الكاتب : سامى جميل
هناك منا من له ذاكرة بصرية وهي ذاكرة قوية لما يراه ويعشق الأشكال والمرئيات وغالبا ما يكون هذا الشخص متميزاً في مادة العلوم وبخاصة مادة الأحياء (البيولوجى).. وهناك من له ذاكرة سماعية ويميلون غالبا إلى المواد الأدبية باعتبار أن أساسها اللغة العربية التى هي في ذاتها لغة سماعية.. وهكذا..
ونحن نعلم اللغة العربية للصم من جانبها السماعي ونسعى لأن يستقبلوها هكذا (أؤكد على أننا نتحدث عن الصم الذين تمثل لغة الإشارة هي لغتهم الأولى والأساسية) بالرغم من أن ذاكرتهم القوية بالضرورة هي ذاكرتهم البصرية بطبيعة الحاسة التى يعتمدون عليها في تواصلهم وهي حاسة البصر للغتهم (لغة الإشارة) المرئية.
ومن ثم فإنه يجب في اختيار استراتيجية التدريس التى تتناسب مع الصم التى تعتمد على الذاكرة البصرية وليس الذاكرة السماعية.. وأؤكد بأنه لا يجب أن ندعي أننا نكتب لهم اللغة العربية على الكراسة أو السبورة ومن ثم نعرض لهم اللغة العربية مكتوبة والتي تعتمد على الذاكرة البصرية.. لأننا ننقل هذه اللغة – اللغة العربية – للصم في صورتها المقروءة (السماعية) ونضع الاختلافات بين المفردات والمترادفات في صورتها السماعية من خلال التشكيل وما شابه.. ومن ثم فإن هذا الأسلوب في التدريس هو الذى نطغى فيه بأن نستحضر الذاكرة السماعية لدى الأصم.. وأين هي في ظل إعاقته السمعية!!
وأعود لطرق واستراتيجيات التدريس.. إن طريقة التعلم المرئي باللغة المرئية VL2 هي الطريقة التى أعتمدت تماما على حاسة البصر ومن ثم فهي تركز تماما على الذاكرة البصرية دون الذاكرة السماعية على الإطلاق.. بل إنها تدعم النطق وحركة الشفاه لدى الصم أحيانا في نطق مفردات اللغة العربية دون أن تتجه إلى حاسة السمع لدى الصم.. سواء في عرض اللغة العربية من خلال لغة الإشارة.. أو في تفسير الصورة المكتوبة (المرئية) للغة العربية أمام أعين الصم.. وما ذاكرة الأصم البصرية بضعيفة بل هي الأقوى لديه بطبيعته.. وهو ما يجعلنا نخرج من فكرة أن ذاكرة الأصم ضعيفة.. إنها فقط الذاكرة السماعية التى تعتبر ضعيفة بل منعدمة لدى الأصم وليست البصرية.. لذا كان لا بد أن نركز على طريقة التدريس التى تتناسب وطبيعة تلك الذاكرة البصرية.
مما سبق أجد أن العيب فينا ـ نحن مدرسي الصم ـ في ضعف مستوى تعليمهم وليس مستوى الأصم التعليمي.. ذلك أننا لم نصل بعد إلى كامل خبايا هذه المجتمع بلغته الإشارية وطرق تدريسه المتعددة ومدى تناسب إحداها عن الأخرى وفق طبيعة التواصل لدى الأصم..
من أجل الإرتقاء بتعليم الصم لابد أن تكون المنظومة التعليمية متكاملة لتحسين جودة هذا التعليم والوصول به إلى المستوى الأمثل الذى ننشده لهم..
وللأسف إذا إنتظرنا النظم والسياسات التعليمية لترتقي بتعليم الصم سننتظر قروناً وقروناً مثلما انتظرنا سابقاً.. إن المنظومة التعليمية تحتاج إلى تكامل كافة عناصر العملية التعليمية.. وللأسف أين نحن من هذا التكامل؟!.. إن تعليم الصم يستلزم فريق عمل متجانس.. وأين نحن من العمل كفريق جماعي؟!
الهدف من طرح هذه الأسئلة الطموحة ضروري كمدخل إلى تحقيق الاستمرارية وإيجاد نظام تعليمي يبرز قدرات الأصم ويحقق له التعليم الجيد بل والمتميز..
ولكن، إلى متى سنظل ننتظر الحكومات والهيئات والمنظمات والإدارات التعليمية..؟؟
أبناؤنا الصم يولدون ويتزايدون.. ومشكلة أمية الصم تزداد وتتفاقم… ومن ثم كانت هناك مبادراتنا الفردية أو حتى الجماعية ولكن في إطار مؤسسة أو جمعية فقط..
إن نجاحات الصم المتميزين في وطننا العربي هي نجاحات أمهات للصم.. ممن اتبعن طريق التخاطب والنطق ودمجن أبناءهن بالتعليم العام وصولا إلى الجامعة.. والنماذج عديدة..
أليس هذا هو أسلوب للتدخل المبكر والمتابعة اتبعته أم ملهوفة للوصول بابنها أو ابنتها إلى هذا المستوى المتميز من التعليم.. لقد حققت تلك الأمهات التكامل بين جزئين فقط من المنظومة التعليمية.. جانب أسر الصم وأؤكد (الأم) وجانب المعلم فقط وأثق دوماً في أن هذا الجهد هو جهد متكامل للأم ذاتها في نقل المعلومة والوصول بها لإبنتها أو ابنها.
إن كامل النظم والسياسات التعليمية لن تحقق التعليم المنشود للصم دون معلم متكامل في ذاته.. ولكن إن تكاملت كافة عناصر العملية التعليمية سيكون للمعلم دورا مدعوما من السياسة والإدارة التعليمية…
فلنبدأ بالمعلم فهو الأسهل وصولا إليه في هذه المرحلة من تدني مستوى تعليم الصم في وطننا العربي.. ومنه يمكن أن تجد الحكومات ذاتها نجاحات من مدرسيها فتتبنى تلك النظم وتغير في السياسات بما يحقق هذا التكامل..
من الصعب أن ننتظر وأن نترك أبناءنا الصم يتزايدون ويكبرون وتضيع أعمارهم سدى دون أن يكون لهم وجودا حقيقيا في مجتمعنا هذا.. وبدون العلم وبدون التعلم لا يجد الإنسان له مكانا في هذا المجتمع..
المصدر : المنال رؤية شاملة لمجتمع واع