“يبوح لك الفجر دوما بأسرار الأمل… لتعزف طيوره نغمة تصدح على مسامع الكون قائلة: أنت سعيد” عبارة قالتها تقى المجالي (22 عاما) تؤكد نظرتها المفعمة بالأمل واصرارها في التعلم والاجتهاد في صناعة مستقبلها بيدها.
فقدان المجالي لنعمة البصر منذ الولادة لم يقف حجر عثرة في وجه تطلعاتها، وظلت تحتفظ بروح المثابرة في مسيرتها التعليمية رغم الصعاب التي واجهتها إلى أن حصلت على شهادة البكالوريوس في الحقوق، وها هي تواصل المشوار بدراستها للماجستير في جامعة مؤتة.
لم تلتحق بمدرسة خاصة للمكفوفين كأقرانها، وإنما بمدرسة حكومية استطاعت التكيف بها بعد مواجهتها بعض الصعوبات في التنقل، وتأقلم الأطفال الصغار مع طالبة كفيفة البصر.
تثني المجالي على دور معلماتها الكبير في مساعدتها في تلقي العلم بجميع المراحل، فقد تلقت العلم من المرحلة الأساسية وحتى حصوله على شهادة الثانوية العامة بذات المدرسة التي شاركت بها بالعديد من النشاطات والفعاليات مثل، مشاركتها في أداء المسرحيات، والإذاعة المدرسية، واختيارها “كعريف حفل” في المناسبات التي تقيمها المدرسة.
حصلت المجالي على معدل عال في الثانوية العامة/ الفرع الأدبي هو 92 %، وكانت سعادتها وعائلتها غامرة في ذلك اليوم، وعزمت الالتحاق بالمعهد القضائي الأردني لرغبتها في ذلك، لكنها علمت أن هناك شروطا للقبول تتطلب ضرورة اللياقة الصحية، لهذا اتجهت للتقديم بالقبول الموحد وحظيت بمقعد لدراسة الحقوق في جامعة مؤتة.
تعد الجامعة نقلة نوعية في حياة المجالي، لاكتشافها قدرات لم تولها اهتماما من قبل، فكانت تعتقد أنها تتلقى المديح مما حولها نظرا لتفوقها العلمي فقط.
الثقة بالنفس، الاندماج مع الآخرين سريعا، حب الاكتشاف، كسب المهارات والمعارف، ووضع الحلول والبدائل جميعها صفات شعرت بها المجالي عندما واجهتها الصعاب في المرحلة الجامعية واستطاعت التغلب عليها بالإصرار والعزيمة.
مثل صعوبة التنقل في بادئ الأمر، واشتراط الأساتذة وجود كاتبة من تخصص آخر غير الحقوق ليكتب لها، أما من الناحية الاجتماعية فسرعان ما اندمجت المجالي مع زميلاتها وتأقلمت مع الجو الجامعي واختلافه عن المرحلة الدراسية.
تسعى المجالي لأن تكون قاضية في المستقبل، لإيمانها المطلق أن العدل أساس الحياة، وحتى لو أن الأمر صعب تطبيقه في المملكة، لكنها تأمل وتتمنى أن تحظى به كسائر الدول المتقدمة.
استخدمت المجالي التسهيلات الخاصة بالمكفوفين في تلقي العلم، مثل البرنامج الناطق، وتسجيل المحاضرات من قبل الأساتذة، وانتقلت لعالم المعرفة من خلال الأبحاث والكتب والإيميل وغيرها من المعارف.
تفوق المجالي الدراسي لم يمنعها من ممارسة هوايتها في كتابة المقالات الهادفة، التي حظيت بالفوز وهي بالمرحلة الثانوية، عندما شاركت “بمسابقة في اليابان” مثلت بها الأردن تحت عنوان “كفيفة ولكن بصيرة”، مما كان لها أثر ودافع قوي في حياتها.
ومن الأشخاص المؤثرين في حياة المجالي والدتها ووالدها الدكتور فيصل المجالي، وأيضا خالتها الدكتورة رابعة المجالي، فالعائلة منحتها الثقة بالنفس كونها لم تشعر يوما أنهم لديهم ابنة ذات إعاقة وهنا تولد لديها التقبل للنفس والسعي لصنع الذات، وعن خالتها فكانت دائمة الحديث والتوجيه لكيفية الاستفادة من جميع الفرص في الحياة.
“يستطيع ذوو الإعاقة تحقيق أهدافهم بصنع بيئة والتكيف معها” وفق المجالي، فقاموس الحياة لا يعرف الهزيمة، إذ علينا دائما أن نسعى إلى الأفضل والأحسن، فكل له معرفة وقدرات، فقط عليه الوقوف أمام نفسه وتحديد الهدف لبلوغه.