0 تعليق
421 المشاهدات

حاسّة اللمس حوّلت كفيفاً إلى ماهر في إصلاح الدراجات الهوائية



ببراعة ومهارة عالية يُجيد سامر صيانة الدراجات الهوائية وتطويرها، لكنه لا يستطيع ركوبها؛ تلك مفارقة عجيبة بين عاشق (للبسكليت) ومحروم من تحقيق حلم الطفولة، فأصبح هاجسه منذ ان كان طفلاً كيف يقهر ذات العجلين، لكنه يُدرك أن الحلم الذي زامنه ثلاثة عقود لن يتحقق يوماً ما، بالرغم من محاولات جريئة لا تخلو من المخاطرة.
حين ينظر لذراعية وقدميه القويتين، يشعر بخيبة أمل، لانها ليست كافية لإمتطاء معشوقته، التي يُسرف جُلّ وقته في الجلوس بجانبها وتحسسها، حتى بات يعرف تفاصيلها الدقيقة، وربما كانت تلك الإحاطة والمعرفة السبيل الذي قاده لتعلم صيانتها بدقة بالغة، رغم فقدانه لحاسة الابصار.
طلب من والده ذات يوم شراء دراجة فجاء الرفض بشدة، لكن الأب الذي يميز بين ابنائه حقق حلم أخاه الاصغر فاشتراها له عن طيب خاطر، فتركت تلك القصة أثراً بالغاً في نفس سامر، لدرجة أنه اشتغل وجمع عشرة دنانير ليشترى دراجة مستعمله من كد يده، فكانت تلك البداية.
يعتبر الثلاثيني الذي تضاءل نور عينيه شيئاً فشيئاً حتى فقده بالكامل، أن الله عوّضه عن نعمة البصر، بحاسة اللمس، وقد ساعدته هذه المهارة التي بَََرع فيها أن يحقق جزءاً من حلم الطفولة، ليس بركوب الدراجة الهوائية، بل بتعلم إصلاح أعطالها بطريقة مذهلة، فهو من القلائل الذين يجيدون صيانة جميع أنواع الدراجات الهوائية بإتقان تام وأجرة زهيدة.
يقول: أن كثير من الزبائن لا تعلم بوجود إعاقة بصرية لدي، خاصة وهم يشاهدوني أستخدم ادواتي(المفكات والمفاتيح) لأنهم لا يلحظون حركات التحسس السريعة لمواضع البراغي التي أقوم بها بسرعة كبيرة، وحجم المفكات وأنواعها، لدرجة أنني بت أشعر بأنني اتعامل معها وكأنني أراها.
كانت الأسرة والمجتمع يقسوان عليه في المعاملة، فكلمات التجريح ونعته بإعاقته تترك لديه شعور كبير بالحزن، وهذا جعله يعمل في أـمانة عمان عامل وطن، لكن الحادث الذي تعرض له في أطرافه، افقده وظيفته بعد ستة شهور، فبات يشعر بالخوف والقلق على مستقبله لدرجة كبيرة دفعته إلى التفكير بالانتحار، لكن ايمانه بالله جعله يصر على مواصلة التحدي فبرع في تعلم أصلاح المدافى والغسالات والمسجلات، رغم أن الألوان كانت تشكل له عائقاً.
كثيرون غيره تحدوا إعاقاتهم وحاولوا شق طريقهم في الحياة، سواء في اتجاه التعليم، فحصل العشرات منهم على شهادات عُليا في تخصصات متعددة، فيما انصرف البعض الآخر لتعلم حرف يدوية تمكنهم من العمل وكسب العيش.
وفي هذا يرى الخبير في شؤون الإعاقة الدكتور راضي محمود، أن التحدي عند الاشخاص ذوي الإعاقة هاجس يؤرقهم، لذلك يجهدون في اتقان اعمالهم، لأن ذلك يعتبر إثبات وجود، فجميع الإعاقات لديها قدرات كامنة، يجب تحفيزها، والاستفادة منها، وهذا لن يتأتى إلا من خلال تدريبهم ودعمهم وتقديم الامكانيات كافة لهم.
لكن التقصير مع هذه الشريحة، ما يزال موجوداً كما يقول (أبو البراء)، فلا توجد جهات داعمة تؤمن لهم مشاغل للتدريب والتأهيل، لدمجهم في المجتمع بصورة صحيحة، وإن وجدت بعض المؤسسات فإن متابعتها بهذا الشأن متواضعة جداً.
ويرى بأن الدعم المادي لاقامة مشاريع له ولأقرانه يكاد يكون معدوماً، فهو ما يزال يقوم بحرفته من أمام منزله في منطقة أم نواره شرق عمان، وهي لا تؤمن مصروف عائلته بالكامل لذلك يتقاضى 100 دينار من صندوق المعونة الوطني مُكرهاً، ولو حصل على دعم لإقامة مشغلٍ خاصٍ به لصيانة الدراجات الهوائية لاستغنى عن دعم المعونة فوراً، لأنه يرفض أن يكون عالة على الدولة.
اطفال الحي لا يثقون اإا بعمله ومهارته في إصلاح وصيانة عجلاتهم، كما تولدت بينه وبينهم صداقة، لأنه يريد أن يحقق حلمه من خلالهم، فلا يتردد أن يصلح دراجة لفتى لا يحمل المال، ولا يُغالي في رفع قيمة أجور عمله.
بعض نصوص القوانين التي تُعنى بتوظيف ذوي الإعاقة لا تخدم هذه الشريحة في تأمين فرص عمل تناسب إعاقاتهم، فالمادة (13) من تعليمات نظام اللجان الطبية الحالي تقف حجر عثرة أمام تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة، إذ اشترطت عدم جواز توظيف هذه الشريحة، لأنهم وفق نص المادة (غير لائقين حكماً) بحيث يكون التعيين بالاستثناء فقط.
هذا النص يتناقض تماما مع مواد الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والتي تٌعتبر مٌلزمة التطبيق، كون الأردن من أوائل الدول التي صادقت عليها في العام 2008، إذ تقضي بعدم التمييز على أساس الإعاقة كما وردت في المادة(2) وكذلك الترتيبات التيسيرية المعقولة، المادة(2) ومبدأ تكافؤ الفرص (المادة 3) والحق في العمل المادة (27)..
وبين التناقض في نصوص القانون والتعليمات الصادرة بموجبه، تضيع حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل، ويبقى التعيين بدافع الشفقة والعطف، رغم إن المادة (الرابعة) من قانون حقوق الأشخاص المعوقين رقم 31 لسنة 2007 ألزمت القطاعين العام والخاص بتشغيل ما نسبته 4 % لكنها تبقى حبرا على ورق عند معظم المؤسسات والشركات.
التعديلات الجوهرية التي أجراها المجلس الأعلى لشؤون المعوقين على القانون آنفاً، ربما تزيل هذه العثرات، وتمنح هذه الشريحة الحق في العمل بغض النظر عن الاعاقة، في حال اقراره بعد رفعه الى مجلس النواب.
* يمنع  الاقتباس  او اعادة  النشر الا بأذن  خطي مسبق  من المؤسسة الصحفية

 

المصدر: حيدر المجالي-الأردنية – جريدة الرأي .

كتـاب الأمـل

+
سمر العتيبي
2018/12/09 3777 0
راما محمد ابراهيم المعيوف
2017/12/29 4154 0
خالد العرافة
2017/07/05 4693 0