لم تقدم الدراما العربية بكافة أشكالها شخصية المعاق بموضوعية وصدق وإنما استغلت إعاقته الذهنية والجسدية في التأثير عاطفيا على المشاهد
يشهد بلدان العالم الثالث حروبا وأوضاعا صحية متدهورة نتيجة للفقر والجهل، وتسببت هذه الأوضاع المستمرة في زيادة أعداد الإعاقات الجسدية والعقلية، وأصبح من الصعب في ظل التطورات المتسارعة في مختلف حقول الاعلام القفز عن المشكلات الحقيقية التي تواجه هذه الفئة الخاصة من المجتمع، وعدم إيلائها الاهتمام وتركيز الضوء على قضاياها وتقديم صورة صادقة عن شخصية المعاق ووضعه النفسي والاجتماعي وتقديم معاناته في بيئته ضمن رؤية موضوعية بعيدة عن التصور المرتبط بالشك والريبة أو المرتبط بمشاعر التعاطف السلبي.
وإذا كان للصورة المرئية تأثير كبير في ذهن المشاهد كما يقول الإعلامي الأميركي جيري ماندر في كتابه “أربع مناقشات لإلغاء التلفزيون” الذي أشار إلى أن “الفضائيات تعد اليوم واحدة من اهم مصادر الصورة فإذا كان الناس يتلقون الصور التلفازية بنسبة اربع ساعات يوميا فمن الواضح أنه مهما كانت فوائد الصور التي يحملها الناس في أفكارهم فإن الفضائيات الان هي مصدرها”، فإن الصورة التي تقدمها الدراما السينمائية والتلفزيونية للمعاق هي ما يلتقطه المتلقي وتبقى راسخة في ذهنه، وتنعكس على تعامله مع المعاق في حياته الواقعية.
أغلب ما قدمته السينما العربية في هذا المجال صورت للمشاهد شخصية المعاق على أنه غبي أو ضعيف لا حول له ولا قوة مثلما ما قدمته السينما المصرية في فيلم “مبروك وبلبل” الذي مثل الفنان يحيى الفخراني فيه دور المعاق ذهنيا الذي تستغله لغبائه وضعفه فتاة وتتزوجه للتهرب من قضية دعارة. والدور الذي مثلته نبيلة عبيد في فيلم “توت توت” حيث جسدت دور معاقة عقليا يتم استغلالها جنسيا.
وقد حاولت الدراما العربية في معظم أعمالها التي تناولت شخصية المعاق استغلال نفسية المعاق وتعامله مع الآخرين من أجل التأثير عاطفيا على المشاهد وكسب شفقته، وهذا التأثير جعل من المعاق في المجتمع مستدرا للعطف ويتم التعامل معه وفق الصورة التي قدمتها الدراما، فقد أثبتت الكثير من الدراسات النفسية المرتبطة بوسائل الإعلام دور التجسيد المرئي للشخصيات في إحداث التأثير على المتلقي وتغيير سلوكه الحياتي سلبا أو إيجابا تجاه كثير من القضايا التي تتعرض إليها الدراما في تناولاتها وأشكالها المختلفة.
فأغلب البرامج التلفزيونية التي تتناول قضايا المعاقين في تقاريرها وتلتقي بهم ضمن تلك البرامج تعمد إلى تقديمهم بصورة هامشية، وغالبا ما يتحاورون معهم بأسلوب يشي بالتعاطف ويوجهون إليهم أسئلة بديهية وبسيطة مما يرسخ في الأذهان وبطريقة غير مباشرة الفارق الثقافي والاجتماعي بينهم وبين الآخرين، وحتى في هذا الطرح الذي يقصد به نوع من التعاطف الإنساني مع هذه الفئات الخاصة فإننا نتلمس نوعا من التقديم الفني المعتمد على استدرار العطف أكثر من إبراز الصورة الصادقة والموضوعية والإنسانية لهم.
وربما تتحمل الأعمال التلفزيونية المسؤولية الكبرى في إعطاء الصورة الكوميدية والسفيهة عن المعاق، ذلك لأن التلفزيون هو الوسيط الإعلامي والناقل الأكثر شهرة وانتشارا في البيوت وبين مختلف الفئات العمرية فقد ساهمت أغلب المسلسلات في تقديم صورة مشوهة من حيث الأداء الذي قدمه الفنان والقيم الإنسانية التي يملكها حقيقة شخصية المعاق، بالإضافة إلى بعض القدرات والمواهب الخارقة التي تظهرعند بعض المعاقين خاصة أصحاب مرض التوحد.
وقد بالغت بعض المسلسلات في تشويه صورة المعاق حيث أظهرتهم على شكل أناس خطرين ومجرمين ولصوص كما في مسلسل باب الحارة إذ قدم المسلسل شخصية “صطيف الأعمى” على أنه جاسوس وقاتل وسارق، وهذا التجسيد أثر في سلوك الأفراد تجاه المعاقين جسديا وفقد صورته المتعارف عليها حياتيا لتحل محلها الصورة التي قدمتها الدراما والتي يعتمد عليها شكل التعاطي مع المعاق كشخصية شريرة.
وبجانب الصورة التي قدمتها الدراما بشقيها التلفزيوني والسينمائي والبرامج الاجتماعية فإن الأغاني العربية قدمت شخصية المعاق كجزء من حكاية الأغنية التي تعتمد على الإضحاك والأسلوب الكوميدي مستغلة جانبا ومشهدا بصريا من الإعاقات كما ظهر هذا واضحا في كليب أغنية “قرب ليا” للمطرب ساموزين وأغنية “وين أنت” للمطرب حبيب علي، وفي أغنية نجاة الصغيرة “لا تكذبي” اعتمدت صورة قلقة ومريبة للمعاق تقوم على الشك والتوجس.
ربما أصبحت الحاجة ماسة وضرورية لعرض شخصية المعاق وقضاياه بدون مجاملات أو مبالغات أو تسفيه أو تهريج، لأن هذه الفئة تشكل شريحة كبيرة في مجتمعاتنا، ومعالجة همومها من خلال الدراما بكافة أشكالها يساهم في خلق صورة إيجابية وواقعية ومتفائلة عنهم، باعتبارهم جزءا من المجتمع له حقوق وعلى كافة المؤسسات المعنية مساعدته في الحصول عليها.
المصدر: جريدة ميدل ايست اونلاين .