مبدعون ومتميزون رغم ظروفهم الجسدية، ومتفوقون مهمشون بلا أي مبرر، ومشكلات تعترض طريقهم رغم توافر الإمكانات، ومعاناة لا أحد يسمعها وكأن الجهات المختصة أصيبت بالصمم!
إنهم فئات الصم والبكم من الدارسين في المراحل التعليمية المختلفة، منهم موهوبون يمتكلون رؤية ثاقبة للتفوق وخدمة الوطن، وتحقيق المزيد من النجاحات، بيد أن قضاياهم في واد والجهات المختصة في واد آخر، وهم الأكثر معاناة على مقاعد الدراسة بسبب قلة مترجمي الإشارة وعدم توفير وسائل تعليمية تقنية تعينهم على استيعاب الدروس وتحصيل العلوم.
القبس رصدت جانباً من مشكلات الصم والبكم على مقاعد الدراسة وتابعت عن كثب مطالبهم وآمالهم وآلامهم، وعبر مترجمي إشارة كان اللقاء حول الواقع التعليمي لهذه الفئات والعقبات التي يواجهونها والنواقص التي تجعل طريق التعليم وعرا وشاقاً.
كما اشتكى عدد من ابناء هذه الفئات من ان البعض يتاجر بقضاياهم ويتكسب من وراء معاناتهم، مشيرين إلى أن الحصول على السماعات المتطورة أمر بالغ الصعوبة.
بداية طالبت بدرية سامي الفضل وهي تعاني إعاقه سمعية وتدرس حاليا في المرحلة الجامعية بضرورة الالتفات إلى فئات الصم والنظر إلى متطلباتهم، فهم جزء لايتجزأ من المجتمع الذي ينتمون إليه، لافتة إلى ضعف الاهتمام بهذه الفئة وكأنهم من كوكب آخر.
وانتقدت نظرة المجتمع لهم واستغراب الناس من إعاقتهم، مبينة تكريس الاهتمام لذوي الاعاقه البصرية والحركية بخلاف الصم، كما تكمل تعليمها خارج البلاد في إحدى الدول الأوروبية، حيث الاهتمام الكبير بهذه الفئة والتعامل معها من دون تمييز.
متميزون.. ولكن!
وأضافت الفضل: أبناء الصم متميزون وأذكياء، والتعامل معهم سهل ويجب مساواتنا مع أقراننا الأصحاء ومنحنا الفرصة لإحراز التفوق وإثبات الذات.
واستعرضت الفضل جملة من المشاكل التعليمية التي تواجه فئة الصم، حيث قالت «في بداية المرحلة الدراسية كانت المناهج تختلف عن المدارس الحكومية، وفي مرحلة الصف التاسع بدأ الاهتمام وتدريسنا المناهج الحكومية، مما تسب لنا في الكثير من الصعاب لعدم تأسيسنا منذ البداية، ولكن بفضل الله تجاوزنا هذا الأمر، مردفة بالقول: شعرنا بالسعادة في الجامعة نظراً للإهتمام الذي حظينا به، غير أن أكبر مشكلة واجهتنا تتمثل في عدم وجود أحد يعيننا على ترجمة المحاضرات في بداية الأمر لعدم استعداد الجامعة لاستقبال فئة الصم، ولكن بعد فتره تم توفير المترجمين في الفصل الدراسي الأول، وواجهتنا المشكلة نفسها في الفصل الدراسي الثاني مما خلق صعوبة لنا في فهم المحاضرات، وننتظر الآن توفير المترجمين.
وفيما أيدت الفضل تقبل فكرة الدمج التعليمي، لفتت إلى أن عدم تقبل الناس لفئات الصم يصيب هذه الفئات بالإحباط وكأنهم من مجتمع آخر، مما يسبب مشاكل نفسية لهم، وبالتالي يعدم لديهم فكرة الدمج.
مترجم الإشارة
من واقع تجربته مع هذه الفئة في الحقل الأكاديمي، سرد مترجم الإشارات بدر الدوخي أبرز التحديات التعليمية التي تواجه فئة الصم، ومنها مشكلة عدم تعليم الصم كيفية التحصيل العلمي والدراسة للحصول على المعلومة من الكتاب، فضلاً عن عدم فهم طبيعة وطريقة تفكير الطلبة الصم، والتي تختلف عن أقرانهم الأصحاء، إلى جانب عدم إلمام الأصم بطرق حل الاختبارات وكيفية الإجابة عن الأسئلة، ناهيك عن عدم وجود مرافق للطالب الأصم في الفصل ليعينه على كتابة المحاضرات ولا يوجد من يساعده في أخذ النوتة من قبل الطلاب.
وأضاف الدوخي أنه عندما لايفهم الطالب في الجامعة الشرح ، فلا يمكن إعادة الشرح له من قبل المحاضر، علاوة على الإحراج الذي يصيبه نظراً لانعدام ثقته بنفسه واختلاف التركيبة النفسية لدى الطالب الأصم، إضافة إلى اختلاف طريقة التدريس الجامعية عن تلك المتبعة في المدارس ولهذا يواجه الأصم عقبة في كيفية الـتأقلم والتكيف مع البيئة والجو التعليمي الجديد. واضاف: بعض الأساتذة لا يراعي ظروف هذه الفئات ويرفض إعادة الشرح لهم.
وانتقد الدوخي عدم توفر العدد الكافي من مترجمي لغة الإشارة المؤهلين من ذوي الكفاءة ليتولوا مهمة الترجمة للطلبة من هذه الفئة في قاعات الجامعة.
الدمج التعليمي
وفيما اعتبر الدوخي أن الدمج التعليمي الأكاديمي مفيد للطلبة الصم في حال إذا تمت إزالة بعض العقبات التي تواجه هذه الفئة، وفي حال إجادة بعص أعضاء الهيئة التدريسية للغة الإشارة لتكون المحاضرة أيضا بلغة الإشارة لخلق فهم لطبيعة الحالة التي يعيشها الطالب الاصم، رأى أن الدمج التعليمي قبل الجامعة يعتبر أمراً صعباً بين الطلبة من هذه الفئة وأقرانهم الأصحاء، معللاً ذلك بأسباب عديدة منها عزل الشخص الأصم عن مجتمعه مما يؤثر في نفسية وشخصية الطالب الأصم، وهناك حالات تثبت هذا الوضع، في حين أنه من الممكن دمج ضعيف السمع القادر على السمع والكلام.
وأشار الدوخي إلى أن التغلب على المشاكل التعليمية التي تعترض الطلبة من هذه الفئة يبدأ بالمدرسة من حيث تأهيل الطالب وتهيئته للتكيف مع الجو الجامعي، وعمل زيارات مكثفة للجامعة، مشدداً على أهمية توعية الهيئة التدريسية والطلبة وكل من له احتكاك مباشر مع هذه الفئة بكل جوانب التعامل مع الصم والبكم والتعرف الى حياتهم عن قرب من خلال تنظيم دورات تثقيفية فضلا عن توفير محاضرات في الجامعة عن الصم ومجتمعه.
المطلوب: مترجمون مؤهلون!
وانتقد الدوخي عدم وجود مترجمي إشارة مؤهلين في الجامعة، حيث قال: للأسف هناك عدد محدود من المترجمين، ولكن حتى هذا العدد ليس مؤهلا لدخول قاعات الجامعة للترجمة، لافتاً إلى أنه ليس كل مترجم قادر على ترجمة المواد والمناهج الدراسية التي ينتسب إليها الطالب.
ولفت إلى أن الاعتراف بلغة الإشارة الكويتية ينقص فئة الصم في المجتمع الكويتي، مبينا أن الحكومة الكويتية بحاجة إلى أن تعرف أن هناك فئة من المجتمع الكويتي يتحدثون بلغة تختلف عن لغتنا المنطوقة وهي ليست لهجة كما يشيع البعض.
مشروع
وزاد بالقول «انه لا يمكن لأحد أن يسمع لغة الإشارة لنقول انها لهجة وهذا يعد عدم وعي باللغات، وعدم معرفة ماهية لغات الإشارة وبخاصة لغة الإشارة الكويتية، مؤكدا أن الدولة بحاجة إلى تبني مشروع لمترجمي لغة الإشارة الكويتية وخلق كيان ينظم عمل المترجمين، فضلا عن وضع معايير وقانون للمترجمين للحد من استغلال الصم.
وناشد الدوخي وزير التربية ووزير التعليم العالي د. نايف الحجرف بأن يأخد هذه الفئة بعين الاعتبار ويضع النواحي التعليمية الخاصة بهذه الفئة نصب عينيه، فضلا عن تذليل العقبات التي تعترضهم، بالإضافة إلى عدم السماح لأي شخص يتحدث عن لغة الإشارة الكويتية واستبدالها بالإشارات العربية الموحدة دون أن يكون هناك سند علمي أكاديمي يثبت أن الإشارات العربية أفضل من لغة
الإشارة الكويتية
ولفت الدوخي إلى أن هناك أشخاصاً يريدون طمس لغة الإشارة الكويتية لأسباب شخصية وتهميش مجتمع الصم، مضيفا: ان لغة الإشارة الكويتية أفضل من الإشارات المختلطة والمجمعة من دول كثيرة، حيث تتضمن أخطاء كثيرة، وهي لا تمت بصلة لمجتمعنا.
تعاون بين المؤسسات التعليمية
دعا مترجم الإشارات بدر الدوخي إلى ضرورة التعاون بين مدارس الصم ونادي الصم والجامعة لتذليل جميع العقبات التي تواجه هذه الفئة بأسلوب أكاديمي ومنسق.
معايير مطلوبة في مترجم الإشارة
أشار الدوخي إلى ضرورة أن يكون مترجم الإشارة على قدر كبير من الكفاة والمهارة الكافية بالترجمة، إضافة إلى إلمامه بالمعلومات وان تكون لديه خلفية علمية أكاديمية عميقة.
مكتب أكاديمي للغة الإشارة
طالب الدوخي بضرورة تخصيص مكتب في جامعة الكويت متخصص بلغة الإشارة الكويتية ليساند الطلبة الصم وأعضاء الهيئة التدريسية، فضلا عن تنظيم محاضرات تنويرية وتثقيفية عن الصم مع توفير دورات بسيطة حول لغة الإشارة الكويتية.
مطالب
تمنى مترجمو الإشارة من مسؤولي جامعة الكويت ووزارة التربية توفير المترجمين للطلاب الصم بأسرع ما يمكن حتى يتسنى لهم الإستفادة من المحاضرات كبقية الطلاب بدلا من الجلوس في قاعات الدراسة دون أي تواصل.