تعد الكويت من الدول الأولى التي اهتمت بشريحة ذوي الاحتياجات الخاصة وأولتهم جل الرعاية والأهمية والأولوية باعتبار أن الاهتمام بالعنصر البشري المؤشر الحقيقي لرقي الأمم وتقدمها.
وبناء على ذلك لم تأل البلاد جهدا في تقديم كل أوجه الرعاية والعناية لمواطنيها من المعاقين وامتدت تلك الخدمات إلى المقيمين على أراضيها من منطلق إيمان الدولة بالقيم الإنسانية والعربية والإسلامية.
وعلاوة على ذلك كانت الكويت سباقة على المستويين الإقليمي والخليجي في إصدار أول قانون بشأن رعاية المعاقين الذي أنشئ بمقتضاه المجلس الأعلى لشؤون المعاقين كما تتلاقى جهود السلطة التنفيذية مع جهود مجلس الأمة في الاهتمام بقضايا المعاقين لتوفير الوسائل اللازمة لتأمين وتوفير حياة كريمة.
وبحسب القانون رقم 8 لسنة 2010 فإن المعاق تعريفا هو “كل من يعاني اعتلالات دائمة كلية أو جزئية تؤدي إلى قصور في قدراته البدنية أو العقلية أو الحسية قد تمنعه من تأمين مستلزمات حياته للعمل أو المشاركة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين”.
وفي هذا الصدد قال المدير العام للهيئة العامة لشؤون المعاقين الدكتور طارق الشطي إن الهيئة تبذل جهودا كبيرة لمواكبة متطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة ومحاولة تذليل الصعاب أمامهم لاسيما في عملية انخراط الخريجين منهم في سوق العمل وفق قدرات كل حالة.
وأكد الشطي أن الهيئة فعلت أخيرا قسم التشغيل والتوظيف في قطاع الخدمات التعليمية والتأهيلية وبدأت استقبال طلبات الباحثين عن عمل من ذوي الاحتياجات الخاصة كاشفا عن ربط عمل القسم مع ديوان الخدمة المدنية مباشرة.
وأضاف أن الهيئة وقعت بروتوكول تعاون مع برنامج إعادة هيكلة القوى العاملة ونظمت لقاء مع القطاعات الحكومية وبعض الجهات في القطاع الخاص لتنويرهم بالتزاماتهم بموجب مواد القانون رقم 8 لسنة 2010 القاضي بتوظيف ما لا يقل عن 4 في المئة من ذوي الإعاقة.
وأوضح أن الهيئة دشنت هذا العام مشروع إنشاء الورش المحمية الهادف إلى تأهيل وتشغيل ذوي الإعاقة الذهنية البسيطة والمتوسطة وكذلك الإعاقات المزدوجة.
وذكر أن “مشروع الدمج المجتمعي يهدف إلى دمج ذوي الاحتياجات الخاصة بسوق العمل” مبينا أن الهيئة تنسق مع الجهات الحكومية وكذلك مع القطاعين الخاص والنفطي لتوظيف ما لا يقل عن 4 في المئة من إجمالي عدد الموظفين الكويتيين وفق المادة 14 من القانون.
وأكد أن الإصرار والعزيمة والإرادة القوية دفعت عددا لا بأس به من ذوي الاحتياجات الخاصة لتبوؤ مناصب قيادية في القطاعين العام والخاص وحصول البعض على ميداليات في كثير من الألعاب الرياضية وغيرها.
وقال الشطي إن هناك من يشغل حاليا مناصب مرموقة بمؤسسات الدولة فمنهم من وصل إلى درجة وكيل مساعد وعدد آخر أصبحوا أساتذة بدرجة بروفيسور بكليات جامعة الكويت اضافة إلى أن مجلس إدارة الهيئة يضم عددا منهم وهناك جمعيات نفع عام تمثلهم.
وأكد أن من أهم التحديات التي تواجه هيئة المعاقين في عملية التوظيف هي كيفية جعل القطاع الخاص بيئة جاذبة لعمل ذوي الإعاقة وتهيئة الأجواء المناسبة لهم وكذلك تحمل القطاع الخاص المسؤولية بتوظيف ما نسبته 4 في المئة من ذوي الإعاقة.
وقال إن ديوان الخدمة المدنية متفهم ومتعاون مع الهيئة في عملية استيعاب ذوي الاحتياجات الخاصة وتوظيفهم ونتطلع إلى توقيع مذكرة تفاهم حول تطوير إمكانات طالبي التوظيف من هذه الفئة وإيجاد الوظائف التي تتناسب مع قدرات كل حالة.
وأشار الشطي الى أن مبادرة (أحلم) جاءت لتحقق الأهداف التي تسعى إليها الهيئة والمنظمات الدولية الرامية إلى دمج الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة في سوق العمل ضمن بيئة تناسب قدراتهم وإمكاناتهم.
ووصف المبادرة بالطموحة جدا “ونالت إعجاب الجميع لا سيما أنها نابعة من أعماق شخص يعتبر نموذجا يحتذى به في النجاح والتفوق وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين حقق طموحه ويريد أن يكمل مشواره ليحقق طموح الآخرين”.
وبين أن الهيئة ستوفر الدعم للمبادرة وتساندها بكل السبل مؤكدا أنها تحقق أضعاف ما هو مطلوب لدمج ذوي الإعاقة بسوق العمل لاسيما في القطاع الخاص وبما يحقق الشراكة المجتمعية وأهداف وغايات التنمية المستدامة.
وللاطلاع اكثر على مبادرة (أحلم) التقت رئيس فريقها إبراهيم الكندري الذي استطاع بعزيمة وإصرار كبيرين أن يشق طريقه نحو تحقيق حلمه الذي كان يراوده أثناء دارسته الجامعية بتوفير فرص عمل لفئة ذوي الاعاقة من خريجي جامعة الكويت والجامعات الأخرى.
ويعد الكندري الذي واجه صعوبات التوظيف في بداياته بسبب إعاقته الحركية مثالا يحتذى به في تحقيق الذات وهو الذي لم “يتهيب صعود الجبال” كي لا يعيش “أبد الدهر بين الحفر” فتحدى الصعاب والعراقيل للوصول الى هدف وضعه نصب عينيه فنجح بإيجاد برنامج خاص لتدريب الخريجين من ذوي الاحتياجات الخاصة.
ويهدف هذا البرنامج الذي يعد انجازا كبيرا لهذه الفئة إلى تطوير قدرات هؤلاء الخريجين ومساعدتهم في إيجاد عمل في شركات القطاع الخاص وبالفعل تم تخريج الدفعة الأولى من البرنامج.
وعن تفاصيل هذا البرنامج وهموم وشجون المعاقين قال الكندري إن “هذه المبادرة تبلورت فكرتها عندما طلب مني التحدث حول استراتيجية الدولة تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة وأثناء بحثي بالتعاون مع إحدى الشركات المتخصصة اكتشفنا أن عدد الأشخاص المنخرطين في سوق العمل من من هذه الفئة صغير جدا”.
وأوضح الكندري أن الأرقام غير الرسمية المتداولة تشير إلى وجود أقل من 1000 معاق يعملون في القطاعين العام والخاص وبالتالي يعد هذا الرقم مقارنة مع عدد الأشخاص المسجلين بالهيئة العامة لشؤون المعاقين والمقدر ب 47 ألفا صغيرا جدا”.
وأضاف أنه من خلال البحث المكثف مع بعض المتخصصين وإجراء البحوث النفسية والاجتماعية على الأشخاص ذوي الإعاقة “وجدنا أن الكثير منهم تتم تربيتهم منذ الصغر على الاتكالية وعدم العمل فيشعرون بأنهم مهمشون وليس لديهم رغبة في العمل والانتاج أو تقديم اي شيء للمجتمع”.
وأكد أن منح الدولة الإعانات المساوية للراتب (في حال العمل) لهذه الفئة قد لا يشجع على الإنتاجية والعمل موضحا أنه في بعض الأحيان تكون الإعانة “مهمة لمن تحول إعاقته عن العمل لكن الكثير من الذين يحصلون عليها قادرون على العطاء”.
وأشار الكندري إلى أن “بعض أفراد المجتمع الكويتي يرى أن العمل مرتبط بالمال (الراتب) وأن تقييم أي عمل مرهون بالراتب وليس بتحقيق الذات واحترامها وبناء المستقبل”.
وأضاف “جل اهتمامنا ينصب على كيفية المساهمة في معالجة هذه المعضلة حيث إننا من خلال الاتصال بمجموعة من الشركات حول العالم وصلنا إلى إحدى المنظمات المملوكة جزئيا للحكومة البريطانية والمتخصصة بمعالجة مشكلة الأشخاص الذين هم على بند الإعانة في بريطانيا ودول العالم وهي (وركينغ لينكس)”.
وذكر أن مدربي هذه المنظمة متخصصون في تحويل فكر الأشخاص والفئات المحرومة إلى فكر يقبله سوق العمل مبينا أنه تم خلال ستة أشهر تطوير برنامج خاص بذوي الإعاقة ليتواكب مع الثقافة الكويتية ويتلافى الفروقات الاجتماعية الموجودة وأطلق عليه اسم (أحلم)”.
وأكد حصول خريجي الدفعة الأولى من هذا البرنامج على عروض وظيفية حقيقية من مجموعة من الشركات الكبيرة في القطاع الخاص مشددا على ضرورة إثبات أن لهذه الفئة مكانة في المجتمع وأنها من اختارت أن تكون فاعلة.
وأشار الكندري إلى أن “المبادرة خرجت من رحم القطاع الخاص وهو قادر على الوقوف جنبا إلى جنب مع الحكومة لتطوير قدرات ابناء الكويت خلال المرحلة الحالية”.
وأضاف ان جامعة الكويت ممثلة بعمادة شؤون الطلبة قدمت دعما قويا للمبادرة من خلال تخصيص قاعات للمحاضرات وكذلك برنامج اعادة هيكلة القوى العاملة والجهاز التنفيذي للدولة كان حاضرا في البرنامج لدعم التوجه نحو القطاع الخاص.
وأوضح أن الأشخاص ذوي الإعاقة بحاجة إلى مواجهة تحديات القطاع الخاص الذي له دور كبير في تشكيل جيل جديد قادر على بناء كويت الحاضر والمستقبل مشيرا إلى أن فريق (أحلم) تعمد أن تتعايش هذه الفئة مع الحياة الحقيقية بدلا من استسهالها.
من جانبه أكد المدير العالمي والشريك في منظمة (وركينغ لينكس) جون أوليفر ل (كونا) أن المنظمة لم تتأخر في تقديم المساعدة والاستشارات اللازمة لدعم تلك المبادرة بل جاء ذلك ضمن الأهداف التي أنشئت المنظمة من أجلها.
وقال أوليفر “إننا مستمرون في متابعة مبادرة (أحلم) ودعمها إلى حين ضمان تطبيق البرنامج وآلية عمله بالشكل الموضوع” مشيرا إلى أن البرنامج مخصص للقطاع الخاص ولا علاقة للحكومة فيه.
إلى ذلك ووفقا لتقرير جديد أصدرته الهيئة العامة لشؤون المعاقين في الكويت وخصت بنشره فإن عدد المعاقين المسجلين رسميا في سجلات الهيئة لعام 2015 بلغ 40839 معاقا من إجمالي عدد سكان الكويت البالغ 879ر215ر4 مليون شخص نصيب الكويتيين من ذوي الإعاقة هو 35947 شخصا أي ما نسبته (76ر2 في المئة).
وبحسب التقرير بلغ عدد المعاقين غير الكويتيين 4892 معاقا أي ما نسبته 167ر0 في المئة في حين أوقفت الهيئة 4272 ملفا وأغلقت 4286 ملفا بسبب الوفاة ورفضت التجديد ل 3608 ملفات بسبب عدم تحديث البيانات.
وذكر أن الإعاقات تنوعت بين ذهنية وعددها (12151) حالة و(12548) جسدية و(4090) بصرية و(2967) سمعية و(3069) تأخر تطوري و(1708) حالات تعليمية و(3743) حالة وأعلى حالات الإعاقة تركزت في محافظتي الأحمدي والفروانية ثم الجهراء والعاصمة وأخيرا حولي ومبارك الكبير.
ووفق التقرير يقدر إجمالي عدد المعاقين الذين بلغوا سن 18 عاما وما فوق من الذكور والإناث هو (25249) شخصا نصيب الكويتيين منهم (22721) والباقي غير كويتيين أما إجمالي عدد المعاقين الذين هم تحت عمر 18 عاما من الذكور والإناث هو (15505) نصيب الكويتيين منهم (13219) والباقي غير كويتيين.
وبين أن عدد الأشخاص المعاقين من الذكور أعلى من الإناث سواء كان فوق 18 عاما أو اقل مشيرا أن عدد الذكور لمن هم فوق 18 عاما بلغ 15293 بينما الإناث 9956 وكذلك لمن هو أقل من 18 عاما حيث بلغ عدد الذكور 9904 مقارنة بعدد الإناث البالغ 5547.
وبحسب التقرير بلغ عدد الطلبة المسجلين في مدارس التربية الخاص التابعة للهيئة العامة لشؤون المعاقين 7050 طالبا وطالبة من مختلف المراحل الدراسية حتى الثانوية العامة.
أما عربيا فأفادت تقارير متخصصة بأن نسبة الإعاقة في الدول العربية تتراوح بين 4ر0 و9ر4 في المئة من نسبة السكان حسب بيانات اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا).
ووفق تقارير منظمات عالمية ومنها (إسكوا) لعام 2014 والصحة العالمية لعام 2012 فإن عدد المعاقين في العالم يبلغ حوالي مليار شخص أي ما يقارب 15 في المئة من عدد سكان العالم من بينهم حوالي 93 مليون طفل معاق (منظمة الصحة العالمية 2012) وأن 13 في المئة من هؤلاء الأطفال لديهم إعاقات صعبة.
المصدر : جريدة الراى العام