي هديب :
خليفة بارع في التزلج وألعاب القوى والعدو
فاز بميداليات ذهبية وفضية في بطولات عالمية متعددة
وصف المدرب علي هديب بمركز الشفلح خليفة الدوسري بالأسطورة، مشيراً إلى أنه انضم إلى فريق رياضه التزلج على الجليد ورياضة ألعاب القوى”عدو المسافات القصيرة 100م،200م” بعد ملاحظة وجود بعض عناصر اللياقة البدنية لديه وتميزه في المهارات الحركية الأساسية وشغفه وحبه الشديد لممارسة الرياضة وذلك من خلال حصص الرياضة في المركز.
وقال هديب إن تدريباته في التزلج في صالة التزلج على الجليد كانت في سيتي سنتر الدوحة، وأما ألعاب القوى فكانت البداية في نادي قطر من خلال برنامج التدريب الخارجي لطلبة المركز ثم تطور الأمر من خلال العلاقة الإيجابية والتعاون الكبير بين المركز والاتحاد القطري لرياضة المعاقين، حيث أصبح خليفة أحد اللاعبين المنتسبين لمنتخب ألعاب القوى في الاتحاد وأصبح يتلقى تدريبات يومية في الفترة المسائية في ألعاب القوى بشكل عام ورياضة العدو بشكل خاص.
وأضاف أنه خلال مشاركات خليفة في البطولات السنوية في رياضة التزلج التي ينظمها قسم الأنشطة الرياضية في المركز أظهر خليفه مستوى عالياً ومتميزاً في هذه الرياضة. وبناء على ذلك تم اختياره من بين الطلبة الذين شرّفوا وطنهم خير تشريف بالنجاح والمجهود الجاد، حيث أعطى الوطن أغلى إهداء يستحقه برفع اسم دولة قطر في المحافل الإقليمية والمحلية والخارجية، وذلك من خلال ثباته وقوته وعزيمته في كل مكان للحصول على الإنجاز، حيث حصل على الميدالية الفضية في سباق111م تزلجاً على الجليد عام 2009 في الألعاب العالمية الشتوية للأولمبياد الخاص الذي أقيم بالولايات المتحدة الأمريكية ايداهو، والميدالية الفضية في سباق222م تزلجاً على الجليد عام 2009 في الألعاب العالمية الشتوية للأولمبياد الخاص الذي أقيم في الولايات المتحدة الأمريكية ايداهو، كما حصل على الميدالية الذهبية في سباق 222م والفضية في سباق333م تزلجاً على العجلات عام 2011 في الألعاب العالمية الصيفية للأولمبياد الخاص الدولي الذي أقيم باليونان أثينا، و3 ميداليات فضية في تزلج على الجليد عام 2013 في الألعاب العالمية الشتوية للأولمبياد الخاص الدولي الذي أقيم في كوريا الجنوبية بيونج يانج، إضافة إلى ميداليتين ذهبيتين، وواحدة فضية في التزلج على الجليد عام 2015 في الألعاب العالمية الشتوية للأولمبياد الخاص الدولي الذي أقيم بالولايات المتحدة الأمريكية – لوس أنجلوس.
أخصائيون ومشرفون على حالته بالشفلح :
خليفة يتمتع بقدرات عالية في جميع المجالات
أكّد مجموعة من الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين المشرفين على حالة الطالب خليفة الدوسري بمركز الشفلح أن له تاريخاً طويلاً مع المركز وأنه من ذوي الإعاقة الذهنية البسيطة، ويتمتع بقدرات عالية في جميع المجالات من خلال تحقيقه الأهداف التربوية ضمن الخطة الفردية التي توضع له سنوياً وكان التركيز في تلك الأهداف على الجانب الاستقلالي والمهارات الحياتية، والأكاديمي، والجانب الاجتماعي والمهارات الحركية الدقيقة والكبيرة، ما كان له دور كبير في تسليط الضوء عليه لتبني قدراته وصقل مواهبه وانخراطه في مجال الرياضة، حيث كانت الدلائل تشير إلى ميوله الرياضية وموهبته فيها.
وأضافوا أن مشاركات خليفة كانت متعددة في المسابقات الرياضية على مستوى المركز إلى أن تم التركيز على رياضة محددة حسب ميوله وإبداعه فيها حيث حصل على العديد من الميداليات المحلية من خلال مشاركته في بطولات مختلفة. ساهمت الشراكة الأسرية بين المركز والأسرة بدور كبير في صقل شخصيته، حيث كانت الأسرة تلعب دوراً مهماً وأساسياً في مناقشة الخطط التربوية وحضور الاجتماعات الدورية والتواصل المستمر مع المركز والمشاركة في تقديم المقترحات واتخاذ القرارات المشتركة لمستقبل خليفة.
يتمتع خليفة بروح مرحة وحضور جيد، حيث إنه اجتماعي بطبعه ويحترم الآخرين وعلى تفاعل كبير مع الزملاء والفريق العامل، واكتسابه للمهارات والقدرات كان دافعاً قوياً لانخراطه في المجتمع الخارجي.. فعند انتقاله لقسم التدريب الوظيفي والخاص بتأهيل الطلبة والبحث عن الوظائف المناسبة لهم في مؤسسات المجتمع المدني، حيث أتيحت له الفرصة ليكون شريكاً مع فريق العمل في اختيار الوظيفة المناسبة له واتخاذ القرار بشأن المهام التي سيتم تكليفه بها، اجتاز خليفة المقابلة الشخصية بجدارة نظراً لثقته بنفسه، والقدرة على اتخاذ القرار وإدارته للحوار والنقاش والإجابة عن الأسئلة الموجهة له، ما سهل عليه الحصول على وظيفة إدارية بالحي الثقافي، ويعتبر خليفة أحد النماذج الناجحة التي تعكس مدى نجاح ذوي الإعاقة.
المصدر: منال عباس/ جريدة الراية .