[B]
إن طلبة المدينة والعاملين فيها وهم يهنئون الإخوة الصحافيين وجميع العاملين في المجال باليوم العالمي والعربي للصحافة يتطلعون إلى توضيح مجموعة من المبادىء والأسس للتعامل مع قضاياهم بما ينسجم مع روح العصر ومكتسباته ويتسق مع مستوى التقدم في الطرح والمعالجة الذي وصل إليه الإعلام بشكل عام في إداء رسالته النبيلة تجاه فئات المجتمع كافة.
لقد شكل القانون رقم 29 والمعاهدة الدولية لحقوق الأشخاص المعاقين نقلة نوعية في مقاربة قضية الإعاقة من كونها شأنا يتعلق بالرعاية ومشاعر الشفقة والإحسان إلى قضية من قضايا حقوق الإنسان، ولم تعد الإعاقة بتعريفها الحديث ظاهرة طبيعية أو فيزيولوجية تلحق بصاحبها بل ظاهرة اجتماعية ومحصلة للتفاعل مع الحواجز والعوائق في البيئة المحيطة تحول دون مشاركة الأشخاص المعاقين مشاركة تامة على قدم المساواة مع الآخرين.
كما أن الأشخاص المعاقين يتمتعون بالأهلية الكافية لاتخاذ وتبني القرارات المتعلقة بحياتهم ولابد من احترام مشاعرهم ومعاملتهم بالتقدير الذي يستحقونه وحفظ كرامتهم وكرامة ذويهم باعتبار ذلك حقاً إنسانياً لا مسألة اختيارية تحتمل الأخذ والرد.
وعليه، فإن التمعن في هذه المبادىء والعمل بمضمونها يستوجب لغة إعلامية راقية بمضمونها ومفرداتها واقعية في طرحها وتوجهها دقيقة في استخداماتها علمية في مصطلحاتها تراعي كل هذه الجوانب مجتمعة حتى لا تتحول معها قضايا الأشخاص المعاقين إلى مشكلات فردية ومجرد محاولات لاستدرار العطف والشفقة واستثارة مشاعر المحسنين وأهل الخير..
ولابد إذن من لغة إعلامية راقية تحشد الدعم والمساندة والتقبل من كل فئات المجتمع وقواه الفاعلة لنصرة الأشخاص المعاقين وقضاياهم باعتبارها قضايا اجتماعية وحقوقية بامتياز سنت من أجلها القوانين والتشريعات التي تحفظ هذه الحقوق وتحميها لا بل تمكن أصحابها من الوصول إليها بكرامة وعزة نفس يستحقها كل إنسان كرمه الله جل وعلا وفضله على باقي مخلوقاته.
إننا في الوقت الذي نجدد شكرنا وتقديرنا لكل ما قدمته الصحافة من جهد كبير وأثر ملموس في خدمة قضايا الإعاقة نأمل ونتطلع أن تتجلى هذه اللغة الإعلامية الراقية في استخدام المصطلحات العلمية الدقيقة فنتجنب على سبيل المثال توصيف التوحد أو متلازمة داون بالمرض لأن الاثنتين عرض ملازم لصاحبه طوال حياته أما المرض فيمكن لصاحبه أن يبرأ منه،
ونبتعد عن وصف غير المعاقين بالأسوياء لأن عكس هذا الوصف لابد سيكون غير سوي ومثل أسوياء طبيعي وسليم، ولا نقول عن أصحاب متلازمة داون أنهم منغوليون لأن الأخيرة اسم شعب لا نوع من أنواع الإعاقة، ولا نصف المعاق ذهنياً بالمتخلف عقلياً أو الإعاقة بالعاهة أو المعاق بالعاجز أو المقعد لأن في هذا هدر لكرامة الإنسان المعاق وتنزيل له إلى مرتبة دونية لا يستحقها، وفي المقابل علينا أن لا نبالغ كثيراً في قدرات الشخص المعاق وكأنه «سوبرمان» لأن هذا يحمله ما لا طاقة له به، ولا نسرف كثيراً في الأمل أو تضخيم النتائج لأنه لا توجد وصفات سحرية لـ «الشفاء» من الإعاقة بل صبر ومثابرة وعمل دؤوب وجهد لا يكل ولا يمل، ولابد أن نحرص على استخدام مصطلح التمكين بدل الرعاية لأن الأخيرة توحي بأن المعاق شخص اتكالي ومعتمد على الآخرين طوال حياته!
إن التوصل إلى هذه اللغة الإعلامية الراقية والدقيقة أمر يمكن تحقيقه عندما لا يتردد أهل القلم في الاستعانة بأهل الاختصاص وكل في مجاله سواء لسلامة التوجه وإنسانيته أو علمية المصطلحات ودقتها أو لاختيار العناوين والابتعاد بها عن المبالغة والتهويل أو حتى في اختيار الصور ومدى ملاءمتها فلا توضع صورة أطفال صم لموضوع عن متلازمة داون أو صورة طفل غير معاق مع موضوع عن التوحد.
وهذا يتطلب بالطبع رفع مستوى التنسيق والتعاون مع الجهات العاملة في المجال للاطلاع على توجهاتها عن كثب وهذا ممكن من خلال تنظيم الزيارات المتبادلة وعمل الندوات المشتركة وإلقاء المحاضرات التثقيفية والتوعوية، ولا بأس من إشراك الأشخاص المعاقين حملة الشهادات الجامعية والراغبين منهم في مجالات العمل الصحفي.
إذن، ونحن نجدد تهنئتنا باليوم العالمي والعربي للصحافة أعاده الله على جميع العاملين في المجال.. أهل القلم والفكر وحملة رسالة الأمة والمنافحين عنها فإننا نتطلع ونطمح أن تكون هذه المناسبة مدخلاً إلى اسهامنا المشترك جميعاً في نشر ثقافة ايجابية حول الإعاقة تنسجم مع روح العصر ومستوى التقدم الذي وصلت إليه دولتنا الحبيبة وجعلت معه من الاهتمام ببناء الإنسان الواعي والمفيد لوطنه على رأس اهتماماتها وسلم أولوياتها.
وفقنا الله وإياكم لكل ما فيه خير بلدنا وعزته ورفعته بجميع أبنائه معاقين وغير معاقين
وكل عام والصحافة وأهلها بألف خير[/B]