لم يعلم «عمر» ذو الـ15 عام، أن إصابته بـ«متلازمة داون» ستلهم والدته سيدة الأعمال السعودية سنثيا كردي، ليكون ركيزة أساسية في مشاريعها وأنشطتها الاجتماعية التي تصب لصالح ذوي الإعاقة، إذ كانت البداية من عشق عمر لكيك والدته، التي سمتها «كيكة عموري»، وبعدها أسست سلسلة مقاهي «آموري» في المنطقة الشرقية، في حين تصف كردي كيكة عموري بأنها «حققت نجاحا وانتشارا كبيرا، وكانت مصدرا للتفاؤل والاستمرار».
وتتحدث كردي عن البداية بالقول «أسست المقهى عام 2003، وكان عمر هو مصدر إلهامي، فإصابته بمتلازمة داون لم تضعفني بل أمدتني بالقوة، وسميت المقهى (آموري) نسبة لابني عمر، ولأن آموري تعني باللغة الإيطالية الحب، وهذه الفئة من أطفال متلازمة داون كلهم حب وحنان»، في حين توضح أن عمر كان أيضا دافعا لها لتأسيس مركز خاص للرعاية النهارية بمدينة الخبر، الذي تتولى شؤون إدارته.
وعلى الرغم من أن كردي لم تستسلم لمشاعر الإحباط التي تحاصر أمهات أطفال متلازمة داون، فإنها لا تخفي استياءها من نظرة المجتمع لهذه الفئة، والمعاناة التي يعيشها ذووهم، إذ تقول «أتمنى أن أستطيع نشر ثقافة الأطفال من ذوي الإعاقة، من ناحية تقبل المجتمع لهم ودمجهم فيه بما يساعدهم على أن يكونوا أشخاصا فاعلين ولهم دور وقادرين على أن يكونوا مساندين للمجتمع وليسوا عبئا عليه»، وتضيف «نحن بحاجة لزيادة عدد المراكز المتخصصة وتطوير الخدمات الصحية المقدمة لهذه الفئة، والتركيز على تنمية المهارات المهنية لهم، خاصة بالنسبة لفئة الكبار، وهذا ما يشغلني حاليا».
يأتي ذلك في حين تزيد معدلات الإصابة بمتلازمة داون في المجتمع السعودي عن المتوسط العالمي لمعدل الإصابة، حيث تبلغ في المتوسط العالمي 1 لكل 1000 شخص، بينما يقدر الاختصاصيون حجم الإصابة بمتلازمة داون في كونها تمثل حالة مصابة واحدة من بين كل 554 ولادة في السعودية، علما بأن متلازمة داون هو مرض ينجم عن اختلاف في الكروموسومات ويسبب تأخرا في النمو البدني والعقلي، وتزداد نسبة الإصابة بالمرض إذا تجاوزت الأم سن 45 عاما، حيث ترتفع احتمالية ولادة طفل مصاب إلى 1 في 30.
وفي الوقت نفسه، تثبت الدراسات الحديثة أن معظم الآباء والأمهات وجدوا أن التثقيف حول المتلازمة ساعدهم على التغلب على مخاوفهم وهمومهم، وهو ما جعل سنثيا كردي تتعلم أن تكون قوية من أجل ابنها عمر، حيث سخرت طاقتها له ولأصحابه من مصابي متلازمة داون، لمساعدتهم في التعلم واكتساب مهارات جديدة، وإعداد برامج اجتماعية وفنية لإطلاق طاقات هذه الفئة.
وعودة لمشروع كردي الذي أسسته قبل نحو 10 سنوات، فمن الممكن اعتبار خطوتها في ذاك الحين بأنها كانت جريئة من نوعها، حيث لم يكن انتشار المقاهي بالكثافة الموجودة الآن، بعد أن أصبح الاستثمار في قطاع المقاهي والمطاعم مؤخرا الأكثر جذبا للسيدات السعوديات، وهنا تقول «ما زالت السوق بالسعودية بحاجة لمشاريع جديدة تخدم هذا القطاع، وعندما تزداد مثل هذه المشاريع فهذا أمر يضيف لسكان وزوار المنطقة.. أتمنى أن تظهر مشاريع أخرى جديدة تخدم قطاع الأطعمة المشروبات وتكون على جودة عالية».
وعن سر انجذاب السيدات تحديدا لهذه المشاريع، تقول كردي «المرأة تمتاز عن الرجل باختلاف حسها وذوقها، وبحكم كونها سيدة فهي أقرب من الرجل إلى مجال الطبخ، لمعرفتها بمكونات المواد وطرق تحضيرها وتقديمها بشكل فني»، وتتابع بالقول «يضاف لذلك أن الإشراف على (كوفي شوب) بكل محتوياته من طريقة تقديم الطعام والأكواب والأطباق المستخدمة والديكورات.. جميعها أمور تتناسب مع شخصية المرأة وحبها للذوق والألوان».
أما فيما يتعلق بالاستثمار في مراكز التربية الخاصة، فتقول كردي «لا نستطيع القول إن هذا القطاع يحقق عائدا ماليا مجزيا، خاصة أن إنشاء هذه المراكز مكلف جدا من ناحية توفير الأجهزة والكفاءات البشرية المتخصصة، لكن فيها قيمة إنسانية عالية وتحقق تكافلا اجتماعيا كبيرا»، وتتابع «الذي يرغب بالاستثمار بهذا المجال فلا بد أن يدرك أنه لا توجد أرباح مرضية بقدر الدور الكبير الذي يقدمه للمجتمع».
يذكر أن كردي التي تحمل مؤهلا جامعيا في دراسات الطفولة من جامعة الملك عبد العزيز بجدة، هي عضوة المجلس التنفيذي لسيدات الأعمال في غرفة الشرقية إلى جانب كونها عضوة منتدى سيدات أعمال الشرقية، وبالإضافة إلى ابنها عمر، فهي أم لكل من عبد العزيز وأحمد والطفلة مريم، وعن الوصفة السحرية للنجاح تقول «التوازن مهم جدا في جميع أدوار المرأة، في حياتها كسيدة أعمال وزوجة وأم، خصوصا عندما يكون لديها ابن من ذوي الاحتياجات الخاصة».