يعتبر الرسم لغة في حد ذاته, تتيح للأفراد سواء كانوا أطفالا أو شبابا عاديين أو ذوي إعاقة فرصة للتعبير عما بداخلهم والاتصال بالآخرين, ومن هنا أصبح الفن اتجاها علاجيا تربويا بدأ ينتشر في العالم بصورة كبيرة.. وهذا ما جعل جمعية كيان تقيم معرضها الفني الأول الذي افتتح مؤخرا بمركز سعد زغلول الثقافي.
تنوعت اللوحات الفنية التي قام بتصميمها الأطفال ذوي الإعاقة وأبهرت زوار المعرض, وأختلفت أنواعها ما بين مناظر للطبيعة وأخري للأشخاص فضلا عن أعمال فنية من الخزف والفخار والأورجمي وفنون ورقية وتشكيل بالعجائن والصلصال, وأعرب عدد كبير من الشخصيات العامة والمهتمين بالحركة الفنية في مصر عن تقديرهم لمواهب هؤلاء الأطفال وإبداعاتهم الفنية, وزار المعرض مجموعة من طلاب كلية الفنون الجميلة وبعض المهتمين بقضية ذوي الإعاقة في مصر, تم بيع ثمانية لوحات فنية من إبداعات الأطفال في اليوم الأول للافتتاح, من بين الأطفال الذين شاركوا في المعرض صفاء طه التي لم تتجاوز الثانية عشرة من عمرها ولكنها شديدة الموهبة وكانت أعمالها من أكثر الأعمال التي لفتت أنظار زوار المعرض.
حول الهدف من إقامة المعرض يقول الدكتور أيمن الطنطاوي المدير التنفيذي لجمعية كيان إن الهدف هو اكتشاف الأطفال الموهوبين من ذوي الإعاقة خاصة أن بعضهم يمتلك من الموهبة والحس الفني ما يفتقده كثيرون تتوافر لهم كل السبل وأيضا كنوع من المساهمة في علاج الأطفال حيث إن الرسم لم يعد مجرد هواية أو فن راقي بل أصبح يستخدم كعلاج للعديد من الأمراض خاصة الذين يعانون من مرض الصرع وفرط الحركة حيث يساعد الرسم علي التحكم في عضلات أيديهم وأعينهم من خلال استخدامها في الرسم والتلوين أو الرسم علي القماش أو تشكيل الصلصال والخزف والفخار وكل ذلك يسهم في نموهم العقلي والطريف أنه تم الاحتفال باليوم العالمي للعلاج بالرسم في مدينة سفر الفرنسية حيث تمت إقامة معرض فني كبير ضم للوحات الأطفال المصابين بالسرطان في نفس التوقيت الذي أقيم في معرض جمعية كيان.
وطالب الطنطاوي بضرورة تكاتف جهود مؤسسات الدولة والمؤسسات الخاصة المعنية بالعمل الابداعي في مصر من أجل دعم مواهب الأطفال ذوي الإعاقة وإفساح المجال لظهورها بالشكل المرضي والاعتراف بحق الأشخاص ذوي الإعاقة في التعبير عن أنفسهم فنيا وأن يترجم هذا الاعتراف إلي واقع عملي يحتوي مواهب الأطفال ذوي الإعاقة وينميها ولا يقف فقط عند الأحاديث الإعلامية أو كلمات لقاءات الغرف المغلقة.
وعن كيفية استخدام الرسم في علاج الأطفال ذوي الإعاقة تقول أميرة ماهر- مسئول النشاط الفني في جمعية كيان وتحضر ماجستير حول كيفية العلاج بالرسم: إن استخدام الرسم في عملية علاج الأطفال ذوي الإعاقة مهم وضروري جدا خاصة للذين يعانون من ضعف السمع أو الصم أو التوحد لأنهم ذات طبيعة خاصة حيث تختلف سيكولوجيتهم ومراحل نموهم وطريقتهم في اللعب والتعلم لذلك يعد الرسم وسيلة تمكنهم من التعبير عن أنفسهم, ويقوم العلاج بالرسم علي فلسفة التنفيس عن اللاشعور وبذلك ينقل الطفل خبراته وصراعاته وكل ما يعانيه من مشاعر القلق والكبت بطريقة لا شعورية إلي لوحات مرسومة وبالتالي يكون الاتصال بين المريض والمعالج اتصالا رمزيا يتم من خلال ما يعبر عن المريض وهنا يقوم المعالج بتحديد البرامج العلاجية الخاصة بالحالة, وأثبتت التجارب فعالية هذا العلاج حيث ينمي مهارات الطفل عن طريق استخدام الألوان والخطوط والأشكال كما تساعده علي تنظيم الحقائق بصورة واضحة بالإضافة إلي أن الطفل من خلال الرسم والأعمال الفنية يتعلم التمييز بين الألوان والأشكال والأصوات, كما أن استخدامه ليديه وعينيه وأذنيه وكل حواسه يشكل لدية خبرة ويعرف كيف ينظر ويستمع ويتذكر كل ما رآه وسمعه, ومن أمثلة الأنشطة الفنية التي تستخدم في علاج ذوي الإعاقة الرسم بالأصابع والتشكيل بالورق وطباعة المنسوجات وعمل النسيج والسجاد وتصميم لوحات الحائط الجماعية كما يتم استخدام خامات من البيئة المحيطة بالطفل مثل العجين والصلصال وبعض البقوليات مثل الفول والأرز والمكرونة والقطن وبقايا الأقمشة لأن الطفل ذوي الإعاقة دائما يكون في حاجة إلي ما يثير انتباهه وحواسه ليقضي وقتا سعيدا بعيدا عن التعليم الأكاديمي.
وتضيف أميرة: علي الرغم من أن العلاج بالرسم يستخدم في نطاق ضيق في مصر ولم يعد معروفا للجميع, ولكنه أثبت نجاحا كبيرا, فهناك حالة في إحدي الدول الأجنبية كان تشخيصها اضطراب توحد مبكر مع إعاقة ذهنية بسيطة وخضعت هذه الحالة لبرنامج تعديل سلوك ولكن دون جدوي وعندما تم علاجها بالرسم بعد ثلاثة أشهر تناقصت حدة غضب الطفل وتوتره حيث زوده الرسم بوسائل لبناء علاقات اجتماعية مستقرة وبعد عامين من العلاج تعلم كيف يشارك وينجز بعض المهام المنزلية وأظهر تحسنا ملحوظا في علاقاته بمن حوله بعد أن كان يفضل العزلة كما تحسن تواصله البصري وبدأ أكثر أحساسا وقابلية للاستجابة, لذلك أقمنا معرض فنيا للأطفال حتي يساعد ذلك علي تحسن حالتهم وسوف تستمر المعارض من وقت لآخر وأتمني أن يزيد الوعي في المجتمع بأهمية هذا العلاج.